السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

اهتمام عالمى غير مسبوق بالسريالية المصرية

اهتمام عالمى غير مسبوق بالسريالية المصرية
اهتمام عالمى غير مسبوق بالسريالية المصرية




كتبت - سوزى شكرى


 منذ تم الإعلان مؤخراً عن إقامة معارض دولية لفنانى السريالية المصرية (1938-1965) ذلك المذهب الفنى والفكرى والفلسفى الذى يمثل مرحلة فنية ثورية مفصلية ساهمت فى تغيير حركة الفن عالمياً، أثار هذا الخبر العديد من الأسئلة المشروعة والمطروحة الآن على الساحة التشكيلية من بينهما: من هو صاحب فكرة الاهتمام بفنانى السريالية المصرية؟ ولماذا كل هذا الاهتمام العالمى بأعمال فنانى السريالية المصرية تحديداً؟ وهل أدرك العالم مؤخراَ أن السريالية المصرية بحسب الدراسات النقدية قد واكبت السريالية الفرنسية والروسية؟ خاصة أن فنانيها خاضوا معارك سياسية وكان الفن طرفًا للتحرر من قيود السلطات والأنظمة الفاشية النازية، وبالتالى  ثبت وجود تقصير فى حق هذا الاتجاه وأن التهميش والتعتيم تاريخيا وتوثيقيا ربما يكون قد حدث عمداً!!
بعد مرور 70 عاماً على تأسيس السريالية المصرية وجماعة الفن والحرية والتى بدأت فى عام 1938 انهالت على مصر العروض والبروتوكولات الدولية من ثلاث سنوات تقريباً، وبدأت تتم زيارات لوفود من دول عربية وأجنبية بشكل رسمى وبدعم من الدولة والحكومة وبشكل معلن من جميع الإطراف للإطلاع على أعمال السريالية المصرية المتاحة فى المتاحف المصرية.
العروض العالمية للسريالية المصرية من المقرر أن تتضمن مجموعة مختارة من نتاج الفن السريالى المصرى الذى ينتمى لمرحلة الثلاثينيات وحتى مطلع الستينيات من القرن الماضى، ويضم المعرض أعمالا لـ«جماعة الفن والحرية» وفنانين آخرين اعتنقوا السريالية ولم ينضموا للجماعة.
المبادرة الأولى لإقامة معرض لرواد السريالية المصرية بدأت من قبل مؤسسة الشارقة للفنون والتى ترأسها الشيخة «حور القاسمى» وتم الاتفاق على إقامة معرض تحت عنوان «حين يصبح الفن حرية.. السرياليون المصريون (1938-1965)».
المعرض يأتى وسط تاريخ حافل من التعاون الثقافى والتنويرى المشترك بين إمارة الشارقة ومصر، وتلى الاتفاق على المعرض توقيع بروتوكول مع «مركز بومبيدو للفنون» بباريس  تحت عنوان «السريالية فى مصر»، ومن الشارقة وباريس تنطلق جولات السريالية المصرية إلى ألمانيا وانجلترا، وفترة العروض سوف تمتد من  29 سبتمبر 2016 وحتى يونيو 2017.
بداية الاستعدادات لمعارض السريالية المصرية عالمياً بدأ منذ ثلاث سنوات تقريباً وكان صاحب فكرة الاهتمام بالسريالية المصرية هو مدير معهد دراسات الحداثة المقاربة فى جامعة كورنيل، الناقد الفنى السودانى د.صلاح حسن الذى وصف المرحلة السريالية قائلاً: «هى مرحلة فنية مؤثرة وثورية لم تحظ بتوثيق متكامل بل تم تهميش أهميتها ودورها الثقافى والتنويرى»، واقترح «حسن» على مؤسسة الشارقة للفنون إقامة مؤتمر وفعاليات مصاحبة له، وشكلت لجنة مكونة من مجموعة من المتخصصين لدراسة المشروع العروض الدولية تحت رعاية ودعم من الشيخة «حور القاسمى» رئيس مؤسسة الشارقة للفنون بالإمارات، وتم اختيار لجنة الإعداد والتنفيذ لتضم د.صلاح حسن والفنانة د.نجلاء سمير الأستاذ المساعد فى قسم الثقافة البصرية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة والفنانة المؤرخة بهية شهاب أستاذة الفنون التطبيقية بالجامعة الأمريكية، والفنان إيهاب اللبان مدير قاعة أفق الذى تم اختياره كمنسق للفعاليات الدولية.
بداية الاحتفاء بالسريالية المصرية كانت بإقامة مؤتمر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة وبالتعاون مع معهد دراسات الحداثة والمقارنة بجامعة كورنيل بنيويورك، وبرنامج الثقافات البصرية بالجامعة الأمريكية نظمته مؤسسة الشارقة للفنون بالإمارات، المؤتمر تم فى الفترة من 26- 28 نوفمبر 2015 تحت عنوان «مؤتمر السرياليون المصرين من منظور عالمى» وحاضر فيه مجموعة كبيرة من الفنانين والنقاد.
الشيخة حور القاسمى أعلنت أن العروض جزء من المشروع الثقافى التنويرى التى تقدمه «مؤسسة الشارقة للفنون»، كما أعلنت «القاسمى» فى نهاية المؤتمر عن استكمال المشروع الثقافى والتوثيقى للفن السريالى بالعديد من الفعاليات من بينهما معرض متجول ينطلق من مصر إلى الشارقة إلى دول أوربا وأمريكا وآسيا تحت عنوان «حين يصبح الفن حرية»، ثم تم  توقيع بروتوكول بين مؤسسة الشارقة مع وزارة الثقافة فى شهر أغسطس 2016،  وتم الاتفاق على أن يقام المعرض يوم 28 سبتمبر 2016  وأن يتم إقامة العرض الأول بقصر الفنون بالأوبرا ثم ينقل بعدها إلى إمارة الشارقة وبعد ذلك يجوب المعرض بعض الدول.
وعلى جانب آخر من الاهتمام بالسريالية المصرية عقد فى  أكتوبر 2015 بروتوكول بين وزارة الثقافة و«مركز بومبيدو للفنون» بباريس بحضور وزير الثقافة حلمى النمنم ورئيس قطاع الفنون السابق ونقيب التشكيليين الحالى الفنان د.حمدى ابو المعاطى، وتم الاتفاق على معرض عالمى بعنوان «السريالية فى مصر»، وأن بتم استضافة المعرض بفرنسا ثم يتجول إلى ألمانيا وبريطانيا.
- الحركة السريالية فى مصر وارتباطها بالسريالية الفرنسية والأوروبية
ولدت السريالية من رحم «الدادية» أو «الدادئية» وهى حركة تواجه الحياة بالسخرية السوداء واعتنقها الشعراء قبل الفنانين التشكيليين،  وعن وجود علاقة مترابطة ومتوافقة بين منشأ السريالية فى فرنسا وارتباطها بالسريالية المصرية أشار الناقد مختار العطار فى كتابه رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر (الجزء الثانى)  إلى قوله: «إن عام 1924 هو تاريخ ميلاد السريالية فى باريس بالبيان الذى أصدره الشاعر «اندرية برتيون» الذى درس الطب النفسى وآمن بفكر سيجموند فرويد فى التحليل النفسى، والذى أصبح صديقاً للشاعر والناقد المصرى رائد الفكر السريالى بمصر ومنظرها الأول «جورج حنين» (1914 -1973) الذى كان يؤمن بالفكر الشيوعى  وكتب أشعاره باللغة الفرنسية وترجمها فى إصدارات عديدة المترجم «بشير السباعى»، وكان «حنين» قد أقام لفترة فى فرنسا وتعرف على الشاعر «بريتون» وأعجب بأفكاره وفلسفته، وأسس فى مصر جماعة «الفن والحرية» عام 1937 والتى كانت الشرارة التى غيرت مسيرة الفن وفجرت الحرية الفكرية، وانضم إليها رمسيس يونان (1913-1966)، كامل التلمسانى (1915-1972)، والأخوين أنور كامل (1913-1975) وفؤاد كامل (1919 -1973)، وانجى أفلاطون وراتب صديق وآخرون  من الفنانين الأجانب الذين اعتصموا بالبقاء فى مصر خلال سنوات الحرب العالمية الثانية.
«حنين» أصدر بيان السريالية فى ديسمبر عام 1938 تحت عنوان «يحيا الفن المنحط» ووقع على البيان رمسيس يونان وكامل التلمسانى والأخوين أنور وفؤاد كامل وآخرون، البيان فى مضمونه يحمل احتجاجاً على الحظر الذى فرضه هتلر النازى على فن التصوير الحديث، لأن هتلر وصف معرض للفنانين السرياليين فى ألمانيا «إنها فن منحط»، ويرى السرياليون أن التعصب للدين أو للوطن الذى يريد البعض أن يخضع له مصير الفن ما هو إلا مجرد استهزاء وسخرية، يجب أن نقف فى صف هذا الفن المنحط كما دعا البيان الفنانين الشباب إلى التعبير عن أحلامهم وخيالهم الشخصى ودعاهم إلى التمرد على المبادئ الموروثة الجاهزة، وجاء فى البيان نصاً: «أيها المثقفون والكتاب والفنانون فلنواجه التحدى يداً واحدة ونتضامن تضامناً مطلقاً مع هذا الفن المنحط ففيه تكمن كل وعود المستقبل».  
وأشار «مختار العطار» فى كتابه لأهمية كتاب «السريالية فى مصر» لمؤرخ والناقد الفنى سمير غريب إلى أنه يعد الكتاب الوحيد الموثق لأدق تفاصيل للحركة السريالية بفنانيها المصريين والأجانب، وقد صف «غريب» السريالية: «بأنها ثورة ثقافية وليس مجرد مدرسة فنية، ثورة على التقاليد ودعوة للحرية قادها روادها ضد المفكرين الكلاسيكيين وأنها حركة فكرية مصرية خالصة برغم من كونها جزء من تيار عالمى، يوجد تناسق بين السريالية المصرية والفرنسية لكن مع وجود سمات محلية».
- الفنان رمسيس يونان رائد الحركة السريالية المصرية
جهود الفنان «رمسيس يونان» فى الترجمة ونقل الثقافة الغربية المعاصرة إلى العربية لا تقل أهمية وقيمة عن أعماله الفنية الثرية، دعا  «يونان» إلى التمرد على كل الاتجاهات الفنية السابقة، وكتب فى أهم إصدار له بعنوان (الرسام العصرى) «أنه بدء يشك فى كل المسلمات والثوابت التى تعلمها  وبدء يطرح أسئلة فى مقالاته قبل أعماله كيف يكون كل ما تركه أسلافنا بديهى ولا يصح الجدل فيها، خصوصا بعد أن توصل العلم إلى الاكتشافات والاختراعات وظهور الكاميرات والتصوير الفوتوغرافى، فما حاجتنا إذا للرسم الأكاديميى فالكاميرات تصور كل الأشياء وبدقة، ولماذا نهمل مشاعرنا وأحلامنا ونحصر أنفسنا فى دائرة نقل الواقع، ولماذا نضع هالات التقديس التى تشبه هالات الأديان على فن التقليد، ارجعوا إلى ذاتكم ستجدون كنزا لا تعلمون عنه شيئا وسوف تصلوا إلى حالة اقرب إلى السلام النفسى والهدوء»، وبهذا رفض «يونان» القداسة فى الفن.
- معارض فنانى السريالية فى مصر
  وأقام فنانون السريالية المصرية معارضهم تحت عنوان الفنانين المستقلين وكان أول معارضهم فى عامى 1940 و 1941 وأقيم  فى عمارة الإيموبيليا، ثم وفى عام 1942 أقيمت المعارض  فى فندق كونتينينتال، وآخر معارض السريالية كانت فى عامى 1944 و 1945 فى قاعة الفنون بالليسيه الفرنسى فى القاهرة.
كما كانت هناك ثلاثة معارض نظمت فى القاهرة تحت رعاية «جورج حنين» هما «نحو المجهول» فى عام 1958 و «المجهول لا يزال»  فى عام 1959، وأخيراً «الفن الحر» فى عام 1960،  إلا أن العروض كانت تواجه هجومًا وسخرية من الجمهور، واعتبره الجمهور أن فنانى السريالية لا يجيدون الرسم، وشاركت أيضا الفنانة إنجى أفلاطون وهى تعد تلميذة للفنان كامل التلمسانى وقد شاركت إلى جانبه فى معرضى «الفن والحرية» فى عامى 1942 و1943 بعد فترة خروجها من السجن أيضا.
- المواقف القومية والوطنية للفنانين السرياليين المصريين
اعتقل صدقى باشا رمسيس يونان فى حملة 11 يوليو 1946 مع الكاتب الكبير سلامة موسى ومحمد زكى عبد القادر ومحمد مندور ووجهت لهم تهمة التآمر على الدولة وأنهم يعتنقون الفكر الشيوعى والماركسى، وهذا الفكر كانت تخشاه السلطات باعتباره يهدد عرشها، واعترفت الحكومة المصرية بعدها أن القبض على «يونان» جاء بطريقة سوء فهم للسريالية فى الفن التشكيلى، وفى مقولة شهيرة للكاتب لويس عوض: «إن للسرياليين دورًا وطنيًا يجب أن يوثق ويذكره التاريخ، وبعد خروج رمسيس يونان من السجن سافر للعمل بالإذاعة الفرنسية عام 1945 أثناء العدوان الثلاثى طلب منه إلقاء بيان ضد مصر فرفض، كما أن مؤسس السريالية الشاعر «جورج حنين» حين أراد الشاعر «اندرية برتيون» مؤسس السريالية فى فرنسا جمع تبرعات لإنشاء دولة لإسرائيل عام 1948، رفض ذلك وانفصل عن السريالية العالمية وبالأخص الفرنسية.
- موقف ثورة يوليو1952 من فنانى السريالية المصرية
طمست ثورة يوليو معالم السريالية وتاريخها الفنى والثقافى فاتجه الفنان كامل التلسمانى إلى الإخراج السينمائى وسافر إلى لبنان، وتقدم رمسيس يونان للحصول على منحة تفرغ إلا أن الكاتب عباس العقاد رفضه وقال عنه «رسمه ضعيف وليس فنا»، ومنحه عملا مترجمًا وأشهر ترجماته «كاليجولا» إلى العربية، أما الشاعر «جورج حنين» فعاش فى عزلة اختارها لنفسه وبنفسه ثم سافر إلى العديد من الدول الأوروبية.
- سفر مقتنيات الدولة المتحفية للمشاركات دولية
أخيراً.. فى التساؤل حول معارض السريالية تكمن تخوفات ومحاذير من خروج مقتنياتنا من اللوحات الفنية المتحفية وعرضها عالميا، رغم أن العروض الدولية للأعمال المتحفية المصرية ليس بالأمر الجديد على وزارة الثقافة ممثلة فى قطاع الفنون التشكيلية، ويخضع خروج الأعمال لإجراءات تأمينية تضمن سلامتها وإجراءات توثيقية تكنولوجية تتم بسرية، وتتم بموافقات الحكومة المصرية ولجان متخصصة، ولنا على مدار سنوات مشاركات دولية شاركنا فيها بأعمال متحفية وتم ذلك إثناء قيادة فترة الفنان د.أحمد نوار والفنان الراحل محسن شعلان.
على سبيل المثال لا الحصر فقد شاركنا فى معرض «تولوزلوتريك» فى متحف الفيتوريانو- 2004- إيطاليا، ومعرض «كلود مانيه» فى متحف «سانت جولنا» إيطاليا عام 2005، ومعرض «الشرق بعيون الغرب» فى مركز برشلونة للثقافة ومؤسسة فالنسيا - إسبانيا 2005، معرض جوجان فى متحف «سانت جوليا « - عام 2007، ومعرض جوجان فى متحف «الفيتوريانو»  - إيطاليا 2007، ومعرض رينوار فى متحف «الفيتوريانو»  - إيطاليا - 2008 وغيرها، وكما هو مقرر فى كل البروتوكولات العالمية يصاحب المعرض مرممين للأعمال المشاركة خلال فترة المعرض، يتحمل الطرف الآخر من البروتوكول نقل الأعمال من مصر والعودة لمصر، وتحمل تكاليف تأمين الأعمال، واشتراك مصر فى معرض الشارقة لا يؤثر على المشاركة فى المعرض الفرنسى الذى ستكون المشاركة فيه شبه محددة من حيث العدد وقد لا يتعدى 7 لوحات لا غير.