الوزير ممنوع
عبد الله كمال
نشرت زميلتي هبة فرغلي، نائب رئيس قسم الأخبار المتخصصة في الشئون الصحية، خبراً غريباً يوم الأحد يقول مايلي: وزير الصحة الدكتور حاتم الجيلي.. وهو واحد من أشهر الوزراء.. يتواجد إعلامياً في مختلف المنابر.. بكل أنواعها.. صحفًا وتليفزيونات.. عامة وخاصة.. ويتعلق نشاطه بأمور تخص الملايين.. كان مضطراً إلي أن يقف علي باب مدرسة محمد فريد الإعدادية في شارع بورسعيد.. لأن مديرها منعه من الدخول.
الوزير كان يقوم بجولة تفقدية مفاجئة في بعض المدارس يوم السبت.. لكن مدير المدرسة لم يتعرف عليه.. وأبقاه خارج الباب.. لا يريد أن يسمح له بالدخول.. طلب الوزير أن يرافقه المدير إلي دورات المياه.. فرفض جاد المولي ـ وهذا هو اسم المدير ـ فأقنعه المرافقون أن هذا هو وزير الصحة.. فاعتذر المدير.. ولما سأله الوزير ألا تقرأ جرائد.. أو تشاهد تليفزيوناً.. أجاب المدير: الأولاد يتحكمون في القنوات!
مدير مدرسة إعدادي لا يتابع قنوات التليفزيون فقط.. وإنما أيضا لا يقرأ بالفعل الجرائد.. وقد تكون هذه مسألة أخطر بكثير من كونه لم يتعرف علي وزير الصحة.. ولكن المؤكد أنه لن يتعرف علي وزير التعليم الأقل شهرة من زميله.. والأهم إننا لا يمكن أن نضمن أن الرسالة الإعلامية والسياسية حول وباء أنفلونزا الخنازير قد بلغته من الأصل.. إلا من خلال ورقة تعليمات وردت إليه من مديرية التعليم.. وهي التي يلتزم بتنفيذها كما يقول كتاب البيروقراطية.
دع جانبًا أن الوزير كان يرتدي وفق الصورة التي نشرناها ملابس (كاجوال): سويتر وقميص وبنطلون عادي.. وليس (بدلة كاملة).. إذ تحرر قليلاً من الزي الرسمي.. بما يناسب الجولات المفاجئة بين تلاميذ صغار.. فقد تكون هذه المسألة الشكلانية خدعت المدير الذي لابد أنه من جيل يعتقد أن الوزير لابد أن يكون رسمي المظهر والهيئة في كل وقت.. ومن المؤكد أنه لم يتوقع أن يلاحقه أي أحد.. أو يتفقد مدرسته لكي يعرف مدي قيامه بتنفيذ التعليمات.
لكن المشكلة هنا هي في أن هذا الرجل المسئول عن تربية جيل من التلاميذ لا يعرف وزراء الحكومة.. ولا يعنيه ذلك فيما يبدو.. يعيش في شرنقة.. ويستسلم لأولاده الذين يبدو أنهم بدورهم لا يتابعون نشرة أو برنامجاً من أي نوع.. وإذا كان أبوهم لا يعرف وزير الصحة فكيف بهم يعرفونه.. ليس لكي يتقربوا إليه أو يصاهروه.. بالطبع.. وإنما لكي تكون الرسالة الخاصة بالتعامل مع احتمالات الوباء قد بلغت هذا البيت برمته.
أي أفق يمكن أن يتمتع به هذا المدير النادر.. أو الذي أتمني أن يكون نادرًا.. وكيف به يتابع أي شأن من شئون البلد لكي يحيط به تلاميذه.. أو علي الأقل يتابع ما يفعله المدرسون في الفصول.. وهل هم علي شاكلته.. أم أنهم من نوع آخر.. وهو ينفرد بحالته تلك.. وقد يكون ترفًا طريفًا أن أقول لك إن المؤكد أن هذا الرجل لم يأمر أياً من التلاميذ بإعداد نشرة إذاعية في طابور الصباح.. مثل تلك التي كنا نستمع إليها في طفولتنا.. وإلا لكان قد تابع أي جريدة سوف يعد منها التلاميذ ما يقرأونه علي الطابور.
لن أقول لك إنه بالتالي لا يعرف الإنترنت ولم يتصفح موقعًا علي الشبكة الإلكترونية.. ولن أزعجك بأنه إذا ظهر أمر لافت بين الأولاد في الفصول لن يدرك مخاطره لأنه لا يعرف شيئًا عاديا فما بالك بالغريب.. وإذا كان مدير المدرسة لا يعرف الوزير.. فكيف الحال بحارس بابها.
لو كنت مكان وزير التعليم لأخضعت هذه المدرسة للمتابعة الفورية.. وأخضعت المدير لإعادة تأهيل.. وراجعت معلوماته العامة.. واستحضرت ورقته في امتحانات كادر المعلمين لكي أعرف إن كان قد اجتازه.. وحصل علي إضافة أجر الكادر.. وتساءلت كيف به اجتازه من الأصل؟!
الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net
البريد الإليكتروني: [email protected]