انتبهوا يا أصحاب النيافة
عبد الله كمال
بين العقيدتين، الأرثوذكسية والبروتستانتية (التي يطلق عليها أيضا الإنجيلية)، علي مسيحيتيهما، تناقضات عقيدية عميقة، معروفة أكثر في المجتمع المسيحي وللمتخصصين والمهتمين بين سواهم.. وموجز الاختلافات يمكن أن يندرج تحت ثلاثة عناوين هي: اختلافات في طبيعة الإيمان ـ اختلافات في الطقوس ـ اختلافات في النظام الكنسي.. وليس هنا مجال التفصيل كما أنه لا يبدو مفيدا أن نخوض فيه.
ومن المعتاد من الأنبا بيشوي، نجم الصراعات الكنسية حاليا بين الأرثوذكس.. واللاهث إلي موقع البطريرك ـ حمي الله عمر البابا شنودة - أن يدلي ببعض الهجوم علي الإنجيليين عقيديا بمناسبة مؤتمر (تثبيت العقيدة الأرثوذكسية) الذي يعقد سنويا.. لكن نقيضه الأنبا موسي المعروف باعتداله والمحسوب لاشك علي جناح آخر دخل إلي الحلبة في العام الحالي.. وشن بدوره هجوما مروعًا علي ما وصف بأنه خطة إنجيلية لاختراق الكنيسة الأرثوذكسية خلال عشرين سنة.
ونشب الجدل واحتدمت المبارزة.. وهو أمر يدفعنا إلي التحذير من مغبة ما يجري.. لأن المسألة في هذه الحالة ليست أمرا عقيديا.. ولا هي موضوع خاص في الملعب المسيحي.. بل أصبح الأمر يخص البلد.. وينطوي علي (طائفية).. ولابد لصوت العقل أن يحكم قبضته علي هذا الهرج الذي يجري.. فالكل مصري ويخسر.. أيا ما كان دينه.. حتي لو كان مسلما.. المسألة تعنينا جميعا.
ولست أعقل هذه الاتهامات التي انطلقت بداية من أصوات الكنيسة الأرثوذكسية.. وكيف بدت الفئة الأكثر في المجتمع المسيحي تخشي من الفئة الأقل بكثير.. وتقول إن أقلية بين الأقلية إنما تحاول عبر إغواءات متنوعة أن تجتذب أبناء الأقلية الأكبر.. وتدفعهم إلي ترك كنيستهم.. وأن هناك مؤامرة كبيرة من أجل هذا.. مداها الزمني عشرون سنة.. الصورة إذن تنقلب.. وما يردده المتطرفون المسلمون عن التنصير.. تردده أصوات في المجتمع الأرثوذكسي عن محاولة الاجتذاب إلي البروتستانتية.. وكل هذا ليس له محل من الإعراب.. وهذا العبث بالعقائد لابد له أن ينتهي لمصلحة البلد.
وإذا كان بعض الأرثوذكس يستنكرون أي تطاول علي عقيدتهم.. ونحن معهم.. كما أن كثيراً من المسلمين يرفضون أي تطاول علي ما يؤمنون به.. ونحن منهم.. فإن من واجبنا أن نرفض جميعًا أي تطاول علي عقيدة الإنجيليين.. وهم مصريون مثلنا جميعا.. مسلمين أو أرثوذكس.. لا اتهامات ولاتنابزات ولا استقطابات ولا حملات ولا خطط.. كل هذا يقود إلي طائفية مقيتة.. البلد في غني عنها وعن فتنتها وعن مصارعتها.
إن حال الكنيسة الأرثوذكسية هذه الأيام ـ أقول الكنيسة ولا أتحدث عن عقيدة ـ ليست بخير.. والمتابع لما يجري سوف يشهد انقساماً أكيداً بين تيارات وفرق ومجموعات.. لابد أن مرده هو حالة استشعار لحظة ذات مغزي في الكنيسة.. والأهم والمطلوب من الجميع أن يترفعوا عن كل هذه السفسطات.. وأن يحرصوا علي وحدة الكنيسة وعلي مصداقية الأساقفة الذين يقال إن بينهم صراعاً وتنافساً مقيتًا.. ليس فقط يقال بل نراه جميعًا.
ولا يمكن أن تتحقق وحدة الكنيسة من خلال الهجوم علي خطط إنجيلية متوهمة.. ومن المثير للسخرية أن يكون الحديث الآتي من بعض الأصوات متحدثا عن تمويلات أمريكية وما شابه.. كيف بنا نعقل الأمر إذا كان الكثير من الأقباط قد ارتضي أن يهاجر من بلده ويسافر إلي الولايات المتحدة.. أولي بنا أن نتوقع أن عمليات التبشير الإنجيلي المفترضة تكون هناك بين المسيحيين المصريين في الولايات المتحدة.. وليس هنا في مصر.. علي الأقل هناك متسع لذلك.. ولا يمكن للكنيسة الأرثوذكسية أن تستخدم تلك اللغة التي تستخدمها في مصر.. ويجوز لأي أحد أن يحدث تحولاته دون قيود مجتمعية مفهومة في البلد.
إن علي رجال الدين في أي دين أن يكونوا أكثر حرصًا في اللغة التي يستخدمونها بقصد أن تصل عباراتها إلي الرأي العام.. وان يكون هؤلاء هم حائط الصد الأول ضد الطائفية وليس المنبع الأول لتفجير اشتعالاتها.. ولا أعتقد أن التنافسات الشخصية يمكن أن تكون سببا للمزايدات العقيدية علي حساب البلد.. انتبهوا يا أصحاب النيافة.. إن بعضكم يلعب بالنار.
الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net
البريد الإليكترونى: [email protected]