الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

جااااااااااااز !!




هناك،‮ ‬في المنشية،‮ ‬حيث مقهي الهندي القابع في صحن فضاء بين مجموعة من البيوت القديمة،‮ ‬يتندرون عليه الآن‮.. ‬ويقولون له‮: ‬اتفعل هذا من أجل ثلاثة آلاف جنيه‮.. ‬يا رخيص‮.. ‬ويمضون في السخرية ضاحكين‮: ‬الذي علي‮.. ‬علي يا أبو جلال‮.. ‬أين النضال‮.. ‬وكيف الحال‮.‬

‮ ‬لم يكن له أي قيمة قبل سنوات قليلة‮ .. ‬لا أحد ينشغل به‮.. ‬ولا أحد يهتم بحاله‮.. ‬مجرد متقاعد‮.. ‬متقاعس‮.. ‬يعيش في حارة اليهود‮.. ‬في بحري‮.. ‬التي أصبحت قبلة لتوزيع الحشيش‮.. ‬ولكنه علي المقهي تعرف إلي الدكتور إبراهيم‮.. ‬الذي يسخر من أي شيء وكل شيء‮.. ‬ويكتب مثلما يتكلم‮.. ‬فأصبح ساخرًا معروفًا رغم كونه أستاذاً‮ ‬جامعيا في إحدي جامعات الدلتا‮.‬

‮ ‬اقترب جلال من إبراهيم‮.. ‬انبهر بهذه الشخصية التي يحيط بها الجميع علي المقهي‮.. ‬فلم يكن عليه إلا أن يقلده‮.. ‬وفجأة نقح عليه داء الكتابة‮.. ‬كما لو‮ ‬أنه سرطان‮.. ‬فعالجوه بأن حصل علي مقال في جريدة أسبوعية يسارية في الثغر‮.. ‬قبل أن ينتقل إلي شقة‮ (‬إيجار جديد‮) ‬في حي العامرية‮.. ‬وانفتحت الدنيا أمامه‮.. ‬وصار يقبض في الشهر مائة وخمسين جنيهًا‮.. ‬ثم اجتهد في شتم الحكومة فرفعوا مكافأته إلي‮ ‬300‮ ‬جنيه‮.‬

‮ ‬زهزهت الدنيا في عيون صفراء‮.. ‬ضربتها الأمراض‮.. ‬وعقل لوثته الأضواء الخافتة‮.. ‬وقلب أسود من فرط ما عبأ من كراهية للجميع‮.. ‬ماذا تنتظر من ساكن الحارة حين يكون متاحًا له أن يقيم في عمارة‮.. ‬وكيف تريد من عاش علي لمبة جاز فأصبح لديه مصباح‮ ‬غاز‮.. ‬ويتبع فنطاس‮ .. ‬أقسم بشعره الأبيض وقصص الحروب التي‮ ‬يدعي أنه خاضها‮.. ‬وقال أنا معارض‮.. ‬لم يصدقوه‮.. ‬شتم الرئيس وكتب عن وهم التوريث‮.. ‬فمنحوه الصفة‮.. ‬هو إذن معارض‮.‬

‮ ‬رشحوه في الانتخابات‮.. ‬فانفتحت أمامه طاقة القدر‮.. ‬أعطوه ثروة‮.. ‬مبلغاً‮ ‬رمزياً‮ ‬يقرره الحزب المعارض لمرشحيه‮.. ‬خمسة آلاف جنيه‮ (‬مرة واحدة‮).. ‬احلوت‮.. ‬رقصت‮.. ‬اشتري البانجو والحشيش‮.. ‬وصارت نكات المسطول مادة إضافية لما سموه كتابته الساخرة‮.. ‬بدا كما لو أنه شعبان عبدالرحيم الكتابة‮.. ‬مكوجي سابق‮.. ‬وأنفق الخمسة آلاف جنيه‮.. ‬جنيها وراء الآخر‮.. ‬دون أن يعلق لوحة‮ (‬دمور‮) ‬باسمه في شوارع الدائرة‮.. ‬ربما كان قد اشتري القماش واستخدمه في أمور أخري‮.. ‬لم يشغل باله بالأمر‮.. ‬وقد انتهي بسبعة أصوات لا تزيد في صندوق ضال‮.. ‬ومن ثم راح يكتب فيما بعد عن تزييف الانتخابات‮.‬

‮ ‬عاد بإفيهات البانجو‮.. ‬أو الحشيش حين تكون الأحوال ميسورة‮.. ‬إلي الحزب المعارض‮.. ‬وعاد يكتب بطريقة‮ (‬صلاح خد عربون ولا جاش‮.. ‬صلاح أصلاً‮ ‬بائع جلاش‮) ‬قدم نفسه لرئيس الحزب‮.. ‬وقال له‮: ‬أنا معولك وأنا فأسك‮ ‬وإن شئت مقطفك‮.. ‬وقد كان قبل أيام حليفا لغريمه في الإسكندرية‮.. ‬لكن الصحيفة اليسارية أغلقت‮.. ‬ومن ثم بدّل وتحول‮ ‬إلي القاهرة‮.. ‬وراح يكتب مقالات شاتمة في إبراهيم عيسي ثأراً‮ ‬لرئيس الحزب‮.. ‬وبعد قليل من وقت صار ينشر في جريدة القاهرة‮.. ‬وطقت في رأسه فكرة كبيرة‮.. ‬وحلم بأمنية عظيمة‮.. ‬وأرسل إلي‮ »‬روزاليوسف‮« ‬طالبًا أن يكتب في صفحاتها‮.. ‬فقيل له شكرًا‮.. ‬ليست تلك صحيفة للمدمنين‮.. ‬ابحث لك عن مصحة‮ ‬تجدها في موقع آخر‮.‬

‮ ‬اكتوي بنار الرفض‮.. ‬أكل الحصرم واغتم‮.. ‬وأضمر الحقد وعلي نفسه انضم‮.. ‬سلي نفسه بمزيد من الوقت علي مقهي الهندي‮.. ‬وهناك تعرف علي أسوأ كاتب يحمل الجنسية المصرية بأمر من قانون أنتجه إصلاح الحزب الوطني‮ .. ‬فأخذه من يده وقدمه لبائع الجاز علي أنه كاتب‮ (‬لا مؤاخذة ساخر‮).. ‬وأكد له أنه ينكت علي روحه‮.. ‬وألقمه باكيتة بانجو لكي يعدل دماغه ويتجلي‮.. ‬وأمام بائع الجاز رقص علي طريقة عجين الفلاحة‮.. ‬وتقمص نوم العازب‮.. ‬ورضي عنه بائع الجاز‮.. ‬ونفحه العقد‮.. ‬فكاد أن يقلد له مايكل جاكسون‮.. ‬لولا أن مفاصله قد تيبست‮.‬

‮ ‬الآن صار معولا في يد جديدة‮.. ‬المعايش صعبة‮.. ‬والعيشة مرة‮.. ‬والحكومة ضرة‮.. ‬والفلوس في صرة‮.. ‬وهكذا أصبح فأسًا في يد بائع الجاز‮.. ‬ولو كان الأمر بيده لغطس في برميل كيروسين لولا أنه يخشي الاشتعال من فرط إدمانه التدخين‮.. ‬ولو كان الأمر بيده لجمع لبائع الجاز كوبونات الدعم القديمة‮.. ‬ومضي في الطريق ينادي خلف فنطاس يجره حمار‮: ‬جاااااز‮.. .‬جااااااز‮.. ‬أو في قول آخر‮: ‬كتااااااااااابة‮.. ‬كتااااااابة‮!!‬ ‮
‬ الموقع الإليكتروني‮:‬ ‮‬www.abkamal.net
 البريد الإليكتروني: [email protected]