الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عماد عبد الوهاب يفتش خلف عوالم المسحورين وخباياها

عماد عبد الوهاب يفتش خلف عوالم المسحورين وخباياها
عماد عبد الوهاب يفتش خلف عوالم المسحورين وخباياها




حوار - سوزى شكرى

حين يخوض الفنان تجربة جديدة غير نمطية ومغايرة ومختلفة فى الموضوع والمعالجة التشكيلية والتقنية والشكل والمضمون ويأتينا بأعمال فنية صادمة بصريا بالتأكيد سوف تدهشنا تجربته وتدعونا للتأمل وقراءتها وطرح التساؤلات عن الدافع من وراء تلك التجربة.
بعنوان «زعفران» الذى أقيم قاعة «الباب» بالأوبرا يعرض الفنان د.عماد عبد الوهاب 18 لوحة تصويرية هى بحق مغامرة وجولة عميقة فى عالم المسحورين ، وما يعانيه المسحور من اضطرابات نفسية وسيكولوجية نتيجة تأثير كيانات الشر وشياطين العالم السفلى، مغامرة لا يخوضها إلا فنان صادق مع ذاته ويدرك أن التغير والتطور فى الفن يبدأ من الموضوع والمضمون والمحتوى ولا يعتبر التطور مجرد لهث وراء تقنيات ومعالجات لسطح اللوحات الفنية بدون هدف.
ذهب «عبدالوهاب»  بأدواته الفنية والوجدانية والإنسانية إلى عالم الأشخاص المسحورين، وكشف فى لوحاته عن حالة المسحور الذى اقتنع بأن أحداً ما  «سحر» له ليحدث به ضرراً  ليمنعه عن ممارسة حياته بشكل طبيعى، وعلى حد قول عماد عبد الوهاب «السحر أخطر الأمراض الروحانية.. عالم غامض مهما ادعى البعض أنه يعلم عنه كل شىء».
 لا يقتصر هذا العالم على الجهلة بل رواده من المثقفين الذين يتعاملون مع هذا العالم على اعتبار انه ثقافة وموروث شعبى يمارس من خلال طقوس سحرية لتخلص من السحر، ورغم ذكر فالسحر فى القرآن الكريم والعديد من الآيات القرآنية توصى بالتغلب عليه بالإيمان وليس بالذهاب إلى المشايخ.
لوحات «عبد الوهاب» تقترب من فكر السريالية الشعبية التى خاضها من قبل حامد ندا وعبد الهادى الجزار الذى ارتكز على الرموز السحرية، إلا إن «عبد الوهاب» قدم معالجة فنية معاصرة وتنوعات خطية وتقنية ومشاهد ولقطات لها مدخل فكرى وفلسفى وتشكليى مغاير تماماً عمن سابقوه، هو الكشف عن تأثير السحر على الإنسان، ومحاولة الإنسان فى التخلص من السحر وإبطال مفعول السحر كما وصفها المشايخ لإحدى المسحورين، أبسط الطرق المنتشرة برش الماء الذى يتخلله نبات «الزعفران»، وابتعد «عبد الوهاب»  فى لوحاته عن وجود رموز السحر.
 بعض اللوحات تصف التأثير الخارجى للمسحور الذى يرى أشياء لا يراها غيره وتوقظه من نومه فى صورة حلم مزعج كابوسى كرؤية حشرات سامة، ولوحات أخرى تعبر عن التأثير الداخلى الذى يطفوا ويظهر على جسم المسحور من الخارج كوجود آثار حول العين أو تغير ملحوظ فى شكل الملامح.
حول هذا العالم كان لنا حوار مع الفنان د.عماد عبد الوهاب وهو أحد نجوم جيل التسعينات وحول موضوعات أخرى عن مسار الحركة الفنية التشكيلية.
■ أثار معرضك «زعفران» جدلاً حول غرابة فكرته .. حدثنا فى البداية عن سبب اختياراك لهذا الاسم؟
- لم أقم بأى إعداد مسبق لعالم السحر قبل الرسم، لم أحدد الموضوع ولم أقرأ عنه قراءات ثقافية أو حتى دينية، ولم اختاره عمداً وقصدا بل وجدته كمثير يسيطر على لوحاتى منذ سنتين، موضوع معقد أثارنى بشكل إنسانى ولم أقرر التعبير عنه فى لوحات، بل حين أمسكت بالألوان خرجت على مسطح لوحاتى فى شكل شخصيات وحالات تعبر عن تأثير السحر على المسحور، كما شعرت وأحسست بها،إلى أن أصبح هذا العالم مشروع بحث تشكيلى يروادنى فى لوحاتى، أنا سكندرى المولد ومقيم فى القاهرة إلا أنى تقابلت فى احد زياراتى للريف مع بعض الشخصيات وحدثونى عن عالم السحر والجن وأفعاله لدرجة أن البعض فى الريف يخشى أثناء مروره فى الشارع أن يدوس بقدميه على مياه مرشوشة على الأرض اعتقاداً أنها قد يكون احد وضع فيها سحراً.
سمعت فى الريف قصص كثيرة عن تأثير السحر صدمت من الفكر المسيطر عليهم أن اى ضرر يحدث لفرد  يرجعونه لوجود السحر والحسد، ابتعدوا عن قبول الأقدار النصيب واقنعوا أنفسهم بوجود شخص ما له مصلحة يحاربهم بالسحر، ووجدت الأغلبية من أهالى القرية مؤمنين بآراء الشيوخ الذين يدعون بفك السحر أو كما يصفونها « فك الربطة « المربوط هو شخص تم تقييده بالسحر.
 السحر موروث ثقافى فى كل الأحياء الشعبية بل موجود أيضا  فى الأحياء الراقية بحسب قناعات الأشخاص، ولكن بعضهم قد يكون مرضى نفسيين أو يعيشون وهماً لحالة ما، وفى حاجة إلى علاج نفسى، السحر اخطر الأمراض الروحانية عالم غامض بأسراره مهما ادعى البعض انه يعلم عنه كل شىء، ومعرضى انتقاد لعالم السحر وأفعاله وتأثيره السىء والسلبى على الإنسان والإنسانية.
■ لماذا اخترت المرأة كعنصر اساسى فى لوحاتك؟
- المرأة ليست فقط بطلة لوحاتى بل بطلة الحياة بأكملها، وليست نصف المجتمع بل مرآه المجتمع، اختارى لها  لأنها كائن حساس ورقيق يحكمها فى اغلب الأمور مشاعرها،  تتعرض دائما للضرر من السحر، سواء كان هذا الضر وهماً إلإ انه يصبح يقينا لديها بربطها بعض الأحداث ببعضها، أو قد يكون ضرر حدث عمدا بفعل السحر،  بحسب قناعاتها وظروفها الاجتماعية، والمرأة لديها دائما ما يجعلها تتحدث عن الحسد مثلا أن شخصية ما تحاول ان تفرق بينها وبين زوجها بالسحر، ولكن الرجل نادرا جدا ما يقول انه «محسود»، وهذا ليس تقليلا من المرأة بل لأنها جميلة تخشى على جمالها من الحسد، ولو مراه متفوقة ومتألقة فى مجال ما تخشى مما يحاول إحباطها وترجع أيضا الأوضاع السيئة إلى فعل المؤامرة بالسحر.
■ أغلب مشاهدك للوحات تعبر عن المرأة عارية تجلس وسط أدوات خاصة تحاول التخلص من تأثير السحر عليها، فمن أين أتيت بهذه التصورات؟
- بالتأكيد هن يشعرن بوحدة من تأثير حالة الاضطراب والوسواس الذى أصابتها من واقع تخيلاتها بوجود شخص ما يحاول إيذائها، سواء اختلافنا مع الفكر أو اتفقنا فهى حالات موجودة، مشاهد جلسوها وحدها عارية ومعها نبات الزعفران وتساقط المياه عليها كما وصف لها أحد الشيوخ للتخلص من فك السحر، هذه المشاهد من تصوراتى الخاصة لمن يقع تحت تأثير السحر سواء إمرأة أو رجل.
المرأة المسحورة تعانى من الوحدة والشك والخوف وفقدان القدرة على المقاومة، ولم افتعل إخفاء الأذرع من الشخصيات بل أجد إخفاءها مكمل للمضمون فكرة ربط الشخصيات وتقيد حريتها بالسحر، كما انى لم أقدم الجسد العارى بابتذال أو إثارة بل جسد يتألم من ما إصابة من فعل السحر، وتشكيليا استخدمت تنوعات الخطوط فى التعبير عن» المياه» بشكل تنقيط  والفراغات ومساحات لونية لمجموعة لونية تقترب من الوان طلاء بيوت الريف العتيقة المحملة بالقصص والأساطير، فهى معالجة فنية معاصرة، اكتفيت بالتركيز على وصف الحالة ولا اشغل ذهن المتلقى بعناصر أخرى كرموز السحرية مثلا، لان الرموز موجوده بالفعل بأعماق الشخصيات وليس بالضرورة رسمها.
■ أنت من جيل التسعينيات فما هو رأيك فى فنانى جيلك؟
- أنا محظوظ انى من جيل التسعينيات واحيهم جميعا «شكرا لجيل التسعينيات» لأنه الجيل المتواجد على الساحة التشكيلية اليوم ومتصدر المشهد الفنى بتألق، نحن جيل محظوظ بوجود قيادات سابقة فى وزارة الثقافة تؤمن بدور الشباب بالتغير، فترة وجود الفنان فاروق حسنى والعملاق الفنان والناقد  أحمد فؤاد سليم الذى منحنا مساحة كبيرة من حرية التعبير وطرح الأفكار الجديدة الحداثية وكان يقام ورش فنية قبل صالون الشباب، صالون الشباب الفعالية التى انطلقنا منها بدعم جيل من الفنانين الكبار قدموا لنا الدعم،  شاركت فى صالون الشباب فى معظم الدورات وحصلت على جائزة أولى (الهرم الذهبى) فى الصالون 16، وجائزة منحة الإبداع بالأكاديمية المصرية للفنون بروما التى على تقلصت اليوم فترتها من سنة ونصف إلى 6 شهور ولم تعد بنفس الاستفادة للفنان.
كنا جيل لا يشكو ولا يشكك حين يرفض عمله الفنى بل يجتهد للمشاركة القادمة، مقارنتا بالشباب اليوم الذى يقدم عمل فنياً يتماشى مع الهوية الفنية للقوميسر وهذا خطأ فى حق الفن وحق أنفسهم،الصراع للحصول على جائزة أصبحت أهم من الفن، ولو ان الجائزة ليس مقياسًا انه فنان،  سوف يكمل طريقة، فكم من فنانين حصلوا على جوائز واختفوا من المشهد ولا نعلم عنه شيئًا، وأيضا بعض من حصلوا على جوائز لم يستطيعوا استكمال مسيرتهم بنفس المستوى، ورغم كل ذلك قدم صالون الشباب فى دوراته الأخيرة فنانين أتوقع لهم مزيدا من التألق مثل النحات كمال الفقى والفنان التشكيلى احمد صابر.
 صالون الشباب فى بدايته أغضب جيل الثماينيات الذين لم يجدوا الفرصة الكافية لتقديم تجاربهم مما أدى إلى عزوف بعضهم من المشاركات اعتراضا على أعمال الشباب، ومع ذلك وجود فنانين كبار دعموا التغير مثل احمد فؤاد سليم الذى كان يتابع الشباب ويمنحهم اكبر فرصة فى إقامة معرض فردي، وطرح أسماءهم وترشحيهم لتمثيل مصر.
 وأيضا الفنان فاروق وهبه الأستاذ القدير الذى تعلمت الفن على يده فى اتيليه الإسكندرية ومن قبل دخولى كلية الفنون كنت متواجد فى اتيليه الإسكندرية، وهذه احد أزمات اليوم بالنسبة للشباب عدم اقتناع الشباب الحالى بوجود  «أستاذ « يحتوى تجربته ويقدمه بل عدم قناعاته بأهمية الكبير صاحب الخبرة.
جيل التسعينيات حرك المياه الراكدة فى الحركة التشكيلية جيل واعى منهم أيمن السمرى عادل ثروت جورج فكرى عماد أبو زيد إبراهيم الدسوقى إسلام زاهر شادى النشوقاتى وآخرون وفنانات أيضا هند عدنان ريم حسن إيمان أسامة وغيرهم كثيرا جدا.
■ كيف ترى المعرض العام هل لازال يحتفظ بأهميته كما كانت بدايته متاحة لجيل الشباب والكبار؟
- لذلك أكررها اننا جيل محظوظ جدا شاركنا فى المعرض العام قبل أن يكون من شروطه السن، المشكلة تتمثل فى وجود ( الدعوات – واستمارة المشاركة – ورفض الأعمال ) وكلاهما أصبحت أزمة مع الفنانين، بالنسبة للدعوات زمان كانت مخصصة للفنانين الكبار أصحاب المسيرة التى تقدر وتحترم، أما فى السنوات الأخيرة الدعوات ذهبت لأسماء كثيرة، جعلت الكبار يبتعدون عن المشاركة حتى وان وجهت لهم دعوات، وبدأنا نرى فى المعرض العام تجارب فينة غير واضحة الملامح.
مشاكل المعرض العام اعتبرها رد فعل لارتباك المشهد العام فى مصر وتكمن فى تغير القيادات، كم تغير رئيس قطاع الفنون وكم تغير وزير الثقافة، وكل قيادة ومسئول يأتى بقرارات جديدة بحجة إعادة الهيكلة، وبسبب هذه الحجة اخطئوا فى حق الكفاءات الهامة فى قطاع الفنون التشكيلية، التى أخيرا عادت بكل طاقتها الإيجابية وانتظر منهما الكثير لمصلحة الفن والفنان، وأكثر من يسعدنى أن من يدير قطاع الفنون التشكيلية الفنان د.خالد سرور فهو من جيل التسعينيات وغيور جدا على الفن وعلى حق الفنان ويعلم كل شيء عن أزمات الفن، ويواجه عراقيل ومعوقات لكنى واثق انه سوف يكمل، وأفضل أن المعرض العام يقام كل عامين وليس كل عام بما أن يطلب من الفنان تقديم أعمال آخر عامين، وأيضا عودة المعارض النوعية التى أراها أهم من المعرض العام المعارض النوعية سوف تحدد أين نحن فى كل تخصص فنى على حده، وتخدم نقاد الفن فى التقييم ومتابعة الحركة بشكل أفضل.