الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حريات الإبداع ومسودات الدستور.. وهل قامت ثورة أم لا.. أبرز المناقشات على «ريش»




ما يقرب من مئة وأربعة أعوام هو عمر هذا الصرح الثقافى الذى كان ومازال علامة للتجمعات الثقافية فى وسط القاهرة ويعتاده الساسة والفنانون والكتاب شبابا وشيوخا.. شهد ميلاد مبدعين.. عاصر انكسار ساسة، جلس عليها عبدالرحمن الشرقاوى ومصطفى أمين ونجيب محفوظ وأمل دنقل وغيرهم.. ونحن بصدد رصد للحركة الثقافية على مقاهى وسط البلد.. كانت البداية «مقهى ريش».
 
 
 
 
استقبلنا الأستاذ مجدى عبد الملك صاحب المقهى، يجلس على مكتبه يبتسم فى هدوء ويتابع هؤلاء البشر خارج المقهى، وما إن يفتح الباب ويدخل زائرا ينظر له ليتأكد هل هو من رواد المقهى، أم زائر جديد لأول مرة، أم هو شخص ملامحه غامضة، فيسأله بكل لياقة واحترام عن من تسأل؟.. متابعة دقيقة جدا وتحفظ تعود عليها مجدى وكما قال: لابد أن يحتفظ المكان بقيمته وتاريخه الوطنى والثقافى والإبداعى.
 
وكشف مجدى أنه تقدم بمذكرة لوزير الثقافة د.محمد صابر عرب ووزير الدولة لشئون الآثار د. محمد إبراهيم يشرح فيها أهمية المقهى ودوره فى تاريخ الإبداع الثقافى والسياسى مطالبا بتحويل المكان إلى «محمية ثقافية» حتى لا يتحول المقهى إلى محل لبيع السلع، ويندثر أثره الثقافى مثلما حدث مع أماكن مثل: مقهى «متاتيا» الذى كان يجلس عليه جمال الدين الأفغانى والإمام محمد عبده وتلاميذهما، ووقع على هذه المذكرة عدد من المثقفين والفنانين.
 
الحوارات داخل «ريش» لم تخرج عن: حريات الإبداع والتعبير، والديون على مصر، وصندوق النقد الدولي، ومسودات الدستور، واتهام النخبة الثقافية أنها لازالت تعشق الأبراج العاجية، واستبعاد الأميين عن التصويت فى صندوق الانتخاب، واقتراح بوجود مادة لفرض عقوبة على المحافظة التى لا تمحو الأمية، والقلق على مصر، واعتصام السلفيين ضد الدستور فى مقابل صمت الإخوان، وماذا بعد الدستور هل سنجرى نظاماً انتخابياً جديداً، والثورة مستمرة، والثورة لم تبدأ بعد.
 
الإعلامى سيد محمود المذيع بقناة «أون تى فى» تحدثنا معه فقال: قهوة ريش مميزة جدا ولا تقارن بمقاهى أخرى وأنا هنا بشكل دائم من السبعينيات منذ كنت طالبا بكلية الإعلام بحكم دراستي، كنت أعلم أن رواد المقهى من النخبة وفرصة للقاء المشاهير، وأكثر ما أفتقده فى ريش ندوات نجيب محفوظ.
 
وأضاف: «ريش» مكان يشرفنا إن ننتسب إليه، المكان يمثل الهوية المصرية الأصلية، مجدى مدير المقهى يدافع عن المكان ويحافظ عليه، أكثر من مرة عرض عليه إن يبيع المكان بأرقام خيالية، إلإ انه رفض نهائياً لأنه مدرك قيمة المكان التاريخية، وأشعر بتخوف على قهوة ريش مثلما أشعر بتخوف على مصر كلها، لأن ريش ومصر يمثلان الهوية المصرية، وكلما تذكرنا أنه يوجد هنا «القبو» الذى طبع فيه حزب الوفد منشورات ثورة 1919، وماكينة الطباعة التى استخدموها، وأن عبد الناصر وأنور السادات كانا يجلسان هنا، كل هذا يعطينا حافزاً، بالإضافة إلى آثار تركتها الحركات والوطنية والإبداعية موجودة حولنا، ريش أصبح «مقراً» لنا، نشعر بالأمان النفسى نتناقش بحرية، وكأننا بين أسرتنا حتى وإن اختلفت الآراء السياسية والفكرية تذوب سريعاً.
 
جورج إسحاق المنسق السابق لحركة كفاية والقيادى بالحركة الوطنية للتغيير، قال متفائلا: علاقتى قديمة جدا بقهوة «ريش» نحن من مهاجرى بورسعيد عام 1967 جئت هنا مع أبى وبدأت ارتبط بالمكان وتعرفت فيه على النخبة الثقافية وتحاورت معهم، وهنا رأيت لأول مرة عبد الوهاب البياتى ونجيب محفوظ وصلاح جاهين ونماذج مهمة جدا من الصفوة.
 
وأضاف: كنت حريصا أن أحضر مبكرا لأرى نجيب محفوظ وأتكلم معه، تعرفت هنا على كل التيارات، فريش لها دور وطنى من زمان منها مثلا حضرت مظاهرة ضد السادات عندما زار القدس، ومازال نفس الدور الوطنى والتاريخى يقوم به نخبة ريش سواء سياسيين أو مثقفين بدءاً من ثورة 1919 إلى ثورة 25 يناير لحماية الثورة، ومن هنا نظمنا وقفات احتجاجية، كلما شعرت بالحنين لصفحة غالية من أهم صفحات التاريخ آتى إلى ريش، أفتقد صديقى سامى السلامونى، وأحمد مرعى، وأهم ميزة فى المكان أنه قبل أن آتى القهوة أعرف من موجود فيها، حتى لا يخترق أحد خصوصيتي، وهو من بقايا الأماكن المحترمة، ووجود المتابعة الدقيقة من مجدى حافظ على قيمة المكان التاريخية والثقافية ، فلابد أن يظل المكان ملتقى راقياً وحضاريًا مشرفا لوجه مصر.
 
يشغلنا اليوم موضوعات كثيرة منها، مسودة الدستور نرفض التصويت عليها بهذا الشكل، نريد 6 شهور على الأقل لنشرح للشعب مواد الدستور قبل طرحه للاستفتاء الشعبي، فعلى أى أساس يصوت الشعب وأغلبيته لا يدركون مواده، والأهم من ذلك أننا ننظر حكم الدستورية وموقف التأسيسية.
 
وأنهى حديثه قائلا: أنا متفاءل بمصر خصوصاً هذه الفترة بالتحديد، أشعر أن الشعب المصرى انتبه لما يحدث حوله، وهذا يؤكد أن الثورة مستمرة، ونتائجها سوف تأتى يوما مهما تأخرت.
 
المحامى والكاتب أمير سالم قال لنا: قهوة ريش جزء جوهرى فى علاقتى بالحياة الثقافية بمصر، أنا هنا منذ كان عمرى 16 سنة، كم كانت سعادتى بجلوسى بجانب نجيب محفوظ، وطوال فترة الثورة كان مشوارى يبدأ من «ريش» إلى التحرير، فريش مصنع ثورات، يتلقى فيه النخبة الإيجابية والسلبية، ونتلقى أيضا بالنخبة السياسية الانتهازية الزئبقية أصحاب المصالح، بمعنى نخبة تصنع ثورة ونخبة تركب الثورة، رغم أن الثورة أذابت الخلافات لفترة، فللأسف عادت الذاتية والرغبة الفردية فى الزعامة، وأدى هذا إلى تفتيت الأهداف، مصر اليوم فى خطر كبير مفترض أن تتجمع كل القوى، نحن فى خطر فاشية دينية بوليسية تتركز على قمع الإبداع والرأى والفكر والحريات العامة وحرية المرأة وغيرها. وأكد: نرفض دستورية التأسيسية أيا كانت المسودة، فتسريب سبع مسودات مدروس ومقصود من أجل التلاعب والإلهاء، على سبيل المثال لماذا لا يعترض الإخوان على المسودة، لماذا يصمت الإخوان بينما يصرح السلفيون أنهم ضد الدستور.
 
ثم انتقل إلى موضوع القروض التى تسعى مصر وراءها من جهات عدة قائلا: القروض كارثة حقيقية، سوف تكبل مصر فهى ليست حلا، أفيقوا مصر فى خطر، النخبة فى مصر مخيبة لآمال الشعب وضعيفة، وعندها إشكالية تعدى ضعفها الذاتى والتاريخي، الشعب وعيه مهزوز والمثقف واقف يتفرج، المثقف مازال فى الأبراج العاجية، لازم يفهم أهمية التفاعل مع الشعب، فالطليعية الشبابية تفوقت على المثقف، ويجب أن تلتحم مع مطالب الشعب، فأين مثلا دور المثقف من قرار غلق المحلات؟ لماذا لا يشاركون الشعب فى قضاياهم؟ يبدو أن المثقف أدمن العزلة.
 
وأضاف: هناك عدة أخطاء لابد من تصحيحها منها استبعاد كل من لا يعرف القراءة والكتابة من التصويت فى الانتخابات، وفى هذه الحالة سوف يستبعد عدد هائل من الإخوان، نبدأ بمشروع قومى لمحو الأمية، لننهض بالتعليم، فالشباب كلهم ممكن يشاركون فى هذا المشروع، لماذا لا توجد عقوبة مشددة على المحافظة التى لا تمحو الأمية الفقر والجهل والبطالة .. الفقر والبطالة كارثة مصر.
 
أما حسنين إبراهيم مقدم برامج ومعد أفلام وثقاقية، يلتف حوله الموجودين بالمقهى بمجرد دخوله وكأنهم كانوا ينتظرون حضوره، تحاورنا معه لنتعرف عليه فقال: أنا من مواليد بريطانيا والدتى ووالدى من أصول سودانية مصرية، حضرت ريش مع أسرتى وعمرى 3 سنوات، ثم عدت إليها فى عمر 13 سنة، تقابلت هنا مع الشاعر أمل دنقل ونجيب سرور والشيخ إمام وعباس الأسوانى ولويس عوض وجمال حمدان، وتم اعتقالى فى انتفاضة 1977، وسافرت لدول العالم لكن فى النهاية مصر بلدى و«ريش» بيتى الذى أجد فيه أصدقاء إخوة، نجيب محفوظ كان يشجعنى على ما أكتبه من شعر، ويعطينى عن كل قصيدة جنيها.
 
وعن النخبة قديما وحديثا قال: نخبة اليوم لا تختلف عن النخبة القديمة، كلاهما كان عنده خلافات ومشكلات، المثقف المصرى اليوم حبس نفسه فى الفيس بوك والإنترنت، ولكن تعامل المثقف مع الشارع هو ما نحتاجه، أتحدى أى مثقف ذهب إلى العشوائيات أو حتى يعرف مكانها، الثقافة ليست كتاباً فقط، على كل من تعلم أن يعلم الآخر، حتى يكون للمثقف دور مع الشعب، هل الفقير والجاهل يقرأ للمبدعين، هل الشعب يعرف وجوه المثقفين، مصر أغلى بلد فى العالم ومركز حضاري، مصر لقمة كبيرة جدا على أى أحد يحاول بلعها، وعندى ثقة فى شعب مصر، ومتفاءل جدا بحالة الوعى ولكن نحتاج للزيادة فى الوعى والإدراك، الثورة لم تبدأ بعد، وما حدث كان بروفة للثورة وأخشى على مصر من دماء جديدة.