الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

اكذب مرة.. واتركها تكمل الكذب

اكذب مرة.. واتركها تكمل الكذب
اكذب مرة.. واتركها تكمل الكذب




كتبها - عمرو على صالح

 

يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة «على ألا تتعدى 055 كلمة» على الإيميل التالى:    
[email protected]

قبل أن أضع يدى فى جيبى، لأخرج بعض النقود لشراء سجائر من أحد المحال بالقرب من مسكنى. لاحت لى فكرة وجدتها غريبة بعض الشىء.. وهى هل يمكننى أن أحصل على حاجتى بدون دفع أموال؟.. وابتسمت بالطبع ذلك لأنى كنت مفلسا أو على وشك الإفلاس. ليس فى جيبى إلا القليل جدا من المال، والمطلوب منى أكثر من المتوفر معي.. خذ مثلا قسط السيارة، وإيجار الشقة والمكتب.. بجانب مرتب الموظفة الوحيدة لدى. هذا بجانب العديد من المتطلبات النثرية الأخرى.
ويلح علّى سؤال دائم الحصار لعقلى.. من أين يحصل الناس على الأموال؟.. وأعود لأرد على السؤال بآخر.. ومن أين تحصل أنت على الأموال؟.. بل كيف حصلت عليها طيلة الفترة السابقة؟.. بالطبع لا تتذكر حاليا، وهذا طبيعى لمن هم فى مثل حالتك.. ففى ظل تلك الأزمات لن تتمكن من التذكر كما أنك لن تستطيع التفكير بالشكل الصحيح فى موضع كهذا والأزمات المادية تحاصرك من كل جانب.
قس على ذلك أنك تعيش مثل المطارد فالمكتب لا تستطيع دخوله إلا عند منتصف الليل.. والسكرتيرة لا تراها إلا وأنت تجلس على المقهى المقابل للمكتب، من بعيد وهى داخله العمارة، أو وهى خارجه منها.. ولا تتشاور معها وتشتكى لك ويعلو صوتها ويصل لحد الصراخ إلا عبر التليفون، أو ترسل لك رسالة بوسيلة أو بأخرى مليئة بأقسى كلمات اللوم.. أو السب.. وأنت على نفس الحال من التبلد والجمود.. ماذا جرى؟.. لم تركت الأمور تنحرف، أو تنجرف بك لهذا الحد؟.. حد الإفلاس الكامل لدرجة الخوف من كل وجه تراه أمامك.. وكل جرس يرن به هاتفك..بل وكل فكره تخطر ببالك سريعا تذكرك بموعد دين أقترب؟.. وأين الحل، وكيف الخروج من هذه الأزمة؟..اشتريت علبة السجائر بآخر ما تبقى معى من مال.. وتوجهت فورا إلى المكتب، لعلها تكون جرأه لم تعهدها السكرتيرة التى دهشت عندما رأتنى واقفا أمام مكتبها.. لم أفعلها منذ شهر تقريبا.. فقامت على الفور وجرت ورائى تتبعنى نحو حجرة مكتبى وقالت: أنت فين يا أستاذ؟، لعل السبب الوحيد الذى جعلنى أذهب للمكتب هو خاطر ما ربما يمنحنى بعض الوقت لو قمت بتنفيذه، ويجعلنى أستطيع تدبر أمرى من جديد وربما الخروج من أزمتي. وقلت: كنت بخلص شوية ورق.. ويبدو أنها لم تقتنع بما قلت فردت بشيء من الشك والضيق: أنا تعبت مع الناس.. كل يوم وعود وعود ومفيش حاجه بتتم.أنا زهقت يا أستاذ وعايزه أمشى.
- تمشى تروحى فين؟!..
فردت بشكل عملى لم أتحمله: اسيب المكتب، من فضلك أنا ليه شهرين مرتب، كانت محقه فيما تقول، وكنت أضعف من أن أواجهها لذلك قلت: أصبرى كام يوم كمان، وكنت أنتظر وقع كلماتى عليها، ولما وجدتها انجذبت لما قلت شجعنى هذا لأكمل الكذب وقلت
- فى قرض كبير من البنك قربت أستلمه وتتحل كل مشاكلنا
وبرقت عيناها ببريق غريب وقالت بحماس لم أراه فيها منذ زمن: صحيح يا أستاذ؟ كام؟، كام أيه؟، القرض؟، أه..كتير.. كتير قوى . ملايين، بجد؟، ولكنها عادت تقول بفتور اكتسى به وجهها بشكل مفاجئ أزعجني، ربما شعرت أنى أكذب عليها وقالت: بس أنت يعنى، وقبل أن أتركها تتمادى فى شكها - فهذا قد يضرنى كثيرا- قلت بلهجة حاسمة تنفى ما خطر ببالها: أنا عندى وسائل كنير أجيب منها الفلوس والقرض ده كنت ساكت عليه لحد ما أقدرت أخلص إجراءاته، وبعدها تتحل مشاكلنا زى ما قلت لك، ولعلى نجحت فيما ذهبت إليه فقد عادت لحماسها من جديد عندما قالت: يبقى فى الحالة دى تزود مرتبي، وقلت مغلوبا على أمري: حاضر، وتجيب فراش علشان يعمل الطلبات.. وقلت بإبتسامه باهته مستسلمه: طبعا، وتصرفلى أوفر تايم، أكيد، وبدا لى أن طلباتها لن تنتهى بسبب كذبه واحده . لقد أفرزت الكذبة الواحدة عدة طلبات.. فما بالك لو كانت أكثر من كذبه؟.. وقمت من على كرسى لأنهى هذا الحوار المكلف ما هو فوق طاقتي..وهممت بالانصراف لا أدرى إلى أين وماذا أنا فاعل.. لكن الذى حدث بعد ذلك أنى عدت فى اليوم التالى للمكتب فوجدت بواب العمارة يبتسم فى وجهى مرحبا،ويطلب منى أن أتصل بصاحبها لأمر ضرورى لا يحتمل التأجيل وهو الموافقة على عرضه لشراء الشقة بدلا من إيجارها.. والعقد جاهز. الأهم من كل ذلك أنه على استعداد لأن يصبر عدة شهور حتى أوفيه حقه من ثمن المكتب.. وعندما قابلتنى سكرتيرتى وجدتها مستبشرة وقالت بحماس شديد: الشركة صاحبة التوكيلات التجارية بالدور العلوى بتعرض عليك توكيل علامة تجاريه عندها.. ومستعدين يسلموك بضاعة المنتج الجديد، توزعها والدفع على أقساط.. وكمان اتصلت بصاحب معرض السيارات ولما عرف الحقيقة قالى أبلغك العرض ده . هو مستعد يمولك بعربيات تنقل البضاعة ويحصل أول قسط بعد شهرين.. أيه رأيك؟.. كنت مثل الذى يحلم . بل مثل الذى يحلم ثم أستيقظ فوجد حلمه يتحقق.كيف تم كل هذا؟.. ما السبب الذى جعل الدائنين يغيروا من سلوكهم تجاهى لهذه الدرجة؟..ما السر؟..وكانت الإجابة لديها، كما كانت كل هذه الحلول نتاج أفكارها.. كانت كذبه صغيره كذبتها عليها فقامت على الفور بنشرها فى محيط عملى وعملت على استغلالها لصالحي. فقط عليك أن تكذب مرة واحدة وأتركها تجّمل الكذب.