الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

منصورة عز الدين: الكتابة وجوه متعددة للخيال وأفتقد دهشة وفرح الطفولة

منصورة عز الدين: الكتابة وجوه متعددة للخيال وأفتقد دهشة وفرح الطفولة
منصورة عز الدين: الكتابة وجوه متعددة للخيال وأفتقد دهشة وفرح الطفولة




حوار - إسلام أنور

منصورة عز الدين كاتبة وصحفية مصرية، درست الصحافة والإعلام بجامعة القاهرة، نشرت أول مجموعة قصصية بعنوان «ضوء مهتز» عام 2001، وصدرت روايتها الأولى «متاهة مريم» عام 2004 وروايتها الثانية «ما وراء الفردوس» عام 2009 التى وصلت للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية، وحصلت روايتها الثالثة «جبل الزمرد» على جائزة أفضل رواية عربية فى معرض الشارقة عام 2014. تتميز كتابات منصورة عز الدين بالتجريب على مستوى البناء واللغة والمزج بين الواقع والخيال والماضى والحاضر، ففى روايتها الأخيرة «جبل الزمرد» تأخذنا فى رحلة ممتدة عبر التاريخ من قاهرة 2011، إلى مدينة ثاكاتياكس المكسيكية الساحرة مرورًا بمدينة ساوث شيلذز المطلة على بحر الشمال فى انجلترا وصولاً إلى ممالك قديمة كجبل الزمرد وجبل قاف، متكئة على حكايات ألف ليلة وليلة، بوصفها الحكاية الأم.  عن رحلتها مع «جبل الزمرد» و«ألف ليلة وليلة» ورؤيتها للواقع المعاش والموروث الثقافى المصرى والعربى وأثره فى حياتنا  دار معها هذا الحوار.

 

■ لماذا اخترتِ أن تعودى فى روايتك الأخيرة «جبل الزمرد» إلى حكايات «ألف ليلة وليلة» وكيف كانت رحلة الإعداد للرواية؟
- لم يكن اختياراً متعمداً، ففى فترة نهاية عام 2011 كنت محبطة من المسار الذى بدأت تأخذه الأحداث التى تجرى فى المنطقة العربية، خصوصًا أن الثورات إما تراجعت أو نتج عنها عنف ودماء كثيرة، وحينها كنت حاملاً وشبه ممنوعة من الحركة، وبدأت أعيد قراءة «ألف ليلة وليلة» باعتبارها نوعًا من العزاء.
فألف ليلة وليلة من أهم القصص وأكثر النصوص التى تمجد دور الكلمة والحكى، الحكى مؤثر جدًا، لدرجة أن القصة المحكية بشكل جيد تنقذ حياة إنسان، والحضور المميز للحكى ليس فقط يخص شهرزاد بل هناك العديد من الشخصيات الساحرة والملهمة فى العمل.
وفى هذا الوقت وهذه الظروف الصعبة كنت فى احتياج إلى شىء يُشعرنى بهذا الدور المهم للكتابة والحكى والفنون بشكل عام، ففى هذه الفترة كنت قد عدت إلى كتابة الرواية، بعد فترة توقف طويلة، فقررت الدمج بين «ألف ليلة وليلة» وبين الرواية، وكان يشغلنى وقتها فكرة التحريف والعلاقة بين الشفهى والكتابى، وأن «ألف ليلة وليلة «أُنقذت بالتدوين، فهى بالأساس نص شفهى ومتراكم ومتنوع فى طرق روايته، ومن العوامل التى شجعتنى على خروج «جبل الزمرد» بهذا الشكل أننى بشكل عام مفتونة بالنصوص الدينية والأسطورية والحكايات العجائبية، فمثلًا تفسير القرطبى لجبل قاف الذى افتتحت به الرواية عندما تقرأه ستجد عالماً مغايراً وساحراً.
■ الرواية بها مساحة كبيرة من التجريب على مستوى البناء واللغة وبها أيضًا جهد بحثى وتاريخى كيف تمزجين بين هذه الأطر وإلى أى مدى تمثل لكِ الكتابة رحلة بحث واكتشاف لذاتك وللعالم؟
- الكتابة بالنسبة لى هى مجال تثقيف ومتعة، وبالتأكيد تحتاج للاحترافية والجدية والمثابرة والجهد الدءوب، والكتابة تجعلنى فى حالة تعلم مستمر، وفى أعمالى طوال الوقت أمر بعدة مراحل من القراءة والبحث والمتعة والجهد، ففى رواية «جبل الزمر» رغم إرهاق الحمل، لكن فكرة كونى مجبرة على عدم الحركة إلا فى أضيق الحدود منحتنى تفرغاً وتركيزاً كبيراً فى البحث وتجريب أشكال مختلفة لبناء الرواية وتتابع أحداثها ومستويات اللغة فيها، وفى روايتى الجديدة التى أتممتها وفى طريقها للنشر بذلت جهداً بحثياً أيضاً حتى لو لم يظهر بشكل مباشر، المدهش أننى بعد  الانتهاء من كل رواية أشعر بأنى أصبحت متخصصة نسبياً فى مجال ما، وذلك لاتساع حجم المعلومات والتجارب التى خُضتها من أجل إتمام العمل، مثلًا بعد «جبل الزمرد» شعرت أن معرفتى بـ«ألف ليلة وليلة» من تاريخها وتفاصليها الصغيرة وما كتب عنها زادت كثيراً، وكذلك فى رواية «وراء الفرودس» كان هناك  شخصية فى الرواية من إقليم كشمير، فقرأت ودرست تفاصيل كثيرة عن حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم وروائح الطعام لديهم والطبيعة والمناخ والصراعات التى يعيشها  هذا الإقليم.
■ هناك مدرستان فى الكتابة إحداهما تعتمد على فكرة التجربة الشخصية التى من خلالها ينسج الكاتب عالمه الروائى والأخرى تعتمد أكثر على التخيل وسعى الكاتب لتقمص الشخصيات والبحث داخلها، تبدو كتاباتك تميل لفكرة التخيل أكثر من التجربة الشخصية؟
- نعم، هذا حقيقي، حتى لو مررت بحدث شخصي، فعندما أكتبه يتحول لصورة أُخرى، لدرجة أنك عندما تقرأه تجده أبعد ما يكون عن الحدث الشخصى الذى مررت به. الأماكن الواردة فى «جبل الزمرد» بعضها زرتها مثل المكسيك، ومدن ساوث تشيلدز وإنسبروك وفيينا، أما بالنسبة لضريح سعدى الشيرازى فأنا لم أذهب إلى إيران ولم أر الحديقة السعدية حيث يوجد ضريحه ولكننى شاهدته ودخلته افتراضيًا من خلال موقع على الإنترنت يتيح لك القيام بجولة فى الضريح، وأتذكر أننى تجولت فى الضريح والحديقة السعدية لأسابيع، حتى أننى فى فترة من الفترات كنت أفعل ذلك الأمر باستمتاع شخصى بغض النظر عن ضرورته الروائية.
وبشكل عام سؤال المعايشة والتخيل واحد من الأسئلة التى تميز كل كاتب وتعبر عن رؤيته للعالم وللفن، فمثلًا هيمنجواى يقول «اكتب عما تعرفه»، لكن الكاتبة الأمريكية تونى موريسون تقول عكس ذلك وتتساءل «ماذا يعنى أن نكتب عما نعرف فقط.. علينا أن نعمل على الخيال»، وأنا أتفق معها، كما أن ذائقتى الشخصية لا تميل لروايات السير الذاتية، وأُفضل الأعمال التجريبية التى تحمل مساحة كبيرة من التخيل.
■ هناك عوالم متعددة وأزمنة كثيرة متداخلة فى رواية «جبل الزمرد» لو كان لمنصورة عز الدين أن تختار زمن أخر تعيش فيه فأى زمان ومكان سوف تختارين؟
- أنا أعيش بالفعل فى زمن آخر، أشعر فى أوقات كثيرة أننى منفصلة عن الواقع، وجزء كبير من حياتى أحلام يقظة، ففى الفترة التى كنت أكتب فيها «جبل الزمرد» كنت أشعر بأنى أعيش فى عوالمه، وأنا طوال الوقت غير مشغولة بالزمن بمعناه المجرد، لأنى أصنع زمنا حميما خاصا بى، ويمكن السبب فى ذلك شعورى بأنى غير مرتبطة بمكان بعينه، لكن مع مرور الزمن أدركت أن بلدتى الصغيرة هى جذوري، مع شعور آخر بالحنين لزمن الطفولة ليس لأنه زمن عظيم وجميل، ولكن لأنه فترة الاكتشاف والدهشة، صورة الطفلة التى كانت تعيش فى قرية معزولة، فى بداية الثمانينيات وتكتشف العالم من خلال الأدب الروسى والأفلام الأمريكية، هذه الحالة التى تتعرف فيها على الحياة خارج محيطها الضيق وتكتشف حيوات مختلفة، هذه اللحظة هى أكثر ما أفتقده، لحظة دهشة الطفولة ومتعة الاكتشاف.
■ مدرسة التحليل النفسى تشير إلى أن طفولتنا هى التى تشكل حياتنا ومستقبلنا، فى هذا السياق برأيك إلى أى مدى نحن أسرى لطفولتنا وكيف ينعكس هذا على كتابتك وما الذى أفقدنا دهشة الطفولة؟
- هذا ليس حنيناً للطفولة، وأنا أنفر من فكرة الحنين بصورتها التقليدية التى أصبحت «كليشيه» ومكررة وركيكة، فأنا أرى أن النوستالجيا والحنين لا ينتجان أدبًا جيدًا، لأنه يمنعنا أن نرى الأشياء بعين ناقدة، أشياء كثيرة ساهمت فى تلاشى دهشة الطفولة منها الزمن والوعى والألم، رغم ذلك فإننى مدينة لأطفالى لأنى أرى العالم بأعينهم، فمثلا تفاصيل كثيرة فى روايتى الجديدة أدين بها لكريم ابنى الصغير (أقل من 4 سنوات)، فى لحظات كثيرة أتأمل كيف يتفاعل مع العالم وكيف يُكون علاقات مع الأشياء المحيطة به، مع الألوان والجماد والطبيعة والحيوان شيء مدهش ومثير للغاية، وطرحه لأسئلة كثيرة، ومحاولاته لأنسنة كل شيء، حيث يتعامل مع كل شىء على أنه ذو وعى وخيال.
■ «إيليا» أحد شخصيات رواية «جبل الزمرد» كان يتحدث عن الليل وحضوره الطاغى الذى لا تقوى آلاف المصابيح على تبديده؟ ماذا يمثل الليل لكى؟
- جميل أن يظهر الليل فى الرواية كشيء ساحر، الليل بالنسبة لى مخيف، والصور المحفورة فى ذهنى عن الليل من طفولتى بها قدر كبير من الخوف والرعب والمجهول، الليل فى الرواية هو انعكاس لرأى وشخصية إيليا وهذا يؤكد مرة أخرى على أهمية التخييل وعدم فرض رؤيتنا الشخصية والذاتية ككُتاب على الشخصيات ووعيها، وأنا أنزعج للغاية عندما أقرا رواية وأجد الشخصيات تتحدث بلسان الكاتب، أو تكون ذات نمط واحد وثابت، وقوالب مكررة، إلّا إذا كان تشابه الشخصيات مقصوداً لأسباب فنية أو فى إطار لعبة فنية ما.
■ كتبتِ فى نهاية الرواية شُكر للصديق ياسر عبد الحافظ، وهو فى الواقع زوجك وروائى أيضًا، كيف هى الحياة بين زوجين يعملان فى نفس المجال ولماذا وصفتيه بالصديق تحديدًا، وهل تعتقدين أن الصداقة أقوى من الزواج؟
- ليس بالضرورة أن تكون الصداقة أقوى من الزواج، لكن كل ما هنالك أننى أعطيت ياسر مخطوطة الرواية بوصفه صديقا وكاتبا وليس كزوج، وأنا أثق فى رأيه كمبدع وفنان بالأساس. والحياة بين شخصين يكتُبان نفس النوع من الأدب يكون بها تحديات كبيرة لكنها مثيرة، لكن على الجانب الآخر فأنت تعيش مع شخص يُدرك أهمية الكتابة بالنسبة لك ومقدر لمسئوليتك وموهبتك مما يمنحك راحة وثقة كبيرة.
وعلى المستوى الشخصى أنا وياسر كل منا له طريقته الخاصة به فى الكتابة واهتماماته أيضًا، لكننا نقدر علاقتنا وقادرين على خلق عالم به مساحات تنوع كبيرة و تلاقى كبيرة أيضًا.
■ هناك إحالات عديدة فى أعمالك إلى كُتاب آخرين، من أكثر الكُتاب الذين تأثرتِ بهم مصريًا وعالميًا وهل تعتقدين أن الإحالة إلى كُتاب آخرين تُضفى ثراء على العمل؟
- الموضوع مراوغ، فالكتاب الذين تأثرت بهم فى طفولتى قد لا أُفضل أعمالهم الآن، فبعد مرحلة معينة فإنك تتجاوز دهشتك الأولى وتنظر لأعمالهم بعين ناقدة، وتهتم وتعجب بكُتاب يشبهونك ورؤيتهم للعالم واهتماماتهم قريبة منك لكنهم لم يؤثروا فيك لأنك تعرفت عليهم بعد أن تشكلت سمات كتابتك، وبشكل عام أنا تأثرت جدًا بالقصص القُرآنى والملاحم الشعبية والفلكلور والأدب الروسي، ونجيب محفوظ ومحمد البساطى أعمالهما لعبت دورًا مهما فى تكوينى، والبساطى تحديدًا  تحمس لكتابتى ودعمنى معنوياً فى بداية مشوارى مع الكتابة.
■ تحدثتِ عن كون الجنون تيمة أساسية فى كتاباتك، والقارئ لأعمالك سيجد أن الوحدة والغربة والترحال من ضمن التيمات الأساسية التى تعتمدين عليهم، ألا تعتقدين أن تكرار هذه التيمات قد يجعل القارئ يمل؟
- قد تبدو هناك تيمات متشابهات، لكن فى كل رواية من أعمالى السابقة هناك اختلافات كبيرة فى البناء وطريقة المعالجة، فمثلا فى «متاهة مريم» فكرة الجنون حاضرة بقوة عبر الاهتمام بالبعد النفسى والطقوس والموروث الاجتماعي، لكن فى «وراء الفردوس» هناك اهتمام بالتغيرات الاجتماعية فى فترة الثمانينات والتسعينيات، أما فى «جبل الزمرد» فالسياق مختلف تمامًا.
■ هناك حضور قوى لسؤال الذاكرة فى كتاباتك ماذا تمثل لك الذاكرة وكيف ترين المقابلة بين الجنون والذاكرة وما سر هذا الشغف بالجنون وتمثلاته المختلفة؟
- الشغف بالجنون نابع من اهتمامى بعلم النفس ودراسة الشخصيات المختلفة، وبعيدًا عن الكتابة، أنا شخصيًا أحب أن أقرأ وأتأمل الناس، النفس الإنسانية بالنسبة لى ملغزة ومدهشة، وفى لحظات كثيرة تجد نفسك أمام أفعال بشرية غريبة أن تحدث من شخص معين تحديدًا، وهذا الخروج عن المألوف مغرٍ جدًا بالنسبة لي، وأجلس فترات طويلة أتأمل هذه المشاهد وأفكر فى المساحات الكبيرة من الدهشة والتمرد والخيال المسجونة داخلنا.
وبالنسبة لعلاقة الجنون بالذاكرة فهما يمثلان الكابوس والهاجس الأكثر قسوة بالنسبة لي، لأنهما يهاجمان الإنسان من داخله، وفكرة أن الدمار هنا يأتى من داخلك كإنسان وليس من مصدر خارجى هو أمر محل تساؤل وخوف وقلق.
ورغم أن واحدة من وظائف الكتابة هى كونها حفظ للذاكرة، لكنى أشعر بنوع من التكلف عند ترديد هذه الجمل التى تحولت إلى «كليشيهات» مثل الكتابة وحفظ الذاكرة، أو الكتابة ودورها فى تقديم سردية مضادة ..الخ . ولو تعاملت مع الكتابة بهذا المنطق سأتوقف عن الكتابة، لأن ببساطة الإبداع به جزء مهم من العفوية والصدق والمكاشفة ولو فقدنا هذه المساحة فستتحول الكتابة لدرس مدرسى ممل.
■ فى هذا السياق لماذا تكتب منصورة عز الدين وهل هناك طقوس محددة للكتابة؟
- «لا أستطيع الحياة بدون الكتابة» ورغم أن هذه الجملة تبدو «كِلِيشِيه» لكنها حقيقية ومعبرة بصدق عن علاقتى بالكتابة، أتذكر وأنا طفلة قبل اكتشافى  للقراءة والكتابة، كنت أرى صوراً وخيالات لعوالم مختلفة فى مخيلتى، وكنت أعيش مع أحلام يقظة دائمة، ومع اكتشاف القراءة والكتابة أصبحت أمارس هذا التخييل من خلال الكتابة، وربما بسبب فكرة الخيال، فإننى أشتغل على العمل أكثر من مرة وأطور فى الفكرة وأضيف لها وأعدل عليها، حتى تصل لصورة ترضيني، بغض النظر عن رد فعل القراء.
فأنا فى الحقيقة اعتبرنى محظوظة لوجود أشخاص قد يتحمسون لكتاباتى ويتفاعلون معها، ولكن حتى لو لم يوجد قراء ولم أقم بنشر أعمالى كنت سأستمر فى الكتابة لأن ممارسة فعل الكتابة ذاته أكثر من كافٍ بالنسبة لى حتى لو وضعت كتابتى فى الدرج ولم تنشر.
أما بالنسبة للطقوس فهى هوس شخصى لي، معظم الأشياء فى الحياة أمارسها بطقوس، لكن هذه الطقوس متغيرة وليست ثابتة، فمع الوقت أعتاد على أشياء ثم يمر الزمن وأعتاد أشياء أخرى فأترك طقوسى القديمة وهكذا.
■ كيف أثر عليكِ العمل الصحفى كروائية وما هى رؤيتك لوضع الصحافة الثقافية فى مصر والوطن العربي؟
- العمل الصحفى يأخذ وقتا ومجهودا كبيرا، لكنه يعطى خبرة فى التعامل مع مصادر مختلفة، ويمنحك رؤى متعددة للحياة، ويجعلك تتعلم قيمة وأهمية كل كلمة، وكيف  تتعامل مع الكتابة كممارسة يومية، لكن على الجانب الأخر فإن من مخاطر الصحافة أنها قد تجعل لغة الكاتب تتحول للغة تقريرية أو جامدة.
الفترة من أغسطس 2011 إلى أغسطس 2014 أخذتها أجازة من العمل الصحفي، وهذه كانت فترة مهمة لى، استعدت فيها وقتى وتفرغت بشكل كامل للكتابة، وأنا بطبيعتى شخصية تميل للعزلة، والعزلة تمنحنى مساحة للتأمل والقراءة بعيدًا عن طوفان المعلومات والأخبار المخيف الذى نعيش فيه.
■ للمكان حضور بارز فى أعمالك وعناوين رواياتك الثلاث تشير لمكان محدد كيف تتعاملين مع الجغرافيا وكيف تتأملين علاقة التاريخ بوصف الزمن والجغرافيا بوصفها التمثل المادى للأشياء؟
- ينشغل الإنسان فى الغالب بسؤال الزمن أما المكان فهو أكثر وضوحًا، لأن الزمن بطبيعته مرواغ، لكن أنا شخصيًا لدى شغف بالأماكن والجغرافيا، ودائمًا عندما أفكر فى شخصية ما، أفكر فى المكان الذى تُوجد به، كما أن المكان أحيانا يكون المدخل لرؤية الشخصية والاقتراب منها أكثر والدخول لعالمها، مثلًا  شخصية يحيى فى رواية «متاهة مريم» المدخل الأساسى لها كان شقته وتفاصيلها المختلفة التى تمنحها خصوصية وتفرد وتعكس طبيعة شخصيته.
وبشكل عام المكان يكون له دور مهم للغاية فى صياغة الغرائبية القائمة فى معظمها على الغموض وتعدد الرؤى واللاوعى للشخصيات، فالمكان يقترح طريقة تناول العمل أحيانًا، بتفاصليه والروائح التى تميزه والطيور والأشجار والمتواجدة به، وهذا الاهتمام بجغرافيا المكان يحدث بشكل غير واع حيث أكتشفه بعد الانتهاء من كتابة العمل.
■ أى أعمالك أحب وأقرب إليكِ؟
- صعب الاختيار لأن كل عمل يمثل  تحديًا لى وأنا أحب التحدى، كما أن له خصوصيته وارتباطًا شخصيًا وعاطفيًا بصورة ما، لذا من  الصعب أن أختار أحدها، خصوصًا أنى أشعر رغم اختلافهم وتنوع القضايا التى تتناولها إلا أنه هناك حالة من التكامل ما بينها، فأراها وجوه متعددة للخيال.
■ إلى أى مدى كونك امرأة وزوجة وأم تعيش فى مجتمع شرقى يفرض قيودًا عليكِ فى الكتابة وتناول قضايا أو استخدام مفردات لغوية قد تكون صادمة للبعض؟
- أحاول قدر الإمكان التخلص من هذه القيود، وأعتقد أن القيود التى يضعها المثقفون أكبر من القيود المجتمعية، ففى الوسط الثقافى تشعر أن هناك تفتيشاً فى النوايا، مثلا لو كتب كاتب أو كاتبة ما عن الختان أو مشاكل المرأة سوف تجد أن المثقفين أول من سيقولون أنها تكتب لأجل الغرب ويتم محاكمة العمل والتفتيش فى نوايا كاتبه أو كاتبته قبل قراءته. لكن وأنا أكتب أحاول التخلص قدر الإمكان من أى شىء خارج عوالم ما أكتبه وأدرب عقلى على التركيز، خصوصًا أن هذه الأزمات ليست وليدة اليوم، فأنا قادمة من قرية صغيرة ومن عائلة محافظة، ومنذ البداية قررت أن أكون كاتبة ومدركة أن الكتابة فى مجتمعنا خروجًا عن المألوف.