الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

غياب المعارضة السورية الناضجة دفع إلى فك بيعة النصرة.. وانفراد«داعش» بالساحة السورية

غياب المعارضة السورية الناضجة دفع إلى فك بيعة النصرة.. وانفراد«داعش» بالساحة السورية
غياب المعارضة السورية الناضجة دفع إلى فك بيعة النصرة.. وانفراد«داعش» بالساحة السورية




إعداد - مصطفى أمين عامر


 كشفت دراسة بحثية حديثة عن أن قرار انفصال جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة جاء نتيجة ضغط الدول التى تدعم «جبهة النصرة» لأنهم يريدون اليوم تبرئة أنفسهم من تهمة الإرهاب وتهمة دعم جماعة تنتمى لتنظيم «القاعدة» بالإضافة إلى الواقع الدولى المتغير، حيث تعتبر روسيا «جبهة النصرة» جماعة إرهابية والولايات المتحدة وضعتها أيضًا على قائمة التنظيمات الإرهابية، إلا أن حلفاء «النصرة» فى الخليج وبالذات قطر أصروا على أن «جبهة النصرة» ليست إرهابية وهم اليوم مستعدون لتغيير خطها الأيديولوجى لإثبات ذلك، بحيث تعلن تخليها عن تنظيم «القاعدة» وانتماؤها إليه، وقد بدأ هذا التوجه يؤثر على الجانب الأمريكى، لأن النصرة تعتبر أقوى التنظيمات على الأرض بعد تنظيم «داعش» ما يسمح لها باستخدامها فى الحرب ضد النظام السورى.
وتابعت الدراسة التى حملت عنوان «جبهة النصرة فى سوريا بين الولاء للقاعدة و«فك» الارتباط بالتنظيم الأم»  أن «جبهة النصرة» انضمت سابقًا إلى الهيئة العليا للمفاوضات فى الرياض ثم تراجع أبومحمد الجولانى فى اللحظة الأخيرة وانسحب من هذه المجموعة المعارضة بسبب ضغوط من الدعاة الذين يؤيدون تنظيم «القاعدة» خاصة الشيخان أبو محمد المقدسى وأبوقتادة والتغيير اليوم فرضه أيضًا التقدم الميدانى فى حلب، وانشغال تركيا بأمورها الداخلية، إلا أن هذا التغيير جاء متأخرًا لأن الوقائع فى الميدان اختلفت.
واعتبرت الدراسة ان الكثير من السوريين كانوا يعولون على إمكانية أن تتحرر «جبهة النصرة» من تبعيتها للتنظيم العالمى، وأن تنحصر ولاءاتها لصالح المصلحة الوطنية السورية وهو ما تم بالفعل على الرغم من خطاب أيمن الظواهرى زعيم القاعدة الذى حمل عنوان «انفروا إلى الشام» وبدا منه أنّ جبهة النصرة حسمت خياراتها، وأنّ جناح الصقور نجح فى تأكيد التزام الجبهة مع تنظيم القاعدة الأم، فى مواجهة التيار الذى كان يدفعها نحو الانفصال والتوطين أو «السورنة» الكاملة.
وقد تضمنت الدراسة تفكيك هذه الحالة والتعرف على أسبابها، وذلك عبر تعريف طبيعة وظروف «البيعة»، وتوضيح أسباب حلّ هذا الارتباط وأثره على الطرفين، مع حضور النصرة الإشكالى فى الثورة الســـــورية وحسبان الوجه الآخر لهذا الانفكاك، وذلك وفقاً لطبيعة النصرة كتنظيم متعاظم القوة وارتباطه بمشروع عابر للحدود، وقياساً للظروف التى تمر فيها الثورة السورية فى الوقت الحالى.
وأشارت الدراسة إلى أنه بعد فك الارتباط يصبح أمام تنظيم «جبهة فتح الشام» النصرة سابقا عدة خيارات، على رأسها التوافق مجددا مع تنظيم «داعش» رغم العداوة المستفحلة بينهما، أو الاتجاه إلى مسألة فك الارتباط مع «القاعدة» وإنشاء كيان جديد، وهو الخيار الذى يحمل من الخطورة الكثير، فى ظل تردد أنباء عن خلاف محتدم بين القيادات العسكرية والشرعية فى التنظيم و أن تتحول إلى رأس حربة لقتال الجيش السورى باعتبارها المعارضة التى تحولت إلى «المعتدلة» لدى الغرب، بفعل الضغوط الدولية والخليجية طوال الفترة الماضية والتى كانت تركز على دفع النصرة للانسلاخ عن القاعدة.
بالإضافة إلى حدوث انشقاق داخل الجبهة الجديدة، وتوزع مقاتليها على مختلف التنظيمات الإسلامية المسلحة فى سوريا على مختلف تبايناتها، سواء كتائب «جيش الإسلام» أو حركة «أحرار الشام الإسلامية» أو «داعش»، وأن ثمة ميزة سيتمتع بها التنظيم الجديد وهو إزالة الحواجز أمام عشرات التنظيمات الصغيرة للانضمام إليهم بعد فك الارتباط مع القاعدة تحت اعتبار القوة والفاعلية، لكن فى نفس التوقيت سوف يفرض هذا الأمر تغييرات بنيوية على التنظيم الجهادى.
 وقالت الدراسة إن القاعدة فى بلاد الشام «جبهة النصرة»، على الرغم من ذلك لازالت تشكل حالة جدلية عميقة فى الأوساط الجهادية العالمية عامة والحالة السورية بشكل خاص وأن هناك على الجانب الآخر من يعتبر الارتباط بينهما كان مجرد «مصلحة» وأنه ليس ارتباطًا بالمعنى الحقيقى، انما كانت ظروفه ضرورة للهروب من البيعة الدولة الإسلامية داعش وحتى تكون لجبهة الجولانى شرعية تحت مظلة القاعدة وحتى تجذب إليها المهاجرون المبهورون بالقاعدة.
 وتتناول هذه الورقة البحثية ملامحُ وظروف «البيعة» بين تنظيم القاعدة الأم وجبهة النصرة وأسباب هذه البيعة والتحول الاستراتيجى فى أيديولوجية القاعدة لخلق حالة الانسجام مع الحالة السورية وسيناريوهات مستقبل هذه البيعة من خلال العناصر التالية:
أولا: ملامحُ وظروف «البيعة» بين النصرة والقاعدة
تكونت جبهة النصرة منذ بدايتها من المجاهدين الإسلاميين السُنّة، عربًا وأتراكًا وأوزبك وشيشانيين وطاجيك وقلة من الأوروبيين الذين كانوا جزءًا من تنظيم القاعدة بزعامة أبومصعب الزرقاوى، وعقب اندلاع الثورة السورية فى مارس 2011، أرسلت القاعدة هؤلاء المجاهدين إلى سوريا، وتم عقد عدد من الاجتماعات بين أكتوبر 2011 ويناير 2012، فى ريف دمشق وحمص بوسط سوريا، بحضور العديد من عناصر التنظيم، الذين قاتلوا فى العراق وأفغانستان والشيشان وغيرها.
وأصدرت الجبهة بيانها الأول فى 24 يناير 2012، ودعت فيه السوريين للجهاد وحمل السلاح فى وجه النظام السور، وأعلن مؤسس الجبهة «أبومحمد الجولانى» عن تشكيل جبهة لنصرة أهل الشام من المجاهدين، وحدد الهدف من إنشائها بأنها جاءت سعيًا من مؤسسيها إلى الثأر للأعرضِ المُنتَهَكة فى سوريا وتغيير منظومة الحكم فى سوريا، إلى الحكم بشرع الله أولًا، وفى البلاد الإسلامية بعد ذلك.
واستطاعت الجبهة توحيد التنظيمات الجهادية وعلى رأسها تنظيم «أحرار سوريا»، الذى أسسه الشيخ السلفى إبراهيم الزعبى، المقيم فى مدينة مكة المكرمة فى السعودية، وتتبع له مجموعات عسكرية منقسمة الى كتيبة التوحيد وتنتشر فى بعض مناطق حمص ودرعا وكتيبة «ذو النورين»، التى تنشط فى محافظة حمص، وانتقل عدد كبير من عناصرها إلى بعض المناطق التى كانت تشهد مواجهات عنيفة فى اتجاه حلب وإدلب، وتتلقى دعماً من الشيخ عدنان العرعور و«لواء صقور الشام»، الذى ينشط فى ريف إدلب وينقسم الى مجموعات عدة تعمل هناك وفى جبل الزاوية والمناطق القريبة من الحدود السورية التركية كما وحدت «فرقة السليمان»، الناشطة فى حماة وإدلب، وضمّت اليها جبهة «المرابطون»، و«تنظيم أنصار الإسلام»، و«كتيبة مجاهدى غزة»، و«كتيبة خالد بن الوليد»، و«كتيبة الفاروق» «يقودها عبد الرزاق محمود طلاس»، و«كتيبة حمزة»، و«لواء الأمة» ، و«أنصار الشريعة».
 وفى 9 أبريل 2014 أعلنت الدولة الإسلامية فى العراق أن «جبهة النصرة السورية» امتداد له وبث أبو بكر البغدادى زعيم تنظيم القاعدة فى العراق رسالة صوتية أكد خلالها أن جبهة النصرة التى تحارب نظام بشار الأسد فى سوريا المجاورة هى امتداد للتنظيم وجزء منه، وأن هدف جبهة النصرة هو إقامة دولة إسلامية فى سوريا قائلا «لقد آن الأوان لنعلن أمام أهل الشام والعالم بأسره أن جبهة النصرة ما هى إلا امتداد لدولة العراق الاسلامية وجزء منها وأنه تم إلغاء اسم دولة العراق الإسلامية وإلغاء اسم جبهة النصرة وجمعهما تحت اسم واحد هو الدولة الإسلامية فى العراق والشام».
لكن أبو محمد الجولانى رد على إعلان البغدادى فى اليوم التالى 10 إبريل 2014 أن الجبهة لم تستشر فى اعلان الفرع العراقى للتنظيم، تبنيها وتوحيد رايتهما تحت اسم «الدولة الإسلامية فى العراق والشام قائلا «دار حديث حول خطاب منسوب للشيخ ابى بكر البغدادى زعيم دولة العراق الإسلامية وذكر فى الخطاب المنسوب للشيخ تبعية الجبهة لدولة العراق الإسلامية، ثم أعلن فيه إلغاء اسم دولة العراق وجبهة النصرة، واستبدالهما باسم واحد ونحيط الناس علما ان قيادات الجبهة ومجلس شورتها والعبد الفقير المسئول العام لجبهة النصرة الجولانى، لم يكونوا على علم بهذا الإعلان سوى ما سمعوه من وسائل الإعلام، فإن كان الخطاب المنسوب حقيقة، فإننا لم نستشر ولم نستأمر».
وشدد على ان الجبهة «ستبقى كما عهدتموها» بعد إعلان البيعة الذى «لن يغير شيئا فى سياستها وستبقى راية الجبهة كما هى لا يغير فيها شىء اعتزاننا براية الدولة فى العراق ومن حملها ومن ضحى ومن بذل من دمه من اخواننا تحت لوائها» ليؤكد على أن جبهة النصرة التى تحارب نظام بشار الأسد فى سوريا قد بايعت زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى قائلا «هذه بيعة من أبناء جبهة النصرة ومسئولها العام نجددها لشيخ الجهاد الشيخ أيمن الظواهرى فإننا نبايعه على السمع والطاعة».
وكان قد سبق كلا الإعلانين قيام أيمن الظواهرى زعيم القاعدة بالغاء تنظيم «داعش» فى 8 نوفمبر 2013م وأمر فى تسجيل صوتي، بإلغاء «الدولة الإسلامية فى العراق والشام»، لأن جبهة «النصرة» وحدها هى الفرع السورى للتنظيم ورد زعيم داعش، أبوبكر البغدادى، على الظواهرى بتسجيل تحت عنوان «باقية فى العراق والشام»، قائلا: «لقد اعتدنا ومنذ عشر سنوات من الدماء والأشلاء أننا لا نخرج من محنة إلا ويبتلينا الله تعالى بمثلها أو أشد منها وأن الدولة الإسلامية فى العراق والشام باقية ما دام فينا عرق ينبض أو عين تطرف، باقية ولن نساوم عليها أو نتنازل عنها حتى يظهرها الله أو نهلك دونها».
ورد الظواهرى فى التسجيل: «تُلغى دولة العراق والشام الإسلامية، ويستمر العمل باسم دولة العراق الإسلامية»، مؤكداً أن «جبهة النصرة لأهل الشام فرع مستقل لجماعة قاعدة الجهاد يتبع القيادة العامة وأن الولاية المكانية لدولة العراق هى العراق، والولاية لجبهة النصرة لأهل الشام هى سوريا». وتابع «أخطأ الشيخ أبوبكر البغدادى الحسينى بإعلان دولة العراق والشام الإسلامية دون أن يستأمرنا أو يستشيرنا، وأخطأ الشيخ أبو محمد الجولانى بإعلانه رفض داعش وإظهار علاقته بالقاعدة دون أن يستأمرنا أو يستشيرنا».
وفى 12 مايو 2014مـ شنّ أبو محمد العدنانى الناطق الرسميّ لتنظيم «دولة العراق والشام»، هجومًا عنيفًا على الشيخين أيمن الظواهرى أمير تنظيم القاعدة، وأبى محمد الجولانى أمير تنظيم جبهة النصرة فى تسجيل صوتى جديد قائلا «أنّ الدولة أرسلت عبر أبى حمزة المهاجر رسالةً لقيادة القاعدة أكدت فيها ولاء الدولة لرموز الأمّة المتمثّلين بالقاعدة، وتُخبرهم أنّ الكلمةَ لقيادة الجهاد فى العالم لكُم، برغمِ حلّ تنظيمكم على أرض الدولة، حفاظًا على وحدة كلمة المجاهدين، ورصّ صفوفهم وظلّ أمراء الدولة الإسلامية يُخاطبون قاعدة الجهاد خِطابَ الجنود للأمراء، وتلتزم نصائح وتوجيهات شيوخ الجهاد ورموزه، ولذلك لم تضرب الروافض فى إيرانَ منذ نشأتِها، وتركتهم آمِنين فيها، رغمَ قدرتها آنذاكَ على تحويل إيرانَ لِبرَكٍ من الدماء، تاركةً الروافض ينعمون فيها بالأمن امتثالاً لأمر القاعدة للحفاظ على مصالحها وخطوط إمدادها فى إيران». وهاجم الظواهرىَ قائلاً: «عذرًا أميرَ القاعدة، عذرًا أيها الدكتور، لقد بايَعنا اللهَ على أن نقول الحقّ حيثُما كنّا، إنّك فى شهادتك الأخيرة أجهدْتَ نفسكَ لتلبّس على الناس وتوهمهم أمرًا تضعُنا به موضع الناكثين الغادرين الخائنين الشاقّين صفَ المجاهدين، ليسَ لجندى صغيرٍ مثلى أن يردّ على أمير القاعدة، ولكن لصاحب الحقّ مقال وعذرًا أمير القاعدة، أنْ نتواضع لكُم طواعيةً فنلتزم بالجماعة، ونحرص على توحيد كلمة المسلمين شىء، وأن تُلزمنا جرّاء ذلك ببيعةٍ وتبعيّةٍ لكُم فتُحمّلنا جُرمَ شقّ صف المجاهدين وسفك دمائهم الذى تسبّبتَ أنتَ بهِ بقبولك بيعة الخائن الغادر الناكث شىءٌ آخر». كما أعلن أنّ الدولة ليست فرعًا تابعًا للقاعدة، ولم تكن يومًا كذلك، وقال: «لو قدّر اللهُ لكم أن تطؤوا أرض الدولة الإسلامية، لَما وسعكم إلاّ أن تبايعوها وتكونوا جنودًا لأميرها القرشى حفيد الحسين، كما أنتم اليوم جنودٌ تحت سلطان المُلّا عمر، فلا يصحّ لإمارةٍ أو دولةٍ أن تُبايع تنظيمًا وإنّ كل ما ذكرتَ من شهادتك صحيح، ورفض مناشدة الظواهرى تنظيم الدولة بالانسحاب من الشام وأعلن بأنّ ذلك شبه مستحيل وحرّض العدنانى الظواهرى على جبهتَى: «النصرة» و«الإسلاميّة» قائلًا: «إنّ جنودَ جبهة الجولانى وجنودَ جبهة أبى خالدٍ السورى باتوا يقولونَ بعدَ تصريحاتكُم الأخيرة: خَرَّفَ الشيخ! وأن الخلافَ بين الدولة الإسلامية وقيادة تنظيم القاعدة خلافٌ منهجىّ، وليسَ بيعَة، ومرجعيّة مَن لمَنْ وبالتالى على جميعَ أفرع القاعدة فى كلّ الأقاليم ببيانٍ رسميٍّ وموقفٍ واضحٍ وصريح من منهج الدولة الإسلامية، وحكمها» وختم بقوله: «اللهمّ يا مَن تعلمُ المُفسِدَ من المُصلِح، والطالِح منَ الصالِح، عليكَ بالمنافقين والخائنين والغادرين، افضحهم على رؤوس الأشهاد وأرِنا فيهم العجائب».
وكشفت هذه الملاسنات عن حجم الهوة والخلاف بين القاعدة وتنظيم داعش وهو ما أنتج فى النهاية ملامحُ وظروف «البيعة» بين جبهة النصرة باعتبارها أحد أفرع التنظيم الأم «القاعدة» مع احتفاظها بطبيعتها الخاصة فى سوريا.
ثانيا: عوامل الترابط والتماسك فى بيعة النصرة للقاعدة
هناك عدد من عوامل تجمع مابين الترابط والتماسك فى بيعة تنظيم جبهة النصرة للقاعدة الأم حيث تشير القراءة الأولية لتصريحات أمراء القاعدة ومنظريها توجه الأخيرة للانتقال من مشروع الجهاد العالمى والتنظيمات العابرة للحدود إلى مفهوم الجهاد المحلى داخل حدود المجتمعات وضمن هذا التوجه تعتبر جبهة النصرة تجربة جديدة لتنظيم القاعدة، والحامل الأساسى لقياس نجاعة هذه الاستراتيجية.
وإن تحولات المشهد السورى ومعطيات واقع القاعدة الحالى تملى عليها إعادة النظر فى بنيتها التنظيمية وإعادة تعريف علاقتها مع فروعها وجعلها أكثر مرونة وأكثر محليةً، بشكل يحسن تموضعها، إلا أن هذه التحولات والمعطيات لا تهيئ لعوامل فك البيعة من قبل النصرة منفردةً، فالقاعدة تمدها بشرعية سياسية تحميها من تسرب عناصرها باتجاه تنظيم الدولة، فضلاً عن وجود مقاتلين وقادة ولائهم الأول للظواهرى وبالتالى يستوجب إعلان حل البيعة قدرة النصرة على مقاومة عوامل الانحلال الذاتى من خلال اكتساب مد شعبى متجذر يزودها بشرعية محلية بديلة.
وقد يؤدى حلّ البيعة إلى انسيابية انضمام العناصر من مختلف الفصائل إلى النصرة، بعد إزالة هامش الفرق بينها وبين باقى التجمعات الإسلامية العسكرية. كما أنه يفتح الباب واسعاً أمام انضمام فصائل بالكامل إلى النصرة باعتبارها مشروعًا إسلاميًا محليًا، وذلك لتمتعها بحاضنة شعبية محلية، واتّصافها بجدية القتال ضد النظام، وانتمائها لمشروع سلفى جهادى تتقاطع فيه بدرجة كبيرة مع عدد من الفصائل الإسلامية، ولتفوق بنيتها التنظيمية على معظم القوى الوطنية.
وعند حل البيعة فإن المستهدف به ليس كامل جبهة النصرة، وإنما التعويل هنا على تيار محدد لقب «بالإصلاحى» أو الأنصار ممثلاً بــــــ«أبو ماريا القحطانى، ومظهر الويس» أكثر من التيار الملقب بالحرس القديم أو الصقور ممثلاً بــــــ«سامى العريدى»، إلا أن فك الارتباط لا يعنى سياسياً التبرؤ من فكر القاعدة بقدر ما هو فعل إعلامى ذو أهداف تكتيكية، أى أن فك الارتباط عبر هذا التيار قد يأتى فى سياق تدجين القاعدة داخل المجتمع السورى وتجذيرها.
بالإضافة إلى إن غياب مشاريع إسلامية أو سياسية ناضجة للمعارضة لا يزال يساهم بشكل فعّال فى استمرار حالة الفراغ السياسى، ويسمح لأصحاب المشاريع الأخرى الانفراد بالساحة ومصادرة المبادرة السياسية والدينية على الصعيد المحلى فأغلب قوى المقاومة الوطنية الإسلامية على الأرض لم ترق بعد لمشروع وطنى جامع، إضافة للائتلاف الوطنى السورى والذى لم يستطع بحكم بنيته وظروف المشهد السورى الإقليمية والدولية من جعل الحاضنة الثورية تلتف حول رؤية سياسية واضحة.
وفى ظل حالة الفراغ هذه فإن تقديم النصرة كفصيل سورى داخلى لا يرتبط بالقاعدة، قد يؤدى إلى دعم تحويلها إلى مشروع بشكل أو بآخر.
من خلال ما سبق نستطيع استنتاج الاستخلاصات التالية:
أ- إن تحرر «جبهة النصرة» من تبعيتها للتنظيم العالمى وحصر ولاءاتها لصالح المصلحة الوطنية السورية- أصبح أمرًا حتمياً بعد الصراعات الداخلية بين الجماعات السلفية الجهادية المسلحة فى سوريا من جهة والمجتمع الدولى من جهة ثانية والنظام السورى من جهة ثالثة.
- قد يؤدى حلّ البيعة إلى انسيابية انضمام العناصر من مختلف الفصائل إلى النصرة، بعد إزالة هامش الفرق بينها وبين باقى التجمعات الإسلامية العسكرية كما أنه يفتح الباب واسعاً أمام انضمام فصائل بالكامل إلى النصرة باعتبارها مشروعاً إسلامياً محلياً.
- قد يكون فك الارتباط لا يعنى سياسياً التبرؤ من فكر القاعدة بقدر ما هو فعل إعلامى ذو أهداف تكتيكية، أى أن فك الارتباط عبر هذا التيار قد يأتى فى سياق تدجين القاعدة داخل المجتمع السورى وتجذيرها.
- الحاضنة الثورية السورية قد تلتف حول رؤية سياسية واضحة فى حال تقديم النصرة نفسها كفصيل سورى داخلى لا يرتبط بالقاعدة.
- إن جبهة النصرة ومثيلاتها من التنظيمات التى تحمل فكراً عابراً للحدود لا يمكن حصره فى حدود دولة أو مشروع وطنى، ستكون بعد فك الارتباط أشد خطراً على الدولة السورية المستقبلية.