الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قط سيامى

قط سيامى
قط سيامى




كتب - محمد الناصر

يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة «على ألا تتعدى 055 كلمة» على الإيميل التالى:    
[email protected]

ألقمت
ثديها «لولو»، تتأمل رأسه الضئيل، المثلث من طرفى الأذن والأنف الطويل، تتحسس فروته القصيرة بأصابعها، ومخالبه اللينة السوداء، وساقيه الطويلتين النحيفتين، ورقبته الطويلة الرفيعة، بطنه المشدود بلا دهون، يذكرها دائما بكرش زوجها، تعض برقة أذنه الكبيرة العريضة، عندما تشتبك نظرتها مع نظرة عينيه اللوزتين الماكرتين، تعلم أنه قد حان وقت حلبها، وأن ماس القمر، سوف يخلصها مما أبقت طفلتها من لبن فى ثديها.
دهشة
زوجها، عندما رأى القط للمرة الأولى يرضع ثديها، تجعلها تبتسم كلما تذكرت، فتسخر من غيرة الرجال الطفولية، حتى من قط! وإن كان قطا ملكى الأصول مثل «لولو»، جده الأكبر من مملكة سيام، وكان اسمه «وشيان مات»، «ماس القمر» بالتايلاندية.
الرجل بطبيعته لا يستوعب الأمومة داخل امرأته، ولم الأمومة، هو غير قادر على استيعاب المرأة، دائما ما تؤكد ذلك فى قصائدها، التى تكتبها أحيانا بالانجليزية، متباهية وهى تقرأها على طلابها فى الجامعة، تحتاج دائما إلى أن تؤكد مقدرتها، على امتلاك ناصية اللغة التى تدرّسها، وإن كشفت مؤخرا فى إحدى قصائدها ولم تكن بالإنجليزية، عن سعيها الدائم منذ وعيها بالحياة حولها، أن تؤكد مقدرتها على الحياة، كأن هناك من يشكك فى هذا العالم، من مقدرتها على ذلك.
عندما رأت ذلك القط الضئيل للمرة الأولى، كان بجوار أمه وهى تموت، نظرت كمن تسلمه إليها، شعرت بذلك فى قلبها، وهى دائما تتبع قلبها، حتى عندما تكتب.
لمست
طيشه ونزقه، وهو يتنطط بعد كل رضعة بين أثاث البيت، لا يمكن توقع ردات فعله، سمته «لولو»، القط الذى أدار رأس بيتر لفترة وجيزة، فى رواية «المهجورة» أو «جينى»، للأمريكى بول جاليكو، وكانت قد انتهت من ترجمتها من شهور.
لكن لم يسطو على عقلها مثلما فعل بيتر، سطى على عقلها وثديها، وشارك طفلتها فى ماء الحياة، الذى انفجر من صدرها بعد ولادتها، صار محرما عليها، هو شقيقها من الرضاعة، تقول ذلك لزوجها وتضحك من الدعابة.
«لولو»
جعلها تبحث وراء خروج القط السيامى من بلاده، علمت أن السبب امرأتان، «ليليان» و«لوسى»، قرأت حكاية القنصل البريطانى فى «بانكوك»، الذى أهدى أخته «ليليان» زوجين من هذه القطط عام 1884، كما فعل أيضا قبله القنصل الأمريكى فى بانكوك، أهدى زوجة الرئيس الأمريكى هايز، السيدة لوسى قطا فى 1879، وواصلت بحثها، فاطلعت على القصائد التايلاندية المترجمة للإنجليزية، التى تحكى أسطورة «قطط سيام مارتن»، تمنت وقتها أن تكتب قصيدة « لولو».
تروق
لها «السيجارة» وقت أن يقوم «لولو» بمص ثديها، تسأل نفسها دائما، هل هذه النقاط على جسده بنية أو سوداء، متناثرة على جلده الأبيض المائل للبيج، كأنها لطخات فرشاة تلقائية، لرسام لديه اليقين، أنه لا شىء مؤكد فى هذا العالم، يداعب إصبعها أنفه السوداء، «كل شىء ضئيل فى هذا الكائن الآسر».
بالضآلة الآسرة بدأت قصيدتها، التى لا تروق طبيعتها النثرية لزوجها، الموقن بأن الشعر العربى توقف عند شوقى وحافظ، حتى يأتى من يشبه البارودى، لكى يحييه من جديد، استمرت فى قصيدتها، تكتب عن امرأة، غاية طموحها مثل كل النساء، ومنذ الأزل أن تصير قطة، وأن يكون لها قط يشبه « لولو».
مشهد
رضاعة «لولو» اعتاد زوجها عليه، حتى إنه أعلن صراحة، أنه افتقد رؤية طفلتها تلقم ثديها، تنظر لطفلتها النائمة بجوارها، توبخه همسا، فالملائكة قليلة الحاجة للرضاعة، يضحك من عقلها الذى سطى عليه «لولو».
دخان
سيجارتها تلقيه فى الهواء دفعات، تتشكل على هيئة كرات من دخان، يقفز «لولو»، محاولا التقاطها بمخالبه الضئيلة، يكتشف الخدعة، يعود إلى القفز بين الأثاث، ثم يقفز فى حجرها، فتلقمه ثديها، تعد أصابع قدميه الأمامية الخمسة، ثم تعد أصابع قدميه الخلفية الأربعة، تبحث عن الحكمة من الخمسة والأربعة، لكنها لو تركت نفسها للأسئلة، لسألت عن ضعف ذيله الطويل، وعن الشكل الماكر لعينيه، اللتين تشبهان عيون «إليزابيث تيلور» فى لونها الأزرق، وهى تمثل كليوباترا، التى كانت مغرمة بـ«أنطونيو» وبالقطط السيامى، أكثر رسومات لها كانت على جدران عهدها، ربما كانت إليزابيث قطة، وربما تحولت «كليوباترا» بعد موتها إلى قطة، من هذا النوع السيامى، كل يصير إلى ما يحب.
تشعر بأن ثديها نضب، تخلصه من فم «لولو» وتعيده إلى جسدها، تغفو على الكرسى الفوتيه، الذى يتوسط الصالة فى مواجهة التليفزيون، وهى تنتظر فيلم السهرة الجديد على قناة MBC2.