الأنبا بيشوي!
عبد الله كمال
يثير هذا الرجل صخبًا عظيمًا في أجواء الكنيسة وما حولها. ونقل معركته المفتعلة من داخل بيوت العبادة إلي الصحافة.. متعمدًا.. وصار له زبانية وآلية إعلامية.. وأسماء تتحرك للدفاع عنه والترويج له.. وبالمرة توجيه اللغة العنيفة والقاسية إلي من يخالفه أو يقول رأيًا لصالح غيره.
ما هي حاجة أسقف بحجمه إلي عملية معقدة من هذا النوع، أخذت في طريقها خصومه في الكنيسة وفريقًا من نخبة المسلمين والإنجيليين.. فقد طاح في هؤلاء وهاجم أولئك واتهم الآخرين بأنهم يخترقون الكنيسة.. كيف يكون هذا هو السبيل إلي أن يصنع صورة مقنعة لنفسه بين أهل دينه والآخرين؟
من حق الأنبا بيشوي أن يطمح إلي منصب البطريرك.. الذي يختاره الأقباط عبر انتخابات معقدة في نهايتها قرعة يؤمنون أن الرب يتحكم في مجرياتها.. أي شاب يلتحق بالرهبنة ويندرج في الأديرة من حقه أن يأمل أن يكون ذات يوم قائدًا للأقباط من خلال هذا الموقع الديني الرفيع.. ولكن لا تقشف الرهبنة.. ولا زهدها.. ولا تواضع مفترضًا في أي رجل دين.. يمكن أن يدفع الأنبا بيشوي إلي الحالة التي هو عليها الآن.. كما لو أنه يخوض حربًا.. هو ومن حوله من مناصريه.
أمد الله العمر للبابا شنودة ومنحه الصحة والعافية.. فهو قيمة كبيرة.. وشخصية تاريخية.. وله مصداقية هائلة.. والمجتمع المسلم قبل المسيحي يراه رمزًا عظيمًا.. ولكن من يحلمون بخلافته عليهم أن يقتدوا به.. وأن ينظروا إلي ما في تراثه.. وكيف بني صورته وكيف تكونت مكانته؟
المجتمع يريد بطريركا يواصل مسيرته.. يعرف قيمة الوحدة الوطنية.. وطبيعة الشخصية المصرية.. ويقرب الجماعات المسيحية.. والفئات المختلفة.. جسر تواصل لا معول فرقة.. شخصية غير متعصبة.. وغير متطرفة.. ولا تبني مجدها بالقسوة.. ولا بحملات الدعاية ضد الآخرين.. ولديه رصيد ديني كبير.. وليس علي خلاف مع الكثيرين.. يجمع لا يشتت.. ويلتحم المتفرقون عنده لا ينشطرون أكثر.
وكنت أتمني أن يكون الأنبا بيشوي علي هذه الشاكلة. لكنه يحتاج إلي وقت كبير لكي يثبت هذا.
خصوصًا بين تلك الأسماء التي تقول إنها تؤيده وتتبعه.. وتكتب المدونات دفاعا عنه ومساندة له.. وشتما فيمن يختلف معه.
ما حاجة الأنبا بيشوي إلي الصحافة والتليفزيون.. ولماذا هو يحرص علي التواجد الإعلامي الكثيف.. ويخوض غمار المساجلات بنفسه أو عبر وسطاء.. ولماذا لا نجد عشرات من الأساقفة الآخرين يفعلون مثله.. ويلتزمون الهدوء والسكينة المعروفة عن الرهبان.. حتي لو كانت لديهم مواقع كنسية عامة تفرض عليهم الظهور والاشتباك؟.. فإنهم يحرصون علي احترام هيبة البابا.. والتزام قواعد الزهد.. فالزهد في الإعلام كالزهد في الدنيا بكل مظاهرها.
هل يمكن للأنبا بيشوي أن يغير صورته.. وأن يعيد انتباهنا إليه باعتباره رجل دين بارزًا.. يحترم آراء الآخرين.. ويقبل بالتنوع.. ويرتضي حرية الرأي منهجًا.. بعكس ما خلقته مناقشات رواية (عزازيل) التي خاض فيها الأنبا بيشوي كثيرًا وإلي درجة أظهرته ضد الإبداع.. وضد حرية القلم.. مع العلم أن كاتب الرواية كان صديقا له.. واستعان بما في مكتبته من وثائق خلال بحثه.
وهل يقوي علي أن يقدم نفسه بنفسه وليس من خلال أفراد متناثرين في مختلف المنابر.. يظنون أنهم يخدمونه حين يهاجمون من يختلف معه.. ويعتقدون أنهم يناصرونه حين ينتقدون من يرفض تصريحاته.. لماذا أصبحت صورته هي أنه الرجل القاسي.. الشرس.. في حين أنه من المفترض أن يكون الأمر غير ذلك؟
إن نيافة الأنبا بيشوي أصبح محورًا لأحاديث كثيرة.. وحالته تلك تدفع بعض الأساقفة الذين في الكنيسة إلي أن ينظروا إليه.. وبعضهم يضطر للمزايدة عليه.. وقد فعل هذا الأنبا موسي قبل أيام.. حين هاجم أيضًا الإنجيليين.. ربما لكي يقنع الآخرين أنه ليس متأثرًا بكونه من أبناء عائلة إنجيلية.. ومن ثم أصبح بيشوي حالة وليس مجرد أسقف يخوض غمار الأضواء من أجل تحقيق الحلم البعيد.
الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net
البريد الإليكترونى: [email protected]