القصيرة والبصيرة
روزاليوسف اليومية
اجلس إلي أي محافظ.. أي محافظ.. وناقشه في شئون محافظته.. سوف تجد أن أول وآخر وأوسط موضوع يمكن أن يكلمك فيه عنوانه: ضيق ذات اليد.. وأن الإيد قصيرة والعين بصيرة.. والميزانية محدودة جدًا.. ولا تكفي شيئًا.. (كما أن وزير المالية يضغط علينا ولا يوفر لنا التمويل.. ويريد فوق كل هذا أن يضم صناديق المحافظات إلي حسابات الموازنة العامة).
في بعض الأحيان كادت عيناي تدمعان تعاطفا مع السادة الأفاضل.. ولو كان بيدي لسددت تبرعًا فوريا لخزانة المحافظة.. ولكن يدي بدورها قصيرة رغم أن عيني تبصر تلك المأساة الممثلة.
هذه واحدة من أساطير تبرير سوء وضعف كفاءة أوضاع المحافظات.. والتكئة التي يستند إليها الغالبية لكي يقولوا لماذا هم لا يعملون ما هو منتظر منهم.. وبالأمس هاتفتني إحداهن من محافظة حلوان لكي تذكرني بأن ميزانية المحافظة 35 مليون جنيه.
عفواً يعني.. سأفترض بداية أن هذا كلام صحيح.. لكن ألم تكونوا تعلمون.. ما لكم تقولون هذا كما لو أنكم أجبرتم علي العمل كمحافظين.. وأنتم تقومون بهذا من أجل سواد عيون الوطن.. ولم يسع بعضكم لكي يكون محافظًا.. إذا كنتم تعرفون هذه الأرقام قبل أن تتولوا العمل فهذا أمر لا ينبغي التحجج به.. وإذا لم تكونوا تعلمون فإن جدارتكم بمواقعكم بالتأكيد هي محل شك.
بصراحة حجة فارغة تمامًا.. المحافظ حين يكلمك عن ميزانيته الضعيفة التي لا تتجاوز بضعة عشرات من الملايين هو يتكلم عن المبلغ الذي يستطيع أن يتخذ فيه قرارًا.. ولا يكشف لك عن صناديق تدر الملايين في عديد من المحافظات.. وعن أراضٍ تبيعها هذه المحافظة أو تلك وعشرات من مصادر الدخل غير المرئية مباشرة.
التمويل موجود بدليل أن هناك مشروعات تتم في نطاق المحافظات.. ولكن تمويلها قراره في يد الحكومة المركزية.. والحكومة تقرر بناء علي اقتراحات المحافظين وعلي أساس مناقشات يفترض أنها أقنعت مجلس الوزراء بأهمية العمل في اتجاه بعينه.
ولدي كل محافظة بطريقة أو أخري عشرات من مصادر التمويل.. التي قد لا يكون اغلبها مدرجًا في الميزانية العامة.. بشكل علني.. وأي عمل في أي نطاق حكومي أو غيره لابد له أن يعاني من فجوة ما بين الخطة والتمويل.. ومن هنا تنشأ مشكلات العجز.
والموضوع له جانب آخر .. يتعلق بالنزاع بين الحكومة المركزية والأقاليم علي الصلاحيات.. أي ذلك الذي ندرجه تحت عنوان معروف وهو تخفيف وطأة قرار العاصمة علي مسار الإقليم.. اللا مركزية يعني.. وفي الآونة الأخيرة تم تدبير مبلغ كبير.. حوالي3 مليارات جنيه.. لكي يتم اختبار فرضية التعامل المحلي مع التمويل حين يكون في يد الإقليم أن يتخذ قراره المالي.. ولا تسألني كيف تم تدبير هذا المبلغ الضخم.. أنا شخصيا ليست لدي إجابة.
الحكومة حين قررت هذا المبلغ مع الحزب.. لم تمنح المحافظين صلاحية إنفاقه بالكامل.. إذ يبدو أنها لا تثق في طبيعة التصرفات.. وتخشي أن يوجه كله بقرار من المحافظ إلي عاصمة المحافظة.. واجهة العمل الذي يريد أن يراه الآخرون.. إذ لا أحد يزور القري المتعبة.. وهكذا تقرر أن يوزع المبلغ كما يلي: 40٪ من المبلغ في قبضة المحافظات.. تخصص 10٪ منها لعاصمة المحافظة.. و30 ٪ توجه من المحافظة إلي بقية الوحدات المحلية.. الـ60٪ المتبقية تسلم إلي المراكز التي تقوم بتوجيهها إلي الوحدات المحلية الأكثر احتياجًا أو أي مشروع يفيد الوحدات المحلية المختلفة.
ولنر نتيجة هذا الاختبار وكيف سوف يتصرف المحافظون.. ومن حولهم ومن يعملون معهم.. وكيف سيقرر المجتمع المحلي اختيار المشروعات التي يحتاجها أكثر من غيرها.. لكن هذا لا ينفي أن ضيق ذات اليد حجة فارغة إلي حد كبير.. بدليل أن البعض منهم تجده يستغرق في مشروعات تجميل وترويق في مناطق بعينها لكي تتغني الصحف بإنجازاته.. ويدهش الزائرون العابرون.. أي أنه يختار أولوياته بعيدا عن التنمية الحقيقية.. ساعيا لبعض الصيت.. ليس أكثر.
وللتدليل علي هذا سوف تجد أحدهم قد انشغل بجداريات من الموزاييك في عاصمة محافظته الصعيدية.. والله أعلم بما هو حال عشرات من القري حوله.. ولا أقول تلك التي تتناثر في عمق حدود المحافظة.
الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net
البريد الإليكتروني: [email protected]