الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حديث الشبشب!




لم أنزعج من خبر نشرته الزميلة‮ (‬الأخبار‮) ‬في الصفحة الأولي بالأمس،‮ ‬قالت فيه إن محافظ المنوفية أحال سكرتير حي شرق إلي التحقيق لأنه وجده ينتعل‮ (‬شبشب‮) ‬حين كان يمر في جولة بالحي‮. ‬وقد يقول قائل‮: ‬هل انتهت كل المشكلات‮.. ‬حتي يتفرغ‮ ‬المحافظ لهذه المسألة البسيطة؟‮! ‬وسيكون مع القائل حق‮.. ‬ولكنني أري أن الذهاب إلي العمل بـ(الشبشب‮) ‬هو نوع من الاستهانة بالعمل نفسه‮. ‬

‮ ‬وليس هذا الموظف وحده الذي يفعل ذلك‮.. ‬ولو مر المحافظ وعديد من المحافظين‮ ‬غيره علي الدواوين المختلفة والإدارات المتنوعة لاكتشف أن فيها من يأتي أيضا إلي مكتبه بـ(البلغة‮).. ‬وفي كثير من القري يذهب الناس إلي العمل بالجلباب وأحيانا بملابس يمكن اعتبارها ملابس بيت أو نوم‮.. ‬وكنت أري المدرسين في قريتنا يفعلون ذلك‮.. ‬وقد يذهبون إلي الغيط أولا وبنفس الملابس التي يقومون بها بإدارة الأمور أول النهار في الحقل و(الزريبة‮) ‬يذهبون ليقفوا في طابور الصباح إن انعقد أصلا‮. ‬

‮ ‬يفاجأ المحقق الذي سوف يستجوب الموظف بأنه لا يوجد نص قانوني أو إداري يشترط علي سكرتير الحي كودا معينا لملابسه في العمل‮.. ‬وقد لا يفاجأ حين يقول الموظف إن مرتبه لا يكفي لأن يشتري أي حذاء‮.. ‬وأنه لو لم ينتعل‮ (‬الشبشب‮) ‬لذهب إلي مكتبه حافيا‮. ‬

‮ ‬الدور والباقي علي الموظفين في العواصم والقاهرة،‮ ‬الدواوين فيها من هذا كثير‮.. ‬والمشكلة في السيدات‮.. ‬حيث الشبشب أساسي والحجة هي أنه‮ (‬موضة‮).. ‬ويسهل الحركة‮.. ‬ولا مانع من أن تري موظفا يرتدي حذاءَ‮ ‬رياضياً‮.. (‬كوتشي‮) ‬يعني‮.. ‬ولن أفاجئك إذا قلت لك إن موظفا رسميا‮ ‬كبيرا كان عضوا في وفد رسمي إلي إحدي الدول اللاتينية دخل علي مضيفيه مع من كان معهم وقد انتعل‮ (‬كوتشي‮).. ‬ولك أن تدرك مدي الحرج الذي كان فيه من حوله‮.. ‬والواقعة قريبة وليست بعيدة ومن ذكريات التاريخ‮.. ‬وهي مخجلة حتي لو كان هذا الحذاء الرياضي‮ (‬براند‮) ‬عالمي‮.. ‬ومن طراز‮ (‬نايك‮) ‬أو‮ (‬أديداس‮) ‬أو‮ (‬بوما‮). ‬

‮ ‬المظهر أحد أهم معالم الجدية‮.. ‬والتعبير عن الالتزام‮.. ‬والتأكيد علي أنك منتبه إلي ما تقوم به‮.. ‬وقد يكون مقبولا في واشنطن أن يذهب موظف إلي مكتبه بـ(الشورت‮).. ‬هذه طبيعة المجتمع‮.. ‬لكن بالتأكيد لن يفعل ذلك دبلوماسي أمريكي‮.. ‬وفي مصر يمكن أن تجد عشرات من هذه الانفلاتات بحجة الحرية الشخصية‮.. ‬أو عدم القدرة‮.. ‬أو تسهيل الأمور‮.. ‬وما‮ (‬تدقش‮).. ‬ومن ثم قد يذهب أحدهم إلي مكتبه بالجلباب والترينينج سوت ويطيل ذقنه‮.. ‬ولا تجد إحداهن مانعاً‮ ‬من أن تذهب إلي العمل بالنقاب في حين أنها تتواصل مع الجمهور‮. ‬

‮ ‬كان الموظف المصري قبل الثورة لا يذهب إلي مكتبه إلا وقد ارتدي بدلة كاملة‮.. ‬ولكنه لم يعد كذلك‮.. ‬وتبدلت الأمور وتاهت القواعد‮. ‬فأصبح من الممكن أن يطيل ذقنه فلا يراجعه أحد‮.. ‬ويعمل منكوش الشعر فلا يقال له ما هذا‮.. ‬وبالتالي ليس‮ ‬غريبا أن يذهب سكرتير الحي في المنوفية إلي عمله بـ(الشبشب‮).. ‬حيث يجب أن يحاسب رئيسه الذي قبل هذا قبل أن يحاسب هو علي ذلك‮. ‬

‮ ‬ولكن كيف تحاسب الموظف علي‮ (‬الشبشب‮) ‬إذا كان مكتبه متربا‮.. ‬والمبني الذي يعمل فيه بشبابيك مخلعة‮.. ‬ودورات المياه‮ ‬غارقة في بقايا الصرف الصحي‮.. ‬وزملاؤه لم يستحموا من أسبوع‮.. ‬وليس أمامه‮ (‬دباسة‮) ‬ولا‮( ‬خرامة‮).. ‬ويستلف من زميل له في مكتب آخر حبر الختامة‮.. ‬ويستعين بصديق لكي يحصل علي ورقة بيضاء يدون عليها تعليمات تلقاها ممن هو فوقه إداريا؟ ‮ ‬المسألة كل متكامل‮.. ‬حالة لا ينفصل فيها هذا عن ذاك‮.. ‬عنوانها الانضباط الإداري برمة مكوناته‮.. ‬وبمناسبة هذا الحديث أختتم بملاحظة لا علاقة لها بالأمر‮.. ‬إذ أذكر جيدا درسا بليغا تعلمته من الأستاذ أحمد بهاء الدين في منتصف الثمانينيات‮.. ‬حين كتب ـــ رحمه الله ـــ عدة أعمدة في الأهرام دعا فيها الناس إلي التخفف من الأحذية صيفا وانتعال الصندل‮.. ‬ثم عاد بعد أيام وكتب أنه يعتذر عن الفكرة لأنه جرب أن يمشي في الشارع كيفما نصح فاتضح له أن شوارع القاهرة تحتاج إلي أحذية محصنة تحميه من المطبات والأتربة‮. ‬ ‮
 ‬رحل أحمد بهاء الدين‮.. ‬وبقيت المطبات والأتربة‮.. ‬وصار الناس يرتدون‮ (‬الشبشب‮) ‬في المكاتب‮.. ‬ليس لأنهم يتخففون ولكن لأنهم لا يلتزمون ويتساهلون ويستسهلون ولا يعبئون ولا يراجعهم أحد‮.‬
الموقع الإلكتروني : www.abkamal.net
البريد الإلكترونى : [email protected]