الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الدولار وشركاه

الدولار وشركاه
الدولار وشركاه




كتب - صبحي مقار

نظراً للارتباط التاريخى بين الدولار الأمريكى والبترول والذهب نتيجة لتسعيرهما بالدولار، ولطبيعة الدولار (العملة الأولى فى العالم)، البترول (المصدر الرئيسى للطاقة والسلعة الأكثر تداولاً فى العالم)، الذهب (الملجأ الآمن للأفراد عند انخفاض قيمة العملة والأزمات الاقتصادية)، فإن تحليل العلاقة بين كل من الدولار الأمريكى، البترول، الذهب يساعد فى دعم الحكومات المختلفة فى التخطيط للمستقبل ووضع السياسات الاقتصادية الملائمة للتعامل مع أثر التغيرات فى سعر صرف الدولار الأمريكى على الاقتصاد القومى.
يعتبر الدولار حجر الأساس فى نظام النقد الدولى الحالى لتعاظم دور الولايات المتحدة فى الاقتصاد العالمى،  كما يتميز الذهب بأنه لا يستنفد، وأى كمية من الذهب تم إنتاجها فى الماضى لا تزال موجودة ويمكن دخولها فى الأسواق العالمية فى أى وقت بهدف التحكم فى الأسعار. وعلى الرغم من كون البترول سلعة ناضبة، إلا أنه يتزايد إصدار الدولار يومياً لشراء البترول والذهب وغيرهما من السلع، وهذا ما يفسر حرص الولايات المتحدة على بقاء الدولار عملة عالمية لتسعير البترول والذهب. 
وترجع بداية العلاقة بين الدولار والبترول والذهب إلى عام 1933 مع حصول السعودية على الذهب مقابل البترول، كما دعمت قرارات مؤتمر بريتون وودز عام 1944 العلاقة بين الدولار والذهب من خلال تثبيت الدول لسعر صرف عملاتها مع وجود غطاء من الذهب والدولار القابل للتحويل إلى ذهب، وتحديدها لوزن معين من الذهب لوحداتها النقدية مع تبديل الأرصدة الذهبية بالدولار فقط. كما تم تحديد سعر صرف الدولار مقابل الذهب بقيمة 35 دولارًا لكل أوقية ذهب، وعندما توقفت الولايات المتحدة عن تحويل الدولار للذهب عام 1971، قامت دول أوبك بشراء الذهب الموجود فى السوق ما أدى إلى ارتفاع أسعار البترول والذهب. ثم تبع ذلك موافقة أوبك على تسعير البترول بالدولار عام 1975، وأصبح ضرورياً على الدول المستوردة امتلاك الدولار الأمريكى أولاً. لذلك يمثل الدولار الأمريكى أكبر دولة فى العالم لها كيان سياسى موحد مقارنة بمنطقة اليورو ذات الكيانات السياسية المختلفة.
ويرجع الارتباط القوى بين الذهب والبترول إلى أن ارتفاع الأخير يؤدى إلى تضخم الأسعار (لدخوله فى تكلفة أغلب المنتجات) وزيادة الطلب على الذهب وارتفاع أسعاره لكونه الملجأ الآمن عند التضخم وانخفاض قيمة العملات. كما يؤدى ارتفاع أسعار البترول إلى زيادة الدخل القومى للدول البترولية التى تسعى لتحقيق أعلى عائد من ثروتها الناضبة باللجوء إلى الذهب كثروة دائمة ووسيلة أكثر أماناً للاستثمار والاحتياط للمستقبل مقارنة بالمضاربات وشراء الأسهم والسندات. لذلك يعتبر ارتفاع أسعار البترول والذهب خير دليل على تراجع نمو الاقتصاد العالمى وحدوث الأزمات الاقتصادية.
ويرتفع سعر البترول عند انخفاض سعر صرف الدولار نتيجة لزيادة عجز الميزان التجارى الأمريكى، فيزداد طلب الدول المستوردة للبترول لارتفاع قيمة عملاتها مقابل الدولار، فيتزايد سعر البترول. 
أما عن علاقة الدولار بالذهب، يؤدى انخفاض سعر صرف الدولار إلى خروج المستثمرين من السوق الأمريكية ويبيعون ما يمتلكون من أرصدة دولارية بغرض شراء الذهب كملاذ آمن لمدخراتهم فيرتفع الطلب على الذهب وترتفع أسعاره. 
وقد أدت العلاقة العكسية بين الدولار وأسعار البترول والذهب إلى أن تصبح دولرة أسواق البترول أهم عوامل نجاح الاقتصاد الأمريكى، وذلك لاحتياج الدول المستوردة للبترول إلى الدولار لتسديد قيمة مشترياتها من الوقود، بالإضافة لاحتفاظ الدول المصدرة باحتياطياتها النقدية فى صورة دولار أمريكى وإعادة استثمارها فى الاقتصاد الأمريكى. لذلك نناقش فيما يلى إمكانية تطبيق عدد من المقترحات لإعادة تسعير البترول والذهب بهدف فك ارتباطهما بالدولار وتقليل الأزمات الاقتصادية العالمية.
 تسعير البترول والذهب باليورو والدولا: ويلاحظ أن المخاطر الناتجة عن تقلبات سعر صرف الدولار تشمل اليورو أيضاً، وتحكمها نفس العوامل السياسية والاقتصادية للدول المرتبطة بتلك العملات، ولا تستطيع منظمة أوبك التأثير على كل هذه العوامل. كما لا يتفق هذا الاقتراح مع مصالح دول اليورو، حيث يؤدى إلى زيادة تكلفة الواردات من البترول وارتفاع أسعار الذهب بسبب ارتفاع سعر اليورو.
 تسعير البترول والذهب وفقاً لسلة عملات: وهو صعب التحقيق عملياً لعدم قدرة الدول المنتجة على التحكم فى الآثار المترتبة على تغير أسعار صرف العملات.
تسعير البترول والذهب بوحدة حسابية: حيث يتم الاتفاق على سعر محدد لهذه الوحدة مقابل سلة عملات رئيسية. وعلى الرغم من وجود قبول عام لذلك الاقتراح، إلا أنه يتطلب موافقة الدول المنتجة والمستهلكة على آلية تنظيم طريقة حساب الوحدة الحسابية لتكون مقبولة من الحكومات والبنوك والهيئات وأسواق المال العالمية.
ونتيجة لأن المقترحات المقدمة لفك الارتباط صعبة التحقيق من الناحية العملية فى ظل الظروف الحالية التى يعانى فيها الاقتصاد العالمى من أزمات مالية واضطرابات فى عدة مناطق استراتيجية من العالم أغلبها مناطق غنية بالموارد الطبيعية، فإنه من المتوقع استمرار الارتباط بين الدولار الأمريكى وكل من البترول والذهب. لذلك يجب على كل دولة وضع السياسات الاقتصادية الملائمة لها لتخفيف الآثار المختلفة للتغييرات فى سعر صرف الدولار الأمريكى على اقتصاداتها.