الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

زيارة شيخ الأزهر للشيشان

زيارة شيخ الأزهر للشيشان
زيارة شيخ الأزهر للشيشان




أحمد عبده طرابيك  يكتب:

زيارة شيخ الأزهر الشريف إلى جمهورية الشيشان يوم الأربعاء 24 أغسطس 2016، على رأس وفد رفيع شمل رئيس مجلس حكماء المسلمين، ومفتى الديار المصرية، ورئيس جامعة الأزهر، وعميد كلية أصول الدين، وعميد كلية اللغة العربية، للمشاركة فى مؤتمر يحمل اسم «من هم أهل السنة والجماعة» والاتفاق على تدريب وتأهيل الأئمة والخطباء الشيشانيين، ودراسة مِنَح الطلاب الوافدين للدراسة بالأزهر والبعثات الأزهرية فى العاصمة جروزنى.
يعتبر الشيشان من أقدم شعوب المنطقة، فقد قامت على أرضه ممالك قوية أهمها مملكة آلانيا والتى استمرت من القرن الثامن إلى القرن العاشر الميلادى، ويغلب على شعب الشيشان الطبيعة القبلية التى تعود إلى أصل عرقى واحد، فهم يتمسكون بعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم القومية التى توارثوها عبر تاريخهم الطويل رغم المحاولات المتعددة لمحو تلك العادات وذوبانها فى ثقافات الشعوب والقوى التى سيطرت على مناطق الشيشان بداية من اليونان والرومان والفرس والصينيين، وأخيرا الروس منذ أن بدأ القياصرة غزو القوقاز عام عام 1722، ثم تواصل ضمن الاتحاد السوفيتى إلى أن انتهى بالحكم الذاتى للشيشان ضمن روسيا الاتحادية حاليا.
دخل الإسلام إقليم القوقاز ومنطقة الشيشان من ضمنها بعد فتح بلاد ما وراء النهر، حيث استمر التواجد العربى الإسلامى حوالى خمسة قرون عرفت خلاله بلاد القوقاز حياة الاستقرار والازدهار المنقطع النظير، ومن ثم تتابع على حكم المنطقة السلاجقة ثم المغول والتتار، ثم الحكم العثمانى الذى سيطر على جنوب القوقاز ما عدا أذربيجان التى كانت تحت سيطرة الحكم الصفوى الإيراني، أما شمال القوقاز ومنها بلاد الشيشان، فلم تكن تحت السيطرة العثمانية المباشرة، بل كانت تحت نفوذهم فقط، حيث حصلوا على الحكم الذاتى مع التبعية للدولة العثمانية باعتبارها المرجع الدينى وحاملة لواء الخلافة الإسلامية.
ثار الشيشانيون على الحكم الروسى القيصرى مرات عديدة، وكذلك خلال الحكم السوفيتى رافضين لهيمنتهم ومحاولة طمس هويتهم، وحتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتى حاول الشيشان الاستقلال وإقامة دولة معترف بها، إلا أن روسيا رفضت ذلك وقمعت كل الأصوات المطالبة بذلك حتى حصلت على الحكم الذاتى ضمن روسيا الاتحادية، فكل تلك الأعمال من قبل الروس، إلى جانب الطبيعة القبلية الصلبة لدى الشعب الشيشانى جعلت أرض الشيشان أرضا خصبة لظهور التيارات المتشددة التى انتشرت فى كثير من بقاع العالم الإسلامى الملتهب أصلا من أفغانستان إلى ليبيا، مرورا بالعراق وسوريا وصولا إلى أوروبا.
أهداف زيارة شيخ الأزهر تتماشى مع الرسالة السامية للأزهر الشريف الذى يتبنى الوسطية الإسلامية فى رسالته الدعوية، ومن ثم يحظى الأزهر الشريف بمكانة مهمة لدى جميع شعوب ودول العالم الإسلامى بشكل عام، والمسلمين فى دول الاتحاد السوفيتى السابق بشكل خاص، فقد جاءت الزيارة لتحقيق هدفين فى غاية الأهمية، الأول : المشاركة فى مؤتمر يسعى إلى تعريف أهل السنة والجماعة التى أوصى الرسول الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - باتباعها وعدم الخروج عليها، فى وقت تدّعى فيه كل الطوائف والفرق المعتدلة والمتطرفة على حد سواء بأنها هى أهل السنة والجماعة ويجب على الجميع اتباعها.. أما الهدف الثانى للزيارة فهو لا يقل أهمية عن الهدف الأول، لأنه من صميم رسالة الأزهر الشريف، وهى رسالة التعليم والتدريب على نشر الوسطية السمحة التى غابت عن الخطاب الدينى فى كثير من بقاع العالم الإسلامي، فتركت مساحة واسعة لانتشار خطاب التطرف والتعصب المقترن بفتاوى التكفير والقتل والإرهاب، ورغم تأخر الزيارة كثيرا من الوقت إلا أنه من الجيد أن تتم فى مثل هذه الظروف التى يمر بها العالم الإسلامي، والتى يجب أن ترتبط بزيارات مماثلة لجميع الدول الإسلامية فى آسيا الوسطى والقوقاز وجنوب شرق آسيا وغيرها من المناطق المهمة فى العالم الإسلامى كمرحلة أولى، على أن تتبعها زيارات أو تواصل وتنسيق على أقل تقدير مع الأقليات المسلمة فى الدول الغربية.
المكانة الكبيرة التى يحظى بها الأزهر الشريف فى الدول الإسلامية التى كانت ضمن الاتحاد السوفيتى السابق تجعله يقوم بدور مهم فى العالم الإسلامى الذى أصبح كثيراً من دوله تعانى من الاقتتال الداخلي، وبات أكثر لاجئى العالم من الشعوب الإسلامية من أفغانستان إلى الصومال مرورا بالعراق وسوريا وفلسطين وليبيا واليمن وغيرهم، ومن ثم يستطيع الأزهر بعلمائه ومكانته وبتعاونه مع المؤسسات الدينية والإنسانية فى العالم الإسلامى إيقاف كل هذا النزيف من الدماء، ووقف حركة اللاجئين، وإنهاء خطاب التطرف والتكفير، لتعود بلاد الإسلام واحة للأمن والاستقرار والازدهار كما كانت أرض الإسلام دائما.