الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

بثينة الجلاصى: التنمية تبدأ من رفع الجهل عن العقول ونشر التعليم وتعميمه

بثينة الجلاصى: التنمية تبدأ من رفع الجهل عن العقول ونشر التعليم وتعميمه
بثينة الجلاصى: التنمية تبدأ من رفع الجهل عن العقول ونشر التعليم وتعميمه




حوار - خالد بيومى

د.بثينة الجلاصى أكاديمية وباحثة وناقدة تونسية، لها بحوث، كتب قيمة فى مجال الفكر الإسلامى، وأطروحاتها تنبع من الواقع والحراك الاجتماعى، قد حاولت معالجة ظاهرة العنف الكامنة فى الوجدان الجمعى، ونظراً لأفكارها المستنيرة، وثقافتها الموسوعية فقد تولت مؤخراً رئاسة المعهد الأعلى للشريعة فى تونس، وهى أول امرأة تتولى هذا المنصب ليس فى تونس فقط وإنما على مستوى العالم العربى والإسلامى، مما يعنى تنامى الثقة بقدرات المرأة فى تحمل المسؤلية والإسهام فى تقدم المجتمعات..هنا حوار معها.

■  أنت أول امرأة تتولى رئاسة المعهد الأعلى للشريعة فى تونس.. كيف استقبلت هذا التكريم؟
- يعتبر ذلك مكسبا للمرأة ولا أغالى إذا قلت أن تونس كانت السباقة فى منح هذا المكسب وليس غريبا على أرض الخضراء أن تمنح المكاسب للمرأة لا سيما إذا استحضرت مجلة الأحوال الشخصية وأهميتها التاريخية فى تعزيز مكانة التونسية فى المجتمع وفى جميع المستويات.
■  ما خطتك المقبلة للنهوض بالمعهد؟
- لى مشاريع كثيرة أحاول أن أسابق الزمن إن شاء الله عسى أن أحقق أغلبها وأهمّها تنويع مواد تكوين الأئمة والخطباء والوعاظ بما يتلاءم ومتطلبات العصر وأهمّها التركيز على العلوم العقلية إلى جانب العلوم الشرعية وأهمها علم النفس، وعلم التواصل، والتنمية البشرية، وفنون الخطابة، وعلم الاجتماع، والإعلامية، وغايتى من ذلك هو تجديد الخطاب الدينى لمواكبة مستجدات العصر وفهم النص الشرعى فهما ينأى به عن كل توظيف وتأويل من شأنهما أن يشوّها صورة الإسلام والمسلمين.
■  برأيك.. كيف يمكن مواجهة التطرف فكرياُ وثقافيا؟
- التطرف الفكرى والثقافى له أسباب عديدة منها ما يتصل بالجانب الاجتماعى فحسب الإحصائيات التى قام بها الخبراء من مراكز الدراسات الاستراتيجية فإن أغلب المتشددين ينحدرون من أوساط شعبية فقيرة تشكو الحرمان والخصاصة والبطالة وتتخبط فى مشاكل ما كلف الله بها من سلطان، أما السبب الثانى فموصول بالأول ويشمل الجانب النفسى ذلك أن المتشددين يشعرون عادة بنقمة وتهميش وإقصاء تجاه الدولة والمجتمع مما يخلق عندهم اضطرابات نفسية تجعلهم مهزوزين يبحثون عن سبل النجاة فى مسارات أخرى وبذلك يسهل التغرير بهم من قبل التيارات الجهادية التى تمنحهم المال كما تمنحهم الأمل فى حياة أفضل بعد الموت» الاستشهاد» وهذه الحياة يتاح فيها ما حرموا منه فى الدنيا، أما السبب الثالث فيرجع طبعا إلى هشاشة التكوين الفكرى والثقافى مما يسهل عملية التأثير والإقناع لأن وسائل الصد عند المغرر به ضعيفة وحججه هزيلة فيكون الاستمداد هو الغالب على الإمداد ويكون التقبل هو الغالب على الحجج، وصفوة القول فإن مواجهة التطرف فى تقديرى لا تكون إلا متى استطاع المجتمع أن يحيط بكل هذه الأسباب ويتصدى لها من خلال تخصيب منابع الثقافة ونشرها ومن خلال القضاء ولو نسبيا على البطالة والفقر والتهميش ومن خلال فتح باب الحوار مع الشباب حتى لا يكون فريسة سهلة لأى تيار من التيارات وحتى نضمن له الأمن الروحى والنفسى قبل الأمن الجسدى، دم شهدائنا عزيز وغال، ولا يمكن أن يذهب سدى، ولذلك لابد أن يأخذ القانون مجراه، فى القصاص من المتورطين فى الدم، وفى قضايا الإرهاب والتخريب وترويع الإنسانية، هؤلاء لا رحمة بهم ولا شفقة.
ولكن الذى غرر بهم وثبت ذلك قضائياً، فيمكن معالجتهم من خلال الحوار، سواء كانوا فى السجون أم بعد الإفراج عنهم، حتى يتم إعادة تأهيلهم فى المجتمع وهم أسوياء، وبذلك لا يتورطون فى الوقوع فريسة التيارات المتشددة مرة أخرى.
■  كيف يمكننا تحكيم العقل وسط زوبعة الأحداث السياسية؟
- الحقيقة أن الشأن السياسى فى كل بلدان العالم له مآربه وقوانينه ولا يحذق ذلك إلا أهله وزوابع السياسة كثيرة ومن الصعب أن تهدأ بل قدرها أن تظلّ زوابع وهو أمر تحدث فيه أرسطو فى كتاب السياسة وغيره كما تحدث فيه أسلافنا وعلى رأسهم إمام الحرمين أبوالمعالى الجوينى فى كتاب»غياث الأمم فى التياث الظلم» ولذلك يصعب أن نتحدث عن إحكام العقل فى المجال السياسى لأن السائس يستأنس بوسائل أخرى منها الخطاب والخطابة وما لهما من تأثير فى العواطف والمشاعر تأثيرا ينهض على سلطة الحجة وقد يستأنس السياسى أيضا بالأسطورة وهى شكل من أشكال الإقناع، فالعقل وحده لا يكفى وإنما هناك عوامل كثيرة تتشابك لتجعل فى تقديرى السياسة تدبيرا باللسان والجوارح وتدبيرا بالقلب والمشاعر قبل أن تكون تدبيرا بالعقل.
■  ما رأيك فى ظاهرة التوظيف السياسى للدين؟
- التوظيف السياسى للدين ليس بدعا فى الثقافة العربية والإسلامية وليس بدعا فى كل الثقافات لأن الدين عند السياسى أقرب مسلك للتأثير فى المتلقى باعتبار أن الإنسان متدين بطبعه كما أثبت ذلك علماء الأنثروبولوجيا وعلى رأسهم كلود ليفى ستراوس.
- ولكن يبقى الدين مع ذلك منفلتا من كلّ توظيف إنه دين الإنسان فى عمق إنسانيته وأقصد دين القيم والأخلاق ومتى حاد عن هذه الوظيفة الأساسية من خلال التوظيف فإنه لن يكون دينا وإنما يصبح علما للأفكار السياسية أى ايديولوجيا إن الدين أرحب من أن يحتكره أى مجال من المجالات.
■  برأيك.. كيف يمكن تحقيق الإرث الثقافى والهوية المرتبطة بالإسلام؟
- الإجابة عن هذا السؤال كانت فى طيات كتب المفكرين المصلحين فى بداية القرن 19 فكل هوية لا بدّ أن تتحقق من خلال التأصيل فلكى نجيب عن سؤال من نحن؟ لابد من الإجابة قبلا عن سؤال ماذا كنا؟ لنستشرف سؤالا آخر كيف سنكون؟ إن الكينونة التى هى جوهر مفهوم الهوية لا تتحقق إلا باستحضار الماضى وفهمه وهضمه والاستفادة منه ثمّ تحديد الكيفية التى ستصير إليها الكينونة فى ضوء المستجدات دون قطيعة مع الجذور ولا انغماس فى القشور ولا تبن لمقالات الغير دون فهوم.
■  معضلة الأمية التى تصل إلى 70 مليونا من أصل 400 مليون عربى.. كيف يمكن حلها؟
- لا حلّ لمعضلة الأميّة إلا بنشر التعليم المجانى فى كامل تراب البلدان والسهر على توفير الضروريات فى المدارس وهذا ما يجب أن تتكفل به الدول وتوليه الاهتمام والعمل قبل كل شىء فالتنمية تبدأ من رفع الجهل عن العقول والنهضة أيضا تبدأ من هناك وكل القضايا فى تقديرى لا يمكن أن تحلّ إلا إذا ضمنا رفع الجهل عن العقول ونشر التعليم وتعميمه.
■  من المعروف أنه لا نهضة علمية جادة إلا من خلال اللغة القومية مثلما فعل الصهاينة واليابانيون والكوريون .. كيف ستواجهين مأزق منافسة الفرنسية للعربية فى تونس؟
- كثيرا ما أستغرب من هذا السؤال لأنه ألقى على عديد المرات أثناء سفرى إلى بلدان شقيقة ويعود سبب استغرابى إلى ظن الرأى العربى أن اللغة الفرنسية تنافس اللغة العربية فى تونس وتذهب أنت أكثر من ذلك فقد تحدثت عن مأزق!! والحقيقة أنّ اللغة العربية هى لغتنا الرسمية واللغة الحية الأولى التى يدرسها أطفالنا فى المدارس منذ السنة الأولى ابتدائى ولا تنافسها أى لغة أخرى لمدة سنتين ثم فى السنة يدرس الطفل الفرنسية باعتبارها اللغة الحية الثانية إذن لا وجود لتنافس كما ترى والأولوية والأسبقية فى التعليم عندنا هى العربية وبالإضافة إلى ذلك فإن أوّل فصل عندنا فى الدستور هو الآتي: تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها.
■  ما تفسيرك لقلة عدد الناقدات والمفكرات فى عالمنا العربى؟ وهل الفكر حكر على الرجال؟
- أوّلا أخالفك الرأى فعدد الناقدات والمفكرات فى عالمنا العربى ليس قليلا  فهو عدد محترم وله وزنه عالميا ويكفى أن نذكر مى زيادة ورجاء العالم ويمنى العيد ونوال السعداوى وأحلام مستغانمى وسعاد صالح وغيرهن وما يسعدنى شخصيا ليس عدد النساء الناقدات والمفكرات فى العالم العربى بقدر ما تسعدنى نوعية وجودهن لكلّ بصمتها فى جبين التاريخ ولكل خصوبتها فى الأجيال التى عاصرتها أو خلفتها فالمسألة عندى لا تقاس بالكمية وإنما بالكيفية، ثانيا من قال إن الفكر حكر على الرجال؟ ومن خوّل لنفسه أن يوزع غنيمة الفكر ويتولى مصادرة الحق فى التفكير؟؟ يا سيدى إنّ الفكر نتاج العقل الإنسانى دون ميز بين الأجناس ولا الألوان ولا الأعراق ولا الأنساب وهو ما نصّ عليه القرآن فى مواضع كثيرة حينما حث بنى آدم على التفكر والتدبر وخاطبهم بأولى الأبصار على وجه عموم يراد به العموم لا غيره فبأى حق تحتكر فئة الفكر دون غيرها وإذا احتكرت الفكر فما هو قدر غيرها وما حظه من الحياة الإنسانية؟ ولقد حسم أسلافنا فى هذه المسألة حتى أن ابن حزم الأندلسى دعا العامى إلى الاجتهاد والتفكير فى آيات القرآن ثم الاستئناس برأى الفقهاء والمجتهدين وقد ذكر ذلك فى كتابه الإحكام فى أصول الأحكام.
■  إلى متى سنظل ندفع فاتورة الفهم الخاطئ للإسلام؟
- بكلّ بساطة عندما نعى جيدا أنّ للفهم قوانينه وشروطه ومقاماته وسياقاته ومراعاة أحوال المتكلم فيه ولغة الخطاب وممكناتها التداولية وهو ما سماه الأصوليون بمعهود العرب من الكلام وعندما نلتزم بشروط الاجتهاد وقد ضبطها الشافعى فى رسالته فى عشر نقاط منها أن يكون المجتهد عارفا بعلوم القرآن ومتمكنا من علوم الحديث ومسالك الاستنباط والاستدلال وهى المسالك التى لخصها ابن حزم فى عبارة الدليل وهى من شأنها أن تحيد بالمؤول عن الظن والتخمين والتصرف فى العبارة والدلالة وهذه الشروط نص عليها القاضى عبد الجبار فى كتابه المغنى كما نص عليها الغزالى فى كتابه قانون التأويل وتعرض لها الشاطبى فى الموافقات.