جااااااااااااز !!
روزاليوسف اليومية
هناك، في المنشية، حيث مقهي الهندي القابع في صحن فضاء بين مجموعة من البيوت القديمة، يتندرون عليه الآن.. ويقولون له: اتفعل هذا من أجل ثلاثة آلاف جنيه.. يا رخيص.. ويمضون في السخرية ضاحكين: الذي علي.. علي يا أبو جلال.. أين النضال.. وكيف الحال.
لم يكن له أي قيمة قبل سنوات قليلة .. لا أحد ينشغل به.. ولا أحد يهتم بحاله.. مجرد متقاعد.. متقاعس.. يعيش في حارة اليهود.. في بحري.. التي أصبحت قبلة لتوزيع الحشيش.. ولكنه علي المقهي تعرف إلي الدكتور إبراهيم.. الذي يسخر من أي شيء وكل شيء.. ويكتب مثلما يتكلم.. فأصبح ساخرًا معروفًا رغم كونه أستاذاً جامعيا في إحدي جامعات الدلتا.
اقترب جلال من إبراهيم.. انبهر بهذه الشخصية التي يحيط بها الجميع علي المقهي.. فلم يكن عليه إلا أن يقلده.. وفجأة نقح عليه داء الكتابة.. كما لو أنه سرطان.. فعالجوه بأن حصل علي مقال في جريدة أسبوعية يسارية في الثغر.. قبل أن ينتقل إلي شقة (إيجار جديد) في حي العامرية.. وانفتحت الدنيا أمامه.. وصار يقبض في الشهر مائة وخمسين جنيهًا.. ثم اجتهد في شتم الحكومة فرفعوا مكافأته إلي 300 جنيه.
زهزهت الدنيا في عيون صفراء.. ضربتها الأمراض.. وعقل لوثته الأضواء الخافتة.. وقلب أسود من فرط ما عبأ من كراهية للجميع.. ماذا تنتظر من ساكن الحارة حين يكون متاحًا له أن يقيم في عمارة.. وكيف تريد من عاش علي لمبة جاز فأصبح لديه مصباح غاز.. ويتبع فنطاس .. أقسم بشعره الأبيض وقصص الحروب التي يدعي أنه خاضها.. وقال أنا معارض.. لم يصدقوه.. شتم الرئيس وكتب عن وهم التوريث.. فمنحوه الصفة.. هو إذن معارض.
رشحوه في الانتخابات.. فانفتحت أمامه طاقة القدر.. أعطوه ثروة.. مبلغاً رمزياً يقرره الحزب المعارض لمرشحيه.. خمسة آلاف جنيه (مرة واحدة).. احلوت.. رقصت.. اشتري البانجو والحشيش.. وصارت نكات المسطول مادة إضافية لما سموه كتابته الساخرة.. بدا كما لو أنه شعبان عبدالرحيم الكتابة.. مكوجي سابق.. وأنفق الخمسة آلاف جنيه.. جنيها وراء الآخر.. دون أن يعلق لوحة (دمور) باسمه في شوارع الدائرة.. ربما كان قد اشتري القماش واستخدمه في أمور أخري.. لم يشغل باله بالأمر.. وقد انتهي بسبعة أصوات لا تزيد في صندوق ضال.. ومن ثم راح يكتب فيما بعد عن تزييف الانتخابات.
عاد بإفيهات البانجو.. أو الحشيش حين تكون الأحوال ميسورة.. إلي الحزب المعارض.. وعاد يكتب بطريقة (صلاح خد عربون ولا جاش.. صلاح أصلاً بائع جلاش) قدم نفسه لرئيس الحزب.. وقال له: أنا معولك وأنا فأسك وإن شئت مقطفك.. وقد كان قبل أيام حليفا لغريمه في الإسكندرية.. لكن الصحيفة اليسارية أغلقت.. ومن ثم بدّل وتحول إلي القاهرة.. وراح يكتب مقالات شاتمة في إبراهيم عيسي ثأراً لرئيس الحزب.. وبعد قليل من وقت صار ينشر في جريدة القاهرة.. وطقت في رأسه فكرة كبيرة.. وحلم بأمنية عظيمة.. وأرسل إلي »روزاليوسف« طالبًا أن يكتب في صفحاتها.. فقيل له شكرًا.. ليست تلك صحيفة للمدمنين.. ابحث لك عن مصحة تجدها في موقع آخر.
اكتوي بنار الرفض.. أكل الحصرم واغتم.. وأضمر الحقد وعلي نفسه انضم.. سلي نفسه بمزيد من الوقت علي مقهي الهندي.. وهناك تعرف علي أسوأ كاتب يحمل الجنسية المصرية بأمر من قانون أنتجه إصلاح الحزب الوطني .. فأخذه من يده وقدمه لبائع الجاز علي أنه كاتب (لا مؤاخذة ساخر).. وأكد له أنه ينكت علي روحه.. وألقمه باكيتة بانجو لكي يعدل دماغه ويتجلي.. وأمام بائع الجاز رقص علي طريقة عجين الفلاحة.. وتقمص نوم العازب.. ورضي عنه بائع الجاز.. ونفحه العقد.. فكاد أن يقلد له مايكل جاكسون.. لولا أن مفاصله قد تيبست.
الآن صار معولا في يد جديدة.. المعايش صعبة.. والعيشة مرة.. والحكومة ضرة.. والفلوس في صرة.. وهكذا أصبح فأسًا في يد بائع الجاز.. ولو كان الأمر بيده لغطس في برميل كيروسين لولا أنه يخشي الاشتعال من فرط إدمانه التدخين.. ولو كان الأمر بيده لجمع لبائع الجاز كوبونات الدعم القديمة.. ومضي في الطريق ينادي خلف فنطاس يجره حمار: جاااااز.. .جااااااز.. أو في قول آخر: كتااااااااااابة.. كتااااااابة!!
الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net
البريد الإليكتروني: [email protected]