"وطاويط" سوريا!
عبد الله كمال
أعتقد أننا بصدد حملة سياسية إعلامية سورية فى اتجاه مصر.. تذكرنا بأجواء ما كان يجرى وقت حرب غزة.. وتدفعنا إلى التساؤل عما إذا كانت نوايا المصالحة العربية لدى دمشق خالصة.. أم أنها (متملصة).. فبخلاف العبث السورى الخفى.. ها هى وطاويط لا تتحرك إلا بأمر سوريا بدأت فى شن اتهامات متنوعة فى اتجاه مصر على مدى ثلاثة أيام.
الواقعة الأولى بطلها "وطواط" مجهول اسمه رفعت عبيد، وهو رئيس أحد التشكيلات الناصرية فى لبنان، وادعى فى يوم 9 أكتوبر أن لدى مصر عناصر مخابراتية.. وفى رواية أخرى عسكرية.. تقوم بتحركات غامضة حسب ادعائه فى مدينة طرابلس الغرب.. اللبنانية بالطبع.. وأنها ـ أى تلك العناصر ـ مسئولة عن التوترات التى تحدث بين حين وآخر فى المدينة.
الادعاء نفته السفارة المصرية.. وعلقت عليه عناصر لبنانية مختلفة بالاستنكار.. والحقيقة المؤكدة فىما قال رفعت عبيد هى أنه إحدى دمى سوريا.
الواقعة الثانية عبارة عن حوار غريب لأحمد جبريل أحد معارضى أبومازن المقيم فى دمشق.. وهو أمين عام ما يسمى بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة (لا أعرف ماذا حررت جبهته) ـ وأدلى به ـ أى الحوار ـ لجريدة القدس التى تصدر فى لندن وتمولها قطر.. وادعى فيه بدوره أن مصر ساهمت فى تأجيل مناقشة تقرير جولدستون أمام مجلس حقوق الإنسان.. لأن نتانياهو هدد مصر والسلطة الفلسطينية بأنهما إن لم يؤجلا التقرير سوف يكشف تواطؤ مصر فى العدوان على غزة.
هكذا بكل بساطة.. وهكذا أصبحت مصر التى تحملت أعباء الغزو برمته وسعت إلى إيقافه بكل السبل.. هى التى تواطأت مع العدوان وضد كشف حقائقه.. ولاحول ولا قوة إلا بالله.
واقعة أحمد جبريل كانت فى يوم 10 أكتوبر.. أما فى يوم أمس فقد نشرت جريدة الأخبار اللبنانية الممولة من حزب الله والتى لديها اتصالات وثيقة بسوريا فهى قالت إن مصر تؤجل التسوية فى لبنان والوصول إلى صيغة حكومة الحريرى إلا بعد أن تحدث تسوية فىما بين الفصائل الفلسطينية.. ووضعت هذا تحت عنوان (لبنان ليس أولاً).. وهذا بدوره كلام فارغ جدًا.
ماذا تريد سوريا من هذه الحملة المتتابعة.. والتى يبدو أنها مخططة وفى الطريق إلى التصعيد؟.. هناك احتمال من ثلاثة:
١ ـ الأول أن يندفع مسئول مصرى إلى مواجهة هذه الاتهامات بتصريح غاضب.. ويبدو بعده أن مصر هى التى تدفع إلى الشقاق.. ولا أعتقد أن الخبرات المصرية بمثل تلك السذاجة التى تتصورها عقلية البازار السورى.
٢ ـ الثانى أن تتم مواجهة الحملة السياسية والإعلامية بحملة إعلامية موازية ومساوية.. أو أكثر.. وطبعًا لأن مصر لا تمول صحفًا ولا تدير وطاويط من خلف الأستار فسوف يبدو أن مصر تهاجم سوريا.. وهى بريئة تمامًا.
٣ ـ الثالث أن تخضع مصر لما تعتقد سوريا أنه ضغوط تمارسها.. بحيث تنجرف مصر إلى الأجندة السورية.. وتقبل مقايضات وتوافقات تختلف مع ثوابتها ورؤيتها للمصالح العربية.
خلاصته، سوريا لن تتغير.. مهما نالت من تحفيزات وتشجيعات.. أيًا ما كان مصدرها.. والذى يتصور غير هذا لا يقرأ جديًا واقع سوريا وتفكيرها السياسى.. طبيعتها تقوم على عقلية البازار.. تجارية.. تبحث عن مكاسب صغيرة محدودة.. لا تحقق إلا الفوز لها بغض النظر عن المصالح الاستراتيجية للمنطقة.. وتتصور أنها يمكن أن تنال من الجميع مكاسب بدون أن تدفع أى فاتورة.
ولنراجع فى هذا السياق ما الذى قدمته سوريا إلى كل أصحاب التوجهات التى فتحت عليها القنوات واللقاءات منذ بدأ هذا الاتجاه.. فى فرنسا والولايات المتحدة.. وغير ذلك.. لا هى تباعدت حقًا عن إيران.. ولا هى سعت إلى الاستقرار الإقليمى.. ولا هى استجابت إلى أى طلبات سمعتها من الكثيرين.. ومنها مثلاً: رسم الحدود مع لبنان ـ التوقف عن دعم الذين ترفض العراق دعمهم ـ إغلاق مكاتب الفلسطينيين الذين يعارضون أبومازن فى دمشق ـ الإقلاع عن السيطرة على المناخ السياسى اللبنانى.. أمور قد تبدو بسيطة مقارنة بما هو معروف عن تحالف سوريا مع إيران.. فهو تحالف فى الجينات.
الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net
البريد الإليكتروني: [email protected]
