الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

قاهرة بلا غربان

قاهرة بلا غربان
قاهرة بلا غربان




على الشامى يكتب:

عند دخول الفاطميين مصر والبدء فى تأسيس دولتهم التى استمرت قرابة مائتى سنة وكانت من المراحل التاريخية اللافتة فى التاريخ المصرى كان عليهم - شأنهم فى ذلك شأن الدول الناشئة – أن يقوموا بتأسيس عاصمة لحكمهم، أو قصبة الخلافة الفاطمية والتى ستلعب لاحقا دورا مهمًا فى التاريخ فى مقابل بغداد عاصمة الخلافة الرسمية السنية – قرر جوهر الصقلى عدم استخدام مصر القديمة العاصمة التقليدية القطائع – كعاصمة للملك بل إنشاء عاصمة جديدة، وضربت الخيام خارج مصر القديمة، وتحفز العمال وجهزت الأجراس التى ما إن تضرب حتى يبدأ العمال فى تشييد العاصمة الجديدة.
 ما تبقى كان رأى المنجمين الذين أتى بهم الصقلى من المغرب العربي، لاستطلاع نجم القاهرة كعادة الناس فى هذا الزمن، حتى يبدأ البناء فى طالع السعد، فتنعم المدينة ومن قبل ذلك - وهو الأهم - يستقر الملك ويتجذر، إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهى سفن الفاطميين. وحطت الغربان الهائمة على الأجراس فدقت بقوة لتبدأ المعاول فى العمل، ولينقضى الأمر وتبدأ أهم مدن الشرق التى اختارت لنفسها هذه البداية فى النشوء.
 انزعج الصقلى والمعز لدين الله، خليفة الفاطميين، من ذلك الأمر وبدأوا فى التفكير لحل هذه المعضلة، فلا هم يقدرون على التوقف لما سيتسبب فيه من ضرر يهز الدولة الناشئة أمام أعدائها المتربصين بها فى الشرق، ولا يقدرون على تغيير المكان مما ينطوى على طالع نحس أكبر.
 وكمحاولة يائسة لتدارك الأمر أطلق عليها الصقلى القاهرة كمحاولة لتحرى الفأل الحسن فى قهر أعدائها، ربما تجد المحاولة نفعا، وللغرابة صارت القاهرة قاهرة حقا، ليست للغزاة فقط والكارهين فحسب، وإنما للجميع بلا تمييز، قاهرة المحبين، وقاهرة الكارهين معا، قاهرة غشيم بطريقة محببة فلا تملك من مقصلتها نجاة، ولا ترضى بالهرب منها تختار المقصلة / الطاحونة، ساخطا راضيا و أحيانا – ليست بالقليلة – ساخرا تتقلب بين مزاجات القاهرة المحيرة، كمزاجات عمياء عمى غربانها الذين اذنوها بالوجود، ولكن تبقى القاهرة تعلمنا أننا كغربانها نوارى فسادنا خجلا لعلنا نتعلم يوما كيف نفعل وحدنا وتطرد الغربان الناعمة.