الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
رفقاً بالنيابة العامة
كتب

رفقاً بالنيابة العامة




 


كرم جبر روزاليوسف اليومية : 26 - 10 - 2009


النائب العام لن يستطيع وحده إصلاح الكون
1
لجوء المسئولين إلي النيابة العامة، ليس معناه النزاهة والشفافية والحزم والحسم، ولكن معناه الفشل الذريع لهؤلاء المسئولين في سد ثغرات الفساد والتسيب والإهمال، فيعلقون الأمر في رقبة النيابة.
كان الله في عون النائب العام المحترم المستشار عبدالمجيد محمود، ولكن الحمل عليه ثقيل، لأنه لا يوجد وزير ولا مسئول في البلد يحاسب ويراقب، ويمنع المصائب قبل وقوعها.
النيابة تختص بالجانب الجنائي فقط، ولكن هناك عشرات من صور المحاسبة السياسية والرقابية والإدارية والانضباطية، يجب أن تسير جنباً إلي جنب الإجراءات الجنائية.
2
كثير من السادة الوزراء والمسئولين يتنصلون من المسئولية، ويتهربون من المحاسبة بعبارة "نحن في انتظار نتائج التحقيقات".. وبهذا يفلتون من المحاسبة، ويضيعون القضية.
كثير منهم يتهرب أيضاً بتشكيل لجان التحقيق، وهناك قاعدة ذهبية تقول: "إذا أردت أن تميت شيئاً حله إلي لجنة" أو "أفضل اللجان مكونة من ثلاثة أحدهم غائب والثاني ينام دائماً".
تحقيقات النيابة تستغرق وقتاً لأنها تتناول وقائع لاينفع معها السرعة، واللجان تستغرق وقتاً أطول.. وخلال "فترة الاستراحة" تضيع معالم الجريمة، وتضعف الرغبة في العقاب.
3
كان الله في عون النائب العام والنيابة العامة، لأن مصر كلها تصب في مكاتبهم ابتداء من شوبير حتي القطار وصفقات القمح الفاسدة والنائب الذي اقتحم قسم الشرطة.. وغيرها وغيرها.
مطلوب من النيابة العامة أن تحقق وتدقق وتحاسب وتصدر الحكم وتنفذه.. بينما 75 ٪ من هذه المهام هي في الأصل ملقاة علي عاتق السادة الوزراء وكبار المسئولين.
لماذا يتُعب السادة الوزراء أنفسهم ويتخذون قرارات وإجراءات؟ ولماذا لايلجأون إلي القاعدة الذهبية "في انتظار نتائج التحقيقات"؟. وهي عبارة يستخدمونها للتضليل والإفلات من المساءلة.
4
في حادث قطار العياط مثلا، يقتصر عمل النيابة علي خمسة أو ستة موظفين غلابة، سيشيلون القضية، بينما الجاني الحقيقي سيبقي دائماً بعيداً عن دائرة الاتهام.
الجاني الحقيقي هو كبار المسئولين الذين استراحوا في مكاتبهم المريحة، دون أن يكلف واحداً منهم عناء المتابعة والمراقبة، حتي يقيس مدي كفاءة أنظمة الأمان التي "فلقوا دماغنا" بها.
الرقابة الوحيدة أصبحت هي الزيارات السخيفة والمعدة سلفاً للسادة الوزراء إلي مواقع العمل، ويصاحبهم لفيف من الصحفيين والكاميرات، وتفرش الأرض بالسجاد الأحمر والورود.
5
قد نلتمس العذر لوزير النقل لأن الحادث الأخير جاء بسبب أخطاء بشرية فادحة، ويمكن أن يقع مثله عشرات الحوادث في أماكن متعددة، لأن الحكومة كلها في حالة تفكك واسترخاء.
لكن لا أحد يستطيع أن يعذره، لأنه لم يحسن اختيار مساعديه أو يضع النظام الذي يكفل الرقابة والمحاسبة، فترك الأمور سداح مداح، وأصبحت حوادث السكك الحديدية تحدث بشكل متكرر.
انظروا إلي كبار المسئولين في الوزارات ومساعديهم.. إما أقارب أو أصدقاء أو معارف أو من "الشلة".. ومات إلي الأبد مشروع نواب الوزير.. لأن الوزراء يتصرفون بمنطق "هاي شله".
6
الوزير منصور ليس وحده الذي يعاني من تلك الأزمة الرهيبة، كل وزارات رجال الأعمال وغيرهم فيها ذلك، لدرجة أن مسئولاً في وزارته أخفي 05 فدانا "وليس متراً" عن الوزير لبيعها لمن يدفعون الرشاوي.
الأثر السيئ لهذا الأداء المتدهور لا ينعكس علي السادة الوزراء بل علي الحكومة والحزب والدولة، ومهما فعلنا لتطوير السكك الحديدية وتحسين الخدمة، فقد ضاع كل ذلك بحادث مأساوي واحد.
لا أحد يدرس الأحداث ويتعلم منها.. وبعد أيام سوف ينسي الجميع الحادث و"تعود ريما لعادتها القديمة".. ويبدأ السادة الوزراء في التفكير لحملة تلميع جديدة علي غرار "المصري اللي علي حق يقول للغلط لأ".
7
الأيام المقبلة فيها انتخابات وقوانين وتحديات خطيرة تحتاج اليقظة والحزم، لأن كل الإنجازات التي تتم تضيع بفعل الإهمال والتسيب والفساد والتراخي.
النائب العام المحترم لن يستطيع وحده أن يصلح النظام الإداري المترهل، ولكنه يتدخل لتقديم المتسبب المباشر إلي المحاكمة العادلة.
وراء الأربعة الغلابة الذين ستتم محاكمتهم طابور طويل من المسئولين الذين يستحقون قطع الرقبة.. وإذا لم يبادر الوزير منصور بقطع رقبتهم.. سيقطعون رقبته.


E-Mail : [email protected]