جمال والاشتباك السياسي!

 


كرم جبر روزاليوسف اليومية : 02 - 11 - 2009


يحترم الرأي العام.. فاحترمه الرأي العام


1


رأيي أن جمال مبارك كسب كثيرًا جدًا في المؤتمر الصحفي الذي عقده مساء الأحد الماضي.. لعدة أسباب أهمها الصراحة والصدق والجدية، لم يقل شيئًا غير مؤمن به، وانتقل هذا الإحساس للحضور.


كسب كثيرًا لأن إجاباته كانت مباشرة ومحددة، دون إسهاب أو تطويل أو التفاف، وتحدث بلغة سلسة ومرتبة، وبمنطق مترابط ومنسق، والكلام كله يشكل منهجًا واحدًا.
كسب كثيرًا لأنه لم يغضب من أي سؤال، رغم حدة بعض الأسئلة وعنفها، وقابل ذلك بهدوء شديد، وأحيانًا بدعابة مرحة، وأعطي انطباعًا صادقًا بأنه يجيد الاستماع إلي مختلف الآراء بصدر رحب.
2
ربما تصور البعض أنه سيتم إحراج أمين السياسات عند الإلحاح بسؤاله عن مرشح الحزب القادم وهل سيرشح الرئيس مبارك نفسه؟ وهل يرشح جمال نفسه لانتخابات الرئاسة؟
استخدم عبارات بسيطة وسهلة، مؤكدًا أن الحزب يحترم الدستور والقانون ويعمل بنظام مؤسسي ويلتزم بلوائحه الأساسية، مشيرًا إلي أنه ليس مطلوبًا من الحزب الآن أن يعلن عن اسم مرشحه لانتخابات الرئاسة عام 1102.
حاز جمال الإعجاب أيضًا عندما أكد في أكثر من موضع أنه يرفض الإجابة عن أسئلة افتراضية تُستنبط منها أحكام غير صحيحة.. وهو منهج محترم في التعامل مع وسائل الإعلام التي تبحث عن الحقائق وليس الشائعات.
3
لم يتجاوز جمال صلاحياته كأمين للسياسات بالحزب الوطني، ولم يخض في أشياء ليست من اختصاصه، وعندما سُئل عن التغيير الوزاري أكد بوضوح هذا ليس من اختصاصي.
كان جمال حريصًا علي أن يشرح علاقة الحزب وعلاقته هو بالحكومة وفقًا للنظام المؤسسي، وهو محاسبة الحكومة حسابًا عسيرًا، كما تحاسب كوادر الحزب قياداته حسابًا عسيرًا.
اكتسب جمال الاحترام عندما أكد أن الجدل حول مستقبل الرئاسة مشروع، لكنه أشار أيضًا إلي أن البعض يري أن الأوضاع في مصر مستقرة ولا تستدعي أبدًا القلق.
4
أغلق جمال الباب حول الشائعات التي تنطلق بشأن تعديل المادة 77 لأن الحزب الوطني قام بتعديل الدستور منذ سنوات قليلة، وجري نقاش واسع حول التعديلات، وليس منطقيا أن يتم فتح باب تغيير الدستور في عام الانتخابات.
بالفعل العام المقبل مزدحم جدًا بانتخابات الشوري والشعب، وليس معقولاً ولا منطقيا جذب الاهتمام وتشتيت الرأي العام في موضوع تعديل الدستور، والتشويش علي القضية الرئيسية وهي الانتخابات.
تعديل المادة 77 ليس مطروحًا، لأنها ليست ملحة، وهناك آراء كثيرة تعارض تعديلها، ولها من الحجة والمنطق ما يدحض حجج من ينادون بالتعديل.
5
بنفس السياق الهادئ والعقلاني، أجاب جمال عن السؤال الخاص بمبادرة هيكل، مشيرًا إلي أن مثل هذه الحوارات هي نتاج للممارسة السياسية الجديدة والزخم السياسي.
لم ينطق جمال بأي كلمة أو حرف يخرج عن سياق الأدب السياسي الرفيع الذي يلتزم به في مسيرة عمله الحزبي، وينحاز للحوار الذي يحترم فيه كل طرف الطرف الآخر.
جسد إيمانه بالرأي والرأي الآخر، مشيرًا إلي أن بعض الناس يقدمون اقتراحات والبعض الآخر يرد عليها، وهذا معناه أن الحزب سيهتم في الفترة القادمة بطرق كل القضايا الساخنة دون حرج.
6
خرجت بعض الصحف بمانشيتات توحي بأن جمال قال كلامًا حول إعلان الحرب علي المعارضة والمستقلين والفضائيات.. غير أن ما قاله أمين السياسات يختلف تمامًا عن ذلك.
تحدث جمال عن الاشتباك السياسي المشروع، حول السياسات والخطط والبرامج، وهذا المفهوم بعيد جدًا عن تجريح الأشخاص أو استخدام أساليب غير مشروعة في الحوار.
كان جمال علي حق لأن الحزب الوطني لن يظل طوال الوقت في موقف الدفاع عن النفس، خصوصًا أن لديه خططًا وبرامج وإنجازات تستحق الإشادة وأن تصل إلي الرأي العام بصورة صحيحة.
7
لم يغب عن جمال أن يعلن احترام الحزب لكل زعماء مصر، وأن الرئيس لا يترك فرصة أو مناسبة إلا ويجدد فيها احترام الدولة لزعمائها والإشادة بوطنيتهم ودورهم العظيم.
ظل جمال علي مدي أكثر من ساعتين محتفظًا بالهدوء والثقة، لم يتردد في إجابة ولم يفكر في سؤال، مؤكدًا أكثر من مرة أنه لا يتحدث إلا لغة الصدق، ولا يخفي شيئًا.
رأيي أن العدد الكبير من الصحفيين الذين حضروا المؤتمر، وعدد كبير منهم من مراسلي الصحف والوكالات العربية والأجنبية، خرجوا بانطباع مهم هو: من يحترم الرأي العام، يحترمه الرأي العام.
8
ما حدث في المؤتمر الصحفي هو صورة طبق الأصل لما يحدث في جلسات المؤتمر.. أسلوب راقٍ ومتحضر وفعال في إدارة الجلسات والحوارات المثمرة والمفيدة.
في كل جلسة يجلس الوزراء وقيادات الحزب علي المنصة علي طريقة مؤتمر دافوس ويتحدث كل وزير بما لا يزيد علي خمس دقائق، ثم يفتح باب النقاش للأعضاء، وتعود التعقيبات للوزراء مرة أخري.
الأعضاء يتحدثون بجرأة وشجاعة غير مسبوقة، لأنهم جاءوا بانتخابات نزيهة، ولا يدينون بالولاء إلا للجماهير التي انتخبتهم، وليس فيهم من جاء بالتعيين، فيريد أن يرد الجميل لمن عينه.
9
أسلوب الاشتباك السياسي هو منهج الحوار في الجلسات.. الاشتباك الجاد والموضوعي الذي يفتح الأبواب للمصارحة والمكاشفة، ويرسم الطريق نحو إيجاد حلول واقعية للمشاكل.
كاميرات التليفزيون التي تتجول في الجلسات وتنقل انطباعات الأعضاء، لم تضبط عضوًا نائمًا أو متثائبًا، لأن سخونة المناقشات، تضع الجميع في حالة تركيز شديد.
المعارضة والصحف الخاصة والفضائيات لا تريد أن تصدق أن مثل هذا التطوير والتحديث الشامل يحدث بالفعل في الحزب الوطني.. وبعض العناوين والمانشيتات لم تغادر محطة الستينيات.


E-Mail : [email protected]