وزير القلق !
عبد الله كمال
لا أشك لحظة أن في دوائر الحكومة من لا يعجبه قدر القلق الذي يتم تسويقه تجاه أنفلونزا الخنازير.. ولهذا انعكاساته بين فئات في الرأي العام تري بدورها (أننا مزودينها شوية).. غير أنه لابد أن نعرف وجهة نظر من يدير هذا القلق.. وزير الصحة الدكتور حاتم الجبلي.
الذين لا يعجبهم الحذر الزائد والقلق المتنوع لدي كل منهم مبرراته.. مثلا: لهذا القلق تبعاته.. فهو يفرض علي عدد لا بأس به من الوزراء مهام إضافية في المتابعة والتدقيق.. خشية أن يؤدي عدم الاهتمام إلي تحميلهم بمسئولية ارتفاع مؤشرات الإصابة.
ومنهم مثلا من يعتقد أن ارتفاع معدلات القلق يؤثر علي تعاملات الأجانب معنا في مجالات الاستثمار والسياحة.. ومنهم من يري أن هذا يدفعنا إلي قرارات متوترة.. ويؤدي لزيادة ضغوط الرأي العام.
ناهيك عن أن هناك آراء طبية تري أن فيروس أنفلونزا الخنازير لا تزيد خطورته عن خطورة الأنفلونزا الموسمية العادية.. وهي تميت أحيانًا دون كل هذا التوتر.
وزير الصحة حاتم الجبلي الذي كنت أحادثه علي هامش عشاء إقامة السفير السعودي المرموق هشام الناظر علي شرف الأمير نايف النائب الثاني لرئيس الوزراء السعودي ووزير الداخلية.. لا ينشغل بتلك الاعتراضات.. في ضوء ثلاثة أمور:
من الناحية القانونية هو المسئول دستوريًا عن إدارة الأزمة صحيًا.. وقد قال في برنامج (90 دقيقة) لمعتز الدمرداش إنه المسئول عن صحة الـ80 مليونًا.
ومن الناحية الصحية هو يري أنه حقق من خلال هذا الانتباه القومي العام لطبيعة المشكلة وخطورتها مجموعة من الفوائد.. ومنها: انخفاض معدل الإصابات مقارنة بالدول المحيطة، ففي مصر نحو ألف إصابة بينما في بعض الدول العربية الأقل سكانا ما لا يقل عن 30 ألف إصابة. وفي مصر ثلاث حالات وفيات فقط.. في حين بلغت الـ35 في دول عربية وفق ما هو معلن والله أعلم بما هو غير معلن.
والأهم أن الوزير دفع المجتمع إلي الانتباه إلي مقومات النظافة العامة.. والاهتمام بالنظافة الشخصية.. وهو أمر لم يكن ليحدث في أجواء أخري.. ففي كثير من المؤسسات والمدارس والدواوين صار واجبًا الاهتمام بدورات المياه وبغسل الأيدي وبالترفع عن العادات المجتمعية السقيمة إلي حد كبير.
ومن الناحية السياسية فإن الوزير مطلوب منه أن يوالي الرئيس بطريقة شبه يومية بمتابعة شئون إدارة الموقف.. ليس فقط لأن هذا واجب عليه.. ولكن أيضًا لأن الرئيس هو الذي يبادر ويتصل ويستفسر عن المتابعات وكيف تجري الأمور.. بما لديه من خشية طبيعية علي صحة الناس.. وخشية تفرضها أوضاع الوباء دوليًا.
لقد لفت نظري السيد الوزير إلي تقرير نشرته مجلة الايكونوميست أشادت فيه بوجود أقنعة وأجهزة ترمومتر واستعدادات من المدارس في مصر.. وكنت قد قرأت التقرير.. وقرأت غيره في لوس أنجلوس تايمز.. وفي الإندبندنت.. وفي بعض تلك التقارير ــ بخلاف رصد اهتمام مصر بمتابعة ومواجهة الوباء ــ أقوال من نوع أن الحكومة تسوق القلق والذعر لكي تبعد أنظار الناس عن قضايا سياسية مهمة.. وهو كلام فارغ جدًا.. خاوٍ من أي دليل.
أنا شخصيًا كتبت في بداية ظهور الوباء تحليلاً مستنداً إلي تقارير موثقة علمية غربية أقول: إن الوباء قد يكون لعبة كبري من منظمة الصحة العالمية.. ولكنني أفهم جدًا أن مصر لو لم تتبع أقصي درجات الاحتياط فإنها سوف تكون في موقف صعب صحيًا.. في ضوء العادات الاجتماعية غير السليمة.. والأهم أننا لسنا في حاجة لأن يصدر تقرير دولي يقول إن موقفنا الصحي خطر.. فينهار الاقتصاد.. وتتدهور أحوال السياحة.
الوزير المسئول من حقه أن يدير الموقف بأقصي درجات الحيطة حتي لو وصف بأنه يبيع القلق.. ويروج الذعر.. أن يبيع القلق أفضل كثيرًا من أن يكون مسئولا عن كارثة.. وقتها سوف نقول له: لماذا لم تحذر الناس؟ إن كان هذا وحده الذي سوف نقوله.. حتي لو اضطرت الحكومة إلي إغلاق المدارس في يناير وفبراير.. الوقاية خير من العلاج.. والقلق أفضل من المعاناة من كارثة.
الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net
البريد الإليكتروني: [email protected]