الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

التعليم ونهضة الأمم

التعليم ونهضة الأمم
التعليم ونهضة الأمم




أحمد عبده طرابيك يكتب:
لا يشك أحد فى أهمية التعليم كأساس لعملية التنمية وتحقيق النهضة الشاملة لأى مجتمع أو أى دولة من الدول، فالتعليم المتطور الذى يعتمد على تنمية قدرات الابداع والتطور وتنمية الفكر هو القادر على قيادة أى مجتمع لصناعة نهضة تشمل كل جوانب المجتمع، وتجارب الدول الناجحة التى اعتمدت على التعليم كطريق رئيسى على الأقل إن لم يكن الطريق الوحيد ماثلة لنا جميعا نستطيع دراسة تجاربها من كل الجوانب، حيث استطاعت العديد من الدول بفضل التعليم المتطور من تحقيق نهضة هائلة فى مختلف المجالات رغم افتقارها للكثير من الموارد الطبيعية.
لقد أصبح التعليم يشكل عبئا كبيرا يثقل كاهل لأسر المصرية، حيث تخصص معظم الأسر ما يزيد على نصف دخلها للانفاق على تعليم أبنائها، الأمر الذى يسبب خسائر كبيرة للاقتصاد المصرى، فى الوقت الذى يقدر فيه خبراء الاقتصاد حصيلة ما يتم انفاقه على «الدروس الخصوصية» بنحو 15 مليار جنيه سنويا، فى حين تبلغ قيمه ميزانية الدولة المخصصة لقطاع التعليم 11 مليار جنيه.
وتزداد الآثار السلبية «للدروس الخصوصية» من الناحية الاقتصادية لأن هذه المبالغ الكبيرة التى تفوق نصيب التعليم فى الموازنة العامة للدولة، لا يخضع القدر الأكبر منها لأى رقابة مالية، ومن ثم لا يتم تحصيل الضرائب المستحقة عليها، هذا إلى جانب أن تلك المبالغ لا تنفق على سلع استهلاكية تعمل على زيادة دوران حركة رأس المال فى الأسواق المصرية، وإنما تستأثر بها فئة قليلة تنفقها على سلع ومنتجات غير حيوية لحركة الأسواق.
يحتاج نظام التعليم فى مصر إلى إعادة هيكلة تشمل كل جوانب العملية التعليمية، بداية من المناهج الدراسية، إلى المعلم الذى يمثل حجر الأساس فى المنظومة التعليمية، وإعادة تغيير نظم الامتحانات الحالية التى تعتمد على الحفظ والتلقين، وتحديث نظم تقييم جديدة تعتمد على القدرات الابداعية والأنشطة العملية والعلمية، بالإضافة إلى تغيير نظم القبول بالمراحل التعليمية عن طريق قياس المهارات والقدرات والاستعداد لدى التلاميذ، بما يراعى أساليب التفكير المختلفة، وصولا إلى المدرسة ودورها فى إدارة تلك العملية بالمشاركة مع المجتمع المدنى، وذلك حتى يستطيع قطاع التعليم انتاج مخرجات قادرة على الابداع والابتكار، وليس حفظ بعض المعلومات التى لا صلة لها بالحياة العملية لا من قريب أو بعيد، فى الوقت الذى تتسابق فيه الدول والشعوب فى مختلف العلوم وخاصة التقنيات الدقيقة التى تعتمد على الفكر والابداع العقلي.
يجب أن تكون مخرجات قطاع التعليم على مختلف المستويات الجامعية والمتوسطة، العلمية والمهنية مرتبطة بشكل مباشر مع حاجة سوق العمل، على أن تكون هناك دراسات مستقبلية تستطلع حاجة سوق العمل فى المستقبل، وأهمية اكتساب الدارسين فى مختلف المراحل التعليمية للمهارات العلمية والمهنية المطلوبة فى سوق العمل، حتى لا يحتاج الدارس إلى إعادة تدريب مرة أخرى، قد تصل فى كثير من الأحيان إلى إعادة تعليم جديد عما اكتسبه من خبرات علمية ومهنية خلال سنوات دراسته، ومن ثم يزيد ذلك من الخسائر سواء بالنسبة للدولة التى أنفقت على تعليم الدارسين خلال المراحل المختلفة، والتى لم يستفاد من ذلك التعليم فى سوق العمل، أو الخسائر بالنسبة للشركات والمؤسسات التى تطلب الأيدى العاملة وتستقطع من ميزانيتها لتدريب أو إعادة تعليم الأيدى العاملة لديها.
لقد كشفت تسريبات بعض امتحانات الثانوية العامة لهذا العام عن عمق الأزمة التى يعيشها قطاع التعليم، وكيف أصبحت تلك المنظومة المفترض فيها قدرتها على الابداع والابتكار فى استحداث طرق تقويم حديثة على غرار ما يحدث فى الأنظمة التعليمية المتقدمة، فإننا نجدها منظومة تعليمية هشة عاجزة عن مقاومتها للاختراق من بعض الأفراد، فى الوقت الذى تعتمد فيه الأنظمة المتقدمة على نظم تقويم عصرية لا تعتمد على العنصر البشرى إلا بنسب ضيئلة، بل تعتمد على الحاسوب بما يمثله من معان كثيرة باعتباره لغة العصر المستخدمة فى كل المجالات، فما بالنا بمجالات التعليم التى يفترض فيها الأولى بالاعتماد على تلك الوسائل الحديثة باعتبار قطاع التعليم هو المسئول على تعليم مهارات الحاسوب، وتطوير عمله واستخداماته.
النظام التعليمى المتطور هو الذى يحقق أهداف البلاد الساعية نحو التقدم فى مختلف مجالات وقطاعات التنمية والاقتصاد والثقافة والفنون والآداب والعلوم المختلفة، فقد أصبح من الضرورى تطوير ذلك القطاع الحيوى ليرتقى بكافة قطاعات الدولة، فما يخرجه النظام التعليمى هو من يتولى عملية الإنتاج فى مختلف القطاعات الانتاجية، وهو من يتولى الإدارة بكل مستوياتها، والتى من خلالها تتحقق طموحات الأمم والشعوب فى التطور والازدهار.