السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فريد فاضل: المشهد الثقافى يعكس حالة تخبط وفصل الثقافة عن الآثار أضرهما




حبيبتى كل ما بانسى..... تفكرنى الحاجات بيكى...... أئنك تدمعك عينى...... كأنى مش باغنيكى.... دمايا ماتستاهلش تكون ..... كحلة ليلة لعنيكى.... وأنا الدرويش......
 
هكذا تحدث الأبنودى عن مصر وهو لسان حال الفنان التشكيلى دكتور فريد فاضل عندما تحدث فى لوحاته عن محبوبته مصر التى يعرفها.
 
فى معرضه الذى سيقام غدا بمتحف محمود مختار فى قاعتى نهضة مصر وإيزيس ،وتحت عنوان «مصر التى أعرفها»، يصحبنا فريد فاضل فى رحلة طولها أكثر من ثمانين لوحة فنية مقسمة على قاعتى العرض، حيث تركز المجموعة الأولى بقاعة إيزيس على قضية الهوية المصرية والتى صارت هاجسًا ملحًا بعد صعود تيارات سياسية وطائفية متعددة عقب ثورة 25 يناير، فمن خلال 60 لوحة زيتية ومائية جديدة يتناول فريـــد فاضل كل ما هو مصرى أصيل بنكهة مصرية خالصة، فاللوحة الأساسية تمثل زيارة أهل الحضر لأقاربهم فى الريف حيث الصحبة الحلوة وخيرات الأرض، وهناك لوحة عروس النيل التى تبزغ من مائة الرقراق عاقدة يديها خلف رأسها فى إباء وشمم، وهناك عدة لوحات تمثل الفلاحة المصرية الجميلة المكافحة التى هى بحق عماد الأسرة المصرية وعمودها الفقرى، ناهيك عن شباب البلد الجدعان من بحرى والصعيد والنوبة، بالإضافة إلى المجموعة السابقة يعرض الفنان أمثلة منتقاة لفن الطبيعة الصامتة وبعض الرسوم بالأقلام الملونة والألوان المائية.
 
وفى قاعة نهضة مصر تعرض المجموعة الثانية التى تمثل تطور اسلوب الفنان عبر رحلته الفنية الطويلة التى امتدت لأربعين عامًا أقام خلالها أكثر من خمسين معرضًا فرديًا فى مصر والخارج.
 
 
 
■ حدثنا عن الخامة والتكوين فى المعرض؟
 
ـ معظم اللوحات زيتية لأنها خامة تمثل بالنسبة لى تكثيفًا للعاطفة وتجسيدًا للمعانى فهى تعطى للفنان فرصة للحوار والإضافة والخزف ووضع طبقات لونية شفافة ونصف شفافة مما يعطى بعدا ثالثا للمساحة المسطحة ويضاعف الإيهام بالحقيقة كما استخدمت العجائن فى بعض اللوحات التى تناولت الريف الذى يجمع بين الجمال والخشونة فى الوقت ذاته وذلك فى لوحات «صخب السوق» و«أشعار فى ظل الشجرة» كما استخدمت خامة ورق الذهب فى لوحة «المولد أيام زمان» وهى تجسد لحظة وصول فتيات ريفيات إلى مكان المولد وخلفهن تسير الفلايك فى الخلفية فى سلاسة ويسر مثل فراشات تحلق فى السماء، كما استخدمت الشفافية المذيب المفضل بالنسبة لى «ليكون» فى إحداث هذا الإحساس بمستويات مختلفة للرؤية فى المشهد نفسه وهذا يعطى انطباعا موازيا لحركة الزاقعية السحرية فى الأدب.
 
■ ما تقييمك للمشهد الثقافى فى مصر؟
 
ـ من الصعوبة فى أعقاب الثورات أن نقيم المشهد الثقافى تقييما دقيقا ولكن سيكولوجية أى ثورة تمر بعدة مراحل اولها الصخب والرفض والصياح والتكاشف فى إسقاط نظام بائد فإذا ما سقط تبعتها حالة من (اليوفوريا) أى النشوة العارمة التى كثيرا ما تنكر كل سلبيات الواقع وسط فرحتها بالإنجاز الكبير يعقب ذلك عادة حالة من الإحباط عندما تصطدم الآمال بالحقيقة ويعرف الشعب أنه لن يمكنه تحقيق كل آماله أو نوال مطالبه ثم تأتى مرحلة البناء فيما تدرك كل أطياف الشعب أن النضال المستمر هو دمار شامل وقد سبقتنا أمم كثيرة إلى معايشة هذا السيناريو الذى أرجو ألا يستغرق طويلا قبل أن نبدأ مرحلة البناء الجاد لذا أعتقد أن المشهد الثقافى حاليا يعكس تخبط مرحلة الاحباط مع بزوغ بعض الأصوات العاقلة التى تنشد الخلاص من خلال سرعة بناء مجتمع متحضر متزن يعوضنا عن السنين التى أكلها الجراد.
 
■ ما تقييمك لأداء وزارة الثقافة بعد الثورة ؟
 
ـ أعتقد انها لم تختبر، فأولا الميزانية المخصصة تقلصت كثيرا فانفصال الآثار عن الثقافة أضرهما، واعتقد انه يجب أن يكون هناك فكر خلاق يتبع سياسات غير تقليدية لتحقيق أفضل النتائج فى ظل الإمكانيات المحدودة الحالية.
 
■ فيما تختلف مصر التى تعرفها عن مصر الآن؟   
 
ـ «مصر وطن يعيش فينا» كما قال قداسة البابا شنودة ولا يمكن لقوة أن تفصلنا عن همومه وآماله وأحلامه، ولكننا نشعر بالإحباط تجاه أشياء كثيرة، فكلما بزغ أمل فى الإصلاح ولاحت فرصة حقيقية للتغيير الجذرى الذى يضعنا على الطريق الصحيح لبناء مصر التى ننشدها... نجد خيبة الأمل فى انتظارنا، وسوء الحظ ملازمًا لكل خطواتنا. فمنذ تحقيق الاستقلال فى الخمسينيات من القرن الماضى لاحت فرصة التغييرفى عام 1952 ولكننا بددناها عندما رفض العسكر تسليم السلطة للمدنيين واختاروا من رأوهم أهل الثقة بدلاً من أهل الخبرة، ثم جاءت فرصة أخرى عام 1973 وبشرت بانفراجة جديدة مع استعادة سيناء المحتلة ولكننا ضيعناها أيضًا ولم نقتلع الفساد من جذوره ولم نوئد الفتنة الطائفية فى مهدها بل تركناها تترعرع حتى صارت صداعًا دائمًا بل ورقة سياسية مهمة تلعب بها قوى خارجية، وللأسف لا ترفض استخدامها القوى السياسية المصرية.
 
وبحلول الثمانينيات ومع طفرة فى مشروعات البنية الأساسية أهملنا التعليم وبناء الإنسان المصرى بل ضاعف الأغنياء من ثرواتهم وصار الفقراء أكثر فقرًا، وأهملنا الصعيد تمامًا ولم نستثمر فى سيناء الحبيبة ونسينا قضية شعب النوبة، وانتشر الفساد والسرقات وصارت القاعدة وليس الاستثناء، وعم الغضب والغليان، وقام الشعب رافضًا سياسة الظلم والقمع المستمرة، وقامت ثورة 25 يناير المجيدة ودفع الوطن بشهداء أبرار ليعلنوا رفض الفساد والاستبداد ويقدموا أرواحهم فداءً لمصر... فهل كثير علينا بعد كل ذلك أن ننال مقصدنا وننعم ببناء مصر العظيمة التى نحلم بها.
 
■ كيف ترى دور الفن الآن فى خدمة المجتمع؟
 
ـ قد يكون الفن هو مرآة المجتمع بحلوه ومره، ولكن عندما تميل كفة الميزان بشدة نحو السلبيات، يكون على الفن الاضطلاع بدور إيجابى علاجى يرفع معنويات الشعب ويداوى جروحه ويبعث الأمل فى روحه والقوة فى أوصاله.. وعند هذه النقطة بالتحديد بدأت أفحص نفسى وأبحث فى أعماق مشاعرى عن روح مصر التى ظهرت بقوة فى جميع أطياف الشعب فى الأيام الأولى لثورة يناير المعجزة ثم سرعان ما فقدناها بتوالى الأحداث المحبطة التى لازمت الفترة الانتقالية لحين تسليم الحكم لسلطة مدنية منذ شهور قليلة مضت... لقد كانت آمال الجميع منعقدة على تغيير جذرى حقيقى يخلص مصر من الفساد ويضع قدميها على أول طريق البناء والرفاهية وترسيخ قيم العمل والإتقان والتفانى فى خدمة المجتمع.. ولكن القوى السياسية المتصارعة خيبت الآمال وكأن مصر «تورتة» كبيرة يملكها شخص آخر غريب، فسرعان ما هجمت عليها الأيادى والآلات الحادة فى اعتداء همجى سافر، وكل يحاول التهام أكبر قطعة والهروب بها قبل الآخر وعكس ذلك ما بداخلنا من انعدام القدرة على التعاون والتضحية فى سبيل هدف سامٍ نبيل هو رفعة بلادنا والنهوض بها بعد الانكسار والذل.
 
■ ما الحل من وجهة نظرك؟
 
ـ أعتقد أنه قد آن الأوان لإرساء قيم مهمة وأساسية كى نتمكن من إعادة بناء الحضارة المصرية فى جو من الحب والتعاون البناء، أقصد قيم متعددة مثل ثقافة الاستماع للآخر، قبول الآخر والتعايش معه فى سلام، إرساء قيمة الأسرة المصرية المتماسكة كنواة لمجتمع صحى، إعلان قيمة العمل وأهمية انتاجية الفرد، النهضة بالتعليم ،الحفاظ على «مصريتنا» وتعميق الأصالة واستلهام حضارتنا العظيمة فى الآداب والفنون،مع تحقيق المصالحة والتعاون بين أفراد الوطن الواحد.
 
■ لماذا تجاهلت الحرية ؟
 
ـ للأسف صارت كلمة الحرية لفظة مبتذلة فى السنوات الأخيرة ترفعها الأحزاب شعارًا لها، ويتخفى خلفها المتربصون بالوطن وأمنه وأمانه، ويحتمى بها مليونيرات الفضائيات وهم يبثون سمومهم يمنة ويسرة... لقد سئمت فعلاً من استخدام الحرية فى أسماء كثير من الأحزاب الجديدة والتى لم تأت بجديد، ومازلت انتظر حزبًا جديدًا يكون شعاره «الأخلاق الحميدة، فالحرية غير المسئولة تخلق الفوضى والحرية المطلقة مع الجهل هى الدمار الشامل، وهل ننسى تعبير الفوضى الخلاقة الذى يفتح المجال للإنتهازيين السياسيين لمزيد من العبث بمقدرات الشعوب.
 
■ ما أكثر الأشياء التى تفتقدها فى مصر التى تعرفها؟
 
ـ وحشتنى كلمة «نهارك سعيد»، «كتر خيرك»، «ربنا معاك»، «سعيدة مباركة»، «ألف شكر»، «من فضلك»... إن آفة مصر الكبرى هى الفراغ الأخلاقى، فالماديات يمكن تعويضها فى وجود عنصر بشرى قوى ومثقف وواعٍ قادرعلى البناء والنهوض بالبلاد.. وذلك يخلق بدوره مناخاً ملائماً تماماً للإنتاج والإبداع والتقدم والرخاء.
 
 

لوحة من المعرض
 

فتاة مصرية من المعرض