الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مصر والسودان حتة واحدة

مصر والسودان حتة واحدة
مصر والسودان حتة واحدة




كتب - د.خالد وصيف

فى الأربعينيات قامت مظاهرة فى القاهرة ضد الإنجليز وهى تدعو للاستقلال ووحدة مصر والسودان، وأثناء مرورها بميدان عابدين رفع المتظاهرون شابا سودانيا كان يتعلم بالقاهرة وقد أخذته الحماسة وهو يهتف فوق الاكتاف: «مصر والسودان حتة واحدة» ويردد الآلآف وراءه: «حتة واحدة». وفجأة يشعر الشاب السودانى بيد تلمس جيب بنطلونه الخلفى بخفة وتسرق المحفظة التى كانت تحتوى ورقة بمائة قرش، فيصرخ الشاب فى الجموع: مصر والسودان ميت حتة. وتهتف الجماهير: ميت حتة.. ميت حتة. 
هذا نموذج للنكات التى يتبادلها المصريون والسودانيون على السواء. والتى تعكس العلاقة الخاصة التى تربط ما بين الشعبين. علاقة ممتدة فى اعماق التاريخ وتوثقت بنهر النيل الذى ربط بينهما بمصير واحد مشترك. لذلك بقدر فرحتنا بامطار هذا العام التى نأمل أن تعوض جفاف السنوات السابقة، فإننا نقف ونساند أشقاءنا السودانيين فى مواجهة الكوارث التى خلفها الفيضان وهو يشق طريقه لبحيرة ناصر. فهم الجار ذو القربى، والاقرب اجتماعيا وثقافيا للتركيبة المصرية من كل جيراننا.
وتقول كتب التاريخ أن مفاوضات الجلاء مع الانجليز التى استمرت خلال الفترة ما بين ثورتى 1919 و1952، كانت تبوء بالفشل، والسبب هو تمسك الجانب المصرى بوحدة وادى النيل. 
والدماء المصرية والسودانية مختلطة منذ سنوات طويلة. محمد نجيب أول رئيس مصرى بعد ثورة 1952 مولود فى السودان وخدم بها فترة من حياته العسكرية، كما أن جدة الرئيس الراحل أنور السودان كانت سودانية. 
وفى عام 2007 شاركت أنا ضمن وفد لوزارة الرى المصرية فى احتفالات مبادرة حوض النيل بتنزانيا، بمناسبة مرور عشر سنوات على إنشائها، وقد شارك الاخوة السودانيون بوفد كبير ضم عددا من خبرائهم الذين سبق لهم العمل فى مجال المياه، والتقيت واحدا من هؤلاء الخبراء الذى تجاوز الثمانين عاما وأخذ يتبادل معى حديثا ودودا طيبا عن مصر، فسألته: هل تعلمت فى مصر؟ قال: لا يا ولدى لكننى تعلمت أنا وجيلى من المصريين الذين أتوا للسودان.
وحينما أتت ساعة المغادرة تصادف أن الوفدين السودانى والمصرى سيستقلان طائرة واحدة، تقوم بترانزيت فى الخرطوم اثناء طريقها للقاهرة، وفوجئنا بأن هناك اتوبيسا كبيرا امام الفندق ينتظر الوفد السودانى ويدعوننا لمشاركتهم الركوب. إنه احد السودانيين المقيمين باوغندا الذى اراد مجاملة أبناء بلده فاستأجر اتوبيسا لنقلهم للمطار، وحينما علم بوجود المصريين فى نفس الفندق دعانا نحن أيضا لاستخدام الاتوبيس.
فى السبعينيات كانت هناك خطط طموحة للتكامل بين مصر والسودان فى جميع المجالات تباطأت وتيرتها بعد سقوط الرئيس جعفر نميرى ومقتل الرئيس السادات، وتبقى درس هام هو أن التكامل يتحقق حينما يقوم على أسس راسخة تنشأ من اسفل لأعلى، من الشعبين تحديدا وباختيارهما الحر، بدون ضغوط او تدخلات من النظم السياسية التى قد تختلف او تتفق. كما أن التكامل لا يعنى التطابق فى الرؤئ والسياسات، لا بد من افساح الصدر لمساحة اختلاف لتعطى مرونة تتيح للعلاقة أن تتطور وتستديم. خصوصا أن افساد العلاقة الاستراتيجية بين البلدين هو هدف قديم لكل القوى المتربصة بمصر والمنطقة العربية.
تحتضن السودان أكبر بعثة مصرية للرى فى دول حوض النيل، لدينا ادارة مركزية للرى المصرى تضم حوالى 45 مهندسا وموظفا وفنيا، وتوجد أيضاً بعثة رى سودانية فى مصر للتنسيق مع الجانب المصرى. كما زاد من ترسيخ هذه العلاقة بين الدولتين توقيع اتفاقية الانتفاع المشترك لمياه النيل فى نوفمبر 1959، تم على إثرها إنشاء الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل، وهى مسئولة عن التعاون الفنى بين البلدين وإجراء البحوث والدراسات اللازمة لمشروعات ضبط نهر النيل وزيادة إيراده، فضلاً عن استمرار الأرصاد المائية على النهر فى أحباسه العليا. 
وهناك بعثة مشتركة مصرية سودانية يتم ايفادها سنويا للابحار فى بحيرة ناصر للقيام باعمال بحثية مثل تحديد حركة الاطماء وحجم المواد المترسبة ونوعية المياه وأماكن نمو الحشائش وغيرها من الموضوعات الحيوية المرتبطة بالبحيرة وتدفق المياه اليها. 
وتوجد شركة للتكامل الزراعى بالنيل الأزرق فى مساحة 90 الف فدان، فى إطار زراعة تكاملية بالتركيز على الحبوب الزيتية، والتصنيع الغذائى، وتنفيذ مشروع اللحوم الاستراتيجى بين البلدين، ومشروع للاستزراع السمكى والإنتاج العلفى بولاية نهر النيل، فضلاً عن تنفيذ مشروعات حصاد المياه. بالاضافة الى مشروعات جديدة للتعاون الفنى مع دولة السودان تتضمن إنشاء سدود ترابية صغيرة لحصاد مياه الأمطار والفيضان، وعمل دراسة جدوى فنية لإنشاء سدود فى ولاية البحر الاحمر، وتدريب وبناء القدرات فى مجال إدارة المصادر المائية.
مصر والسودان دائما حتة واحدة وستظلان كذلك إن شاء الله.
خبير موارد مائية