كيف يختارون المحافظين ؟
عبد الله كمال
منذ بدأت تلك التعليقات حول مستوي المحافظين وأدائهم ومدي كفاءاتهم.. وأنا أتلقي تعليقات مختلفة حول الطريقة التي يتم بها اختيار المحافظين.. أو للدقة المصادر البشرية التي يأتون منها.. وهنا يثور حديث حول صلاحية الخلفيات التي ينتمي إليها بعض المحافظين لكي ينجحوا في مهامهم.
أولاً: أنا أؤيد تمامًا وأساند الرؤية المستقرة بخصوص اختيار المحافظين للأقاليم الحدودية من خلفيات عسكرية.. بمعني محافظات مطروح وأسوان والوادي الجديد وشمال وجنوب سيناء والبحر الأحمر والسويس.. المبرر واضح.. التنمية في هذه المناطق لها أبعاد ذات علاقة بوضعها الاستراتيجي وتركيبتها الاجتماعية.. وأغلب تلك المحافظات ليس لدي فئات عديدة في المجتمع خلفيات سابقة عن تركيبتها السكانية وأوضاعها الاجتماعية والأمنية.. خبرات غير متوافرة لأي مؤسسة أخري في المجتمع.. تراكمت لأسباب مفهومة.
ثانيًا: أغلب، إن لم يكن كل التجارب السابقة، أثبتت نجاحها في هذا السياق.. وصناع التنمية في مناطق مثل البحر الأحمر وشمال وجنوب سيناء هم من هذه الخلفية حتي لو كانت لنا ملاحظات علي أداء بعض الأسماء.. ولا أعتقد أن نجاحا متوقعًا لخبراء السياحة مثلاً إذا ما كلفوا بمهام في نفس المحافظات الثلاث المذكورة كان يمكن أن تكتمل أبعاده.. لأن خبراء السياحة ليست لديهم خلفيات استراتيجية وقد يتخذون قرارات تحقق رخاءً اقتصاديًا ولكنها تسبب مشكلات في الأبعاد الأمنية.
ولابد أن نعترف بطريقة واضحة لا لبس فيها، فيما يخص بقية المحافظات، مع احترامي لكل الكفاءات وكل المؤسسات، بأن لدي البلد مشكلة في الموارد البشرية.. حتي ونحن نتغني بأن بلدنا عامر بالبشر.. وهي مشكلة يعاني منها أصغر رئيس شركة وصاحب عمل محدود وصولاً إلي من عليه أن يعين بشرًا في مناصب مرموقة.. وفي كثير من الأحيان في مواقع مختلفة يكون هناك اضطرار للاستعانة بكفاءات، يكون أفضل لو لم تكن هي المختارة للعمل المكلفة به.. لكن لا يمكن العثور علي غيرها.
وأعتقد أن تلك مشكلة تصادف أي صانع قرار حتي حين يختار محافظًا أو وزيرًا أو رئيس حي أو رئيس مدينة.. الطاقات غير مكشوفة.. أو غير مكتملة المواصفات.. وفي المرة الأخيرة لحركة المحافظين استعان رئيس الوزراء بعدد من خبراء الإسكان في المحافظات.. ولا أعتقد أن تجربة سيد عبدالعزيز وحازم القويضي في كل من الجيزة وحلوان كانت مبشرة.. بل وفي بعض الملفات خلاصتها سيئة.
المعضلة خارج المحافظات الحدودية ليست في خلفيات يأتي منها هذا المحافظ أو ذاك.. ليست مشكلة القاهرة في أن عبدالعظيم وزير جاء من خلفية قانونية.. فقد كان محافظا كفؤًا في دمياط لكنه ليس كذلك في العاصمة.. كما أن نجاح عادل لبيب في الإسكندرية قد لا يعود إجمالاً إلي كونه ضابط شرطة سابقًا.. فقد تراكمت خبراته في ثلاث محافظات: قنا والبحيرة ثم الإسكندرية.. وإذا كان محمد شعراوي أنجز إلي حد ما في البحيرة فإن أحمد ضياء لم يكن ناجحًا بالكامل في المنيا.. وكلاهما من خلفيات شرطية.. كما أن نجاح سمير فرج في الأقصر لا يعود فقط لكونه من خلفيات عسكرية.. وإنما لأن لديه تراكمًا إضافيا في موقعين: وكيل وزارة السياحة ثم رئيس الأوبرا.
والمعني أن المقومات الشخصية والرؤية المتكاملة هي الأساس.. ومن الطبيعي أن المقومات الشخصية تضيف إليها خبرات المؤسسات.. ولكن المؤسسات ليست مسئولة عن نجاح هذا المحافظ أو ذاك.. فهي لا تدير المحافظات.. وإنما يديرها المحافظون.
وهناك محافظات تعين المحافظ.. لأسباب تتعلق بمواردها وأسباب تتعلق بطبيعة مجتمعها.. وهناك محافظات تعوق أي محافظ حتي لو كان عبقريًا.. وتحتاج إلي عصا سحرية لكي تنهض.. ولكن هذا لا ينفي مسئولية المحافظين.. فبعض المحافظات لم يكن منتظرا منها أي نجاح ولكنها لفتت الأنظار حين وصل إليها شخص قادر علي أن يواجه الصعوبات.. ولا داعي لذكر أمثلة من النوعين الفاشل والناجح.
كل هذا لا ينفي أن بالإمكان أحسن مما كان.. وأن أوضاع المحافظات تحتاج إلي نظرة متعمقة.. لا تقتصر علي تغيير في المسئولين عنها.. وإنما تمتد إلي التطوير القانوني لأوضاع المحليات وتقليل اللامركزية.. ومنح مزيد من الصلاحيات للسلطات المحلية.. حتي لا يأتي محافظون يقولون إنه ما باليد حيلة.. ويتغنون بأن الفلوس قليلة والصلاحيات غير مكتملة.
الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net
البريد الإليكتروني: [email protected]