الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مخاطر ارتفاع الدولار على الاقتصاد المصرى (2)

مخاطر ارتفاع الدولار على الاقتصاد المصرى (2)
مخاطر ارتفاع الدولار على الاقتصاد المصرى (2)




صبحى مقار يكتب:


تناولنا فى المقال السابق التطور التاريخى للدولار الأمريكى وأسباب زيادة أهميته فى الاقتصاد العالمى. ونعرض اليوم أهم مخاطر ارتفاع الدولار الأمريكى على الاقتصاد المصرى، فمن المعروف أن سعر الصرف هو «عدد الوحدات من النقد المحلى التى يمكن مبادلتها بوحدة واحدة من النقد الأجنبي»، وهو عبارة عن أداة الربط بين اقتصاد معين وباقى اقتصاديات العالم مما يسهل المعاملات الدولية من خلال ثلاثة أسواق هى سوق الأصول وسوق السلع وسوق عوامل الإنتاج.
وغالبا ما تسعى الدول التى تتمتع بمرونة إنتاجية عالية إلى خفض سعر صرف عملتها لتزيد من الطلب على صادراتها لجعل السلع الأجنبية أكثر تكلفة على المستهلكين المحليين، ومن ثم أقل جاذبية من السلع الوطنية. وفى الوقت ذاته جعل الصادرات الوطنية أقل تكلفة فى الأسواق الأجنبية فتزداد تنافسيتها مقابل السلع الأجنبية مما يدعم الاقتصاد الوطنى. وهناك دول أخرى لا تتمتع بمرونة فى جهازها الإنتاجى ينتج عن انخفاض قيمة سعر صرف عملتها مردودات سلبية بسبب ارتفاع قيمة وارداتها، وهو ما نلمسه فى الواقع المصري.
وقد شهد سعر صرف الجنيه المصرى انخفاضات متتالية مقابل الدولار الأمريكى منذ بداية تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى مطلع تسعينيات القرن الماضي، كان أبرزها عندما أعلن فى يناير 2003 عن التحرير الكامل لسعر صرف الجنيه. ومنذ ذلك التاريخ، يدير البنك المركزى المصرى سعر الصرف بطريقة غير مباشرة عبر آلية ما يعرف بالسوق المفتوحة مما ساعد على استقرار سعر الصرف منذ منتصف عام 2004 وحتى وقوع الأزمة المالية العالمية عام 2008 عند 5.30 جنيه للدولار، ثم واصل سعر صرف الجنيه الانخفاض أمام الدولار بنسب ضئيلة ليصل إلى نحو 5.82 جنيه مع نهاية عام 2010. وبعد ثورة يناير 2011 وما تلاها من عدم استقرار اقتصادى وسياسى، تدهور سعر صرف الجنيه المصرى ليصل إلى نحو 8.90 جنيه حاليا (وفى السوق الموازية 11-12 جنيها).
ونعرض فيما يلى أهم مخاطر ارتفاع سعر الدولار الأمريكى على الاقتصاد المصرى:
■ زيادة القيمة الحقيقة للديون الخارجية، حيث يؤدى ارتفاع قيمة الدولار مقابل الجنيه إلى زيادة تلك الديون بنفس النسبة، والتى تقود إلى سلسلة من المضاعفات من أخطرها زيادة عجز الموازنة العامة، وزيادة أعباء الديون وضعف القدرة على السداد مما يؤدى إلى إعادة جدولتها بسعر فائدة أعلى.
■ بروز ظاهرة الإحلال النقدى أو «الدولرة»، وتعنى تحويل المواطنين لمدخراتهم من الجنيه المصرى إلى الدولار الأمريكى، وخاصة من يتوافر لهم إمكانية الحصول على الدولار مثل العاملين فى الخارج، والعاملين فى الأنشطة المالية والمصرفية والتجارة الخارجية، بالإضافة إلى فئات المضاربين توقعا للمزيد من الانخفاض فى قيمة الجنيه. حيث لا يعرض أغلب هؤلاء ما لديهم فى سوق الصرف الرسمى مما يؤدى إلى انخفاض كميات الدولار المعروضة فيه وارتفاع الطلب عليه. وبجانب هذا السوق الرسمى المنظم يوجد سوق غير رسمى يتعامل فى النقد الأجنبى بأسعار أعلى. وكلما كبر حجم الأسواق غير الرسمية كلما ضعفت فاعلية سياسة الصرف الأجنبى التى يعلنها البنك المركزي، وكلما قلت درجة المصداقية التى تتمتع بها تلك السياسة من قبل الوكلاء الاقتصاديين وتضعف بالتالى ثقتهم فى الاقتصاد المصرى.
■ صعوبة الحفاظ على تنافسية الصادرات المصرية فى الأسواق الخارجية، نتيجة عدم وجود بديل محلى لأغلب السلع المستوردة كالمدخلات الوسيطة التى تشكل مكونا أجنبيا فى السلع المصدرة التى لا تستهلك محليا مما يزيد من درجة الاعتماد على تلك الواردات التى يزداد سعرها مع انخفاض قيمة الجنيه مما يؤدى إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج وارتفاع أسعار المنتجات النهائية وزيادة أعباء المعيشة على محدودى الدخل.
■ ضعف قدرة الدولة على دعم السلع والخدمات لطبقة محدودى الدخل، وذلك نتيجة تزايد عجز الموازنة العامة للدولة بسبب زيادة فاتورة استيراد السلع المخصصة للدعم.
■ ارتفاع أسعار الخامات والمستلزمات الوسيطة المستوردة من الخارج مما يؤدى إلى ارتفاع تكلفة إنتاج السلع والخدمات النهائية مما يضعف قدرات الشركات الوطنية على المنافسة عند التصدير إلى الخارج أو التسويق الداخلى. وبالتالى، خروج العديد من هذه الشركات من حلبة الإنتاج بسبب تحقيقها لخسائر فادحة بسبب صعوبة المنافسة مما يساهم فى زيادة معدلات البطالة وانخفاض حصيلة الضرائب، بالإضافة إلى زيادة ورادات السلع الأجنبية لتحل محل السلع الوطنية.
■ زيادة قيمة القروض التى حصل عليها رجال الأعمال المصريون بنفس نسبة تراجع الجنيه أمام الدولار مما يكبدهم خسائر كبيرة وتزداد احتمالات تعثرهم فى سداد مديونياتهم للبنوك.
■ ارتفاع أسعار الواردات، وبصفة خاصة السلع الاستهلاكية التى ليس لها بديل محلى، ارتفاع معدل التضخم، ارتفاع تكلفة سلة الحاجات الأساسية للمواطن مثل الغذاء والعلاج والتعليم والسكن والزواج وسداد الديون. كل ذلك يؤدى إلى حدوث خلل فى ميزان المدفوعات، وخلل فى الموازنة العامة للدولة مما يدفع الحكومة لفرض ضرائب جديدة تخلق المزيد من الأعباء على المستثمرين والقطاع العائلى.
■ حدوث حالة من الركود فى السوق نتيجة لعدم رغبة الكثير من الشركات فى إتمام أية صفقات أو اتفاقات وتأجيلها حتى يستقر سعر العملة. واستفادة فئة معينة، أصحاب شركات الصرافة، على حساب تضرر باقى فئات المجتمع، حيث تحقق المزيد من الأرباح من خلال بيع الدولار أو الاحتفاظ به تمهيدا لجنى المزيد من المكاسب فى المستقبل.