الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أنفلونزا الرعب!
كتب

أنفلونزا الرعب!




 


كرم جبر روزاليوسف الأسبوعية : 14 - 11 - 2009


- الفاتورة حتي الآن 005 مليون جنيه تم إنفاقها علي الأمصال والتاميفلو
- إذا كان عقاباً من الله.. فما ذنب الصالحين الذين لم يغضبوه؟
- الشركة التي تسرب الفيروس من أحد معاملها تحصد الآن مليارات الدولارات
- الدنيا ستضرب لخمة إذا زادت أعداد المصابين بمتوالية هندسية
- ماذا يحدث إذا تسلل الوباء إلي العشوائيات والمناطق المزدحمة؟
- إذا ذهبت لعشرة أطباء، فسوف يعطيك كل واحد تشخيصاً مختلفاً
نعم.. الأسر المصرية في حالة خوف وقلق ورعب، ولا تعرف الأم أو الأب ماذا يفعلان إذا عاد ابنهما من المدرسة حرارته مرتفعة.. فهل هي أنفلونزا الرعب أو الخنازير التي حولت حياتنا إلي جحيم؟.. نفس الخوف القاتل يسيطر علي أي إنسان عادي يصاب بأعراض الأنفلونزا، التي كان يأخذها مرتين وثلاثاً في الشتاء، دون أن يهتم أو يقلق.
الشتاء الرهيب علي الأبواب، وكلما اقتربت خطواته الثقيلة زادت حالات الإصابة، وقررت وزارة الصحة الامتناع عن الإعلان عن أعداد المصابين بالمرض يوميا، لأنها قد تفوق الامكانيات، وقد تستعصي علي الحصر.
نحن نقترب من زمن الوباء.. وباء الخنازير، ووباء الرعب، ومنذ أن اقتحم هذا الفيروس الغامض الرهيب حياتنا، لايعرف أحد من أين جاء، ولا كيف يمكن مقاومته ولا متي سيرحل؟ كل الذي نعرفه أنه وضع الناس رهن حالة الطوارئ القصوي.
--
المشكلة رقم واحد - التشخيص
لو ذهبت الأم بطفلها لعشرة أطباء فسوف تحصل علي عشرة تشخيصات، وسوف يصف لها كل طبيب دواء مختلفاً، ويطعن في العلاج الذي وصفه الطبيب الآخر.. وتزداد الحيرة والقلق والمعاناة، ويحدث تدهور لبعض الحالات.
السبب وراء ذلك هو أن هذا الفيروس الغامض جديد علي الطب والأطباء، وغير معروف حتي الآن دورته المرضية، ولا الأعراض المفاجئة التي تتطور كل يوم، ولا كيف يمكن التحكم في مسارها وتخفيف حدتها.
دفع هذا الأمر وزارة الصحة إلي إصدار دليل للتعامل مع الحالات المشتبهة والمؤكدة من أنفلونزا الخنازير.. يتضمن تقييم الحالات حسب وجود أعراض شبيهة الأنفلونزا.. ويقسمها إلي بسيطة وشديدة، ويقدم وصفاً دقيقاً للحالات التي تصل إلي مرحلة الخطورة، وكيفية التعامل معها.
قراءة التعليمات رغم وضوحها تعيدنا إلي نفس الأسئلة الحائرة، خصوصا إذا ازدادت معدلات الإصابة مع قدوم الشتاء بشكل يحول دون إجراء المسحة للأعداد الكبيرة المتوقع إصابتها بالمرض، بين تلاميذ المدارس وفي الأماكن المزدحمة.
--
الرعب في الأحياء الشعبية
إذا كانت وزارتا الصحة والتعليم تستطيعان الآن السيطرة علي الموقف بغلق الفصول والمدارس، ويمكن أن يتم تعطيل الدراسة تماما إذا زادت حالات الإصابة بدرجة معينة، فالسؤال هنا: ماذا يحدث إذا انتشر الوباء - لاقدرالله - في الأحياء الشعبية المزدحمة مثل إمبابة وروض الفرج وبولاق الدكرور ودار السلام وغيرها؟
الإجراء الذي وضعته وزارة الصحة هو غلق هذه الأحياء، وحصارها بكردونات من الشرطة، بحيث تمنع الخروج منها والدخول إليها.. واتخاذ إجراءات المسح الشامل وإعطاء السكان عقار التاميفلو، ومتابعة الحالات أولا بأول.
المسألة أكثر رعبا إذا انتشر الوباء في أكثر من منطقة، وأكثر من مدينة، خصوصا أن هذا النوع من الأنفلونزا ينتشر بسرعة الهواء، ويدخل من الأبواب والشبابيك ومن خرم إبرة، ويصيب الصغار والكبار، وتأثيره الشديد يكون علي من هم أقل من 5 أعوام أو أكثر من 56 سنة.
في هذه الحالة لاتنفع زيادة شحنات الرعب لدي الناس، بل طمأنتهم وتهدئة مخاوفهم وتقديم إرشادات سهلة وبسيطة، حتي لايزداد الارتباك الذي يؤدي إلي مزيد من التخبط والعشوائية والعجز عن ملاحقة تطورات المرض أولا بأول وإيجاد الحلول المناسبة لها.. وتقع هذه المهمة علي كاهل وسائل الإعلام بالدرجة الأولي، فهي التي تستطيع أن تهدئ من روع الناس أو تزيد مخاوفهم.
--
هل تضرب الحكومة لخمة؟
إذا زادت أعداد المصابين بمتوالية هندسية، سوف تضرب الحكومة لخمة، ولن يكون في استطاعتها أن تواجه المشكلة بحسم وفعالية، إلا إذا حشد المجتمع كله أسلحته لمواجهة الخطر.
أول هذه الأسلحة هو الوعي، ونشر ثقافة النظافة ومواجهة الأوبئة والأمراض بين الناس، خصوصا في الأحياء الشعبية والعشوائية، وانتشار الزبالة وتلوث الجو، وغيرها من العوامل التي تساعد علي سرعة الإصابة بالمرض.
ثاني هذه الأسلحة هو رفع كفاءة المستشفيات بشريا وماديا، وتدريب الأطباء علي التشخيص واستقبال الحالات والتعامل معها بسرعة، وهي كلها أمور يفتقدها نظام العمل في المستشفيات، بسبب تفشي الإهمال والتسيب، ويؤكد ذلك الحملات التفتيشية لوزير الصحة الدكتور حاتم الجبلي التي يكتشف فيها بنفسه ذلك، وقد سبق أن وصف مستشفي ناصر العام بشبرا وهو من أكبر المستشفيات بأنه يعد أسوأ وحدة علاج. ثالث هذه الأسلحة هو استمرار الشفافية والوضوح في مصارحة الناس بالحقائق - أولا بأول - ولكن السؤال هنا: هل تستمر وزارة الصحة في تلك السياسة إذا زادت معدلات الإصابة بشكل كبير؟
--
تلاميذ المدارس أكبر مشكلة
لأن المؤشرات الأولية تؤكد أن الوباء سيجتاح المدارس والدليل علي ذلك زيادة معدلات الإصابة يوماً بعد يوم، علاوة علي ازدحام الفصول وعدم توافر عوامل التهوية والنظافة، وصعوبة السيطرة علي تصرفات التلاميذ وإلزامهم بالأوامر والتعليمات.
إجازة العشرة أيام في عيد الأضحي هي مجرد بداية، ولكن يمكن أن تمتد لفترات أطول، حتي لو وصل الأمر لتعطيل الدراسة كلية، فسوف يكون ذلك أفضل ألف مرة من استمرارها، ولكن المهم أن تتخذ هذه الخطوة في الوقت المناسب، وقبل استفحال الخطر.
حاول الدكتور حاتم الجبلي أن يحصل علي 51 مليون جرعة أمصال من منظمة الصحة العالمية لتطعيم أطفال المدارس، ولكن هذا الطلب قوبل بالرفض، لأن الإنتاج العالمي لايكفي أكثر من 01٪ من السكان، ومعظمه يتجه إلي الدول الغنية.. وسوف تعيد وزارة الصحة محاولة الحصول علي المصل اللازم لتطعيم التلاميذ، ولكن من الصعوبة أن يتم تلبية طلبها.
--
هل هي أضعف من الأنفلونزا العادية؟
فريق كبير من الأطباء يقولون ذلك، ويشككون في الحملات الإعلامية التخويفية المبالغ فيها، ويؤكدون أن ذلك يصب في مصلحة شركات الأدوية الكبري التي تستثمر الرعب في حصد مليارات الدولارات من الأدوية والأمصال.
عندما سألت وزير الصحة عن ذلك، أكد أنه لا يمكن الاستسلام لنظرية المؤامرة- حتي لو كانت صحيحة - دون اتخاذ الإجراءات الوقائية الكفيلة بتخفيف الآثار الناجمة عن تحول هذا المرض إلي وباء لاقدر الله، وأن تقف كل الأجهزة المختصة علي أهبة الاستعداد لمواجهة أي موقف.
يفسر وزير الصحة أسباب زيادة انتشار الخوف في مصر عن الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة وأوروبا، بأن مصر لها ظروف خاصة مثل الازدحام وضعف الثقافة الصحية والعشوائيات والفقر، علاوة علي أن مصر دولة مفتوحة من أقصي الشمال إلي الجنوب، وليس فيها موانع طبيعية تحول دون انتشار الأوبئة بسرعة مثل الجبال وغيرها.
نظرية المؤامرة لها ما يبررها، خصوصا أن إحدي شركات الدواء الكبري حصدت وحدها عشرات المليارات من الدولارات في شهور قليلة، وهناك من يقول أن الفيروس خرج من أحد معامل هذه الشركة، إما بخطأ بشري أو بتعمد.. ولكن في كل الأحوال، هذه أمور لا يتم كشفها بسرعة وقد تظل سرا غامضا علي مر التاريخ.
--
هل هي عقاب من الله؟
هل هي بسبب كثرة استخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والتغيرات المناخية، وغيرها من مظاهر العبث والتدمير التي يستخدمها الإنسان ضد الطبيعة التي خلقها الله، فأراد الله أن يعاقب البشر؟
من الصعوبة التسليم بذلك، لأنه إذا كان الله سبحانه وتعالي يعاقب المخالفين لأوامره وشريعته، فلماذا يمتد العقاب إلي المؤمنين الصالحين، الذين لا يمتلكون بيولوجي ولا كيماوي ولايعبثون بثقب الأوزون، وغيرها من صور تدمير الطبيعة وتغيير خواصها.
هي وباء ضعيف وهزيل يجئ في عصر التقدم العلمي والطبي المذهل ليكسر غرور الإنسان وتصلبه، ويؤكد له أن قدرته سبحانه وتعالي فوق كل شيء، وإنه إذا ضاع الإيمان فلا أمان، ولا دنيا لمن يحيي دينا.. وهذا الكلام ليس من قبيل الدروشة أو التصوف، ولكنه عودة إلي الأصل، وهو أن يحترم الإنسان الطبيعة التي خلقها الله، ولا يعبث فيها ولايدمر نواميسها.
العودة للإيمان هي جوهر كل إجراءات الوقاية التي تطالب بها وزارة الصحة، ابتداء من النظافة حتي عزل المشتبه فيهم كي لايلحقوا الضرر بالآخرين.. والإيمان بأننا لا نعيش في هذا الكون وحدنا، بل مع كائنات أخري من بينها الفيروسات الضعيفة... وإذا اقتربنا منها تتحول إلي كائنات متوحشة وقاتلة.
--
الفاتورة حتي الآن 005 مليون جنيه
تحملت خزانة الدولة حتي الآن 005 مليون جنيه كفاتورة لأنفلونزا الخنازير، معظمها ذهب إلي شراء الأمصال وعقار التاميفلو، وكلما زادت معدلات الإصابة تزداد الخسائر، ولكنها لا تمثل شيئا بجانب الحفاظ علي صحة الإنسان المصري وحمايته من هذا الوباء الغامض.
لا نملك إلا أن نرفع أيدينا إلي السماء بالدعاء لله، ألا يتحول الوباء إلي فناء مثلما حدث سنة 8291 في الأنفلونزا الإسبانية التي قضت علي ما بين 02 و52 مليون شخص في العالم، بما يفوق بكثير ضحايا الحرب العالمية الأولي، ودفعت أمريكا الثمن الباهظ من الموتي والخسائر.. ومصر لديها ذكريات حزينة ومفجعة مع الكوليرا والتيفود والطاعون، نشاهدها الآن في أفلام السينما، ولا نصدق أن ذلك قد حدث.
مشكلة هذا الفيروس اللعين أنه يتسلل داخل الهواء الذي نستنشقه، وبالتالي هو ليس طعاماً أو شراباً يمكن الامتناع عنه، ومهما بلغت شدة الإجراءات الصحية، فإنها لاتشفع ولاتنفع إلا في أضيق الحالات.. والدليل علي ذلك أن هذا المرض ينتشر في الدول الغنية خصوصا الولايات المتحدة أكثر من الدول الفقيرة، وحتي في مصر فقد كان ظهوره الأول في مبني الجامعة الأمريكية بالزمالك، ولم يظهر في شبرا أو روض الفرج.
--
آخر سطر:
نداء للأئمة في المساجد، بعد أن استغل بعضهم الموقف ويطيل خطبة الجمعة إلي أكثر من ساعة في المساجد المزدحمة بالمصلين.. ارحموا من في الأرض.. والدعاء المفضل هو اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا.

كرم جبر


Email:[email protected]