الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«المحدال»

«المحدال»
«المحدال»




د. على الشامى يكتب:


هل نحن مقصرون؟ و ما أوجة التقصير؟ الإجابة على هذين التساؤلين هى محتوى كتاب المحدال. «المحدال» تعنى «التقصير» فى اللغة العبرية، والكتاب الذى صدر فى إسرائيل – حاملا ذلك العنوان -  عقب هزيمتهم فى معركة السادس من أكتوبر – الغفران – هزيمة كسرت ذلك الوهم الذى حاول الصهاينة ترويجه بعد حرب الايام الستة – يونيو 67 – عن الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر هو محاولة للفهم لماذا كانت الهزيمة؟
بالطبع اللغة المكتوب بها ذلك الكتاب حملت حزنا وذلا وانكسارا وجلدا للذات على تلك الهزيمة المُرّة، لكن الأهم أنها حملت هذا السؤال: ما التقصير الذى دفع بنا إلى هذه الهزيمة النكراء؟ وطوال الكتاب كانت محاولات الفهم.
«شاهدنا الحرب، شاهدناها تقترب ولم يصدق الكثيرون منا أنها ستقع، وقد حذر اخرون منها وتمنوا ألا تصدق تحذيراتهم» بهذه الكلمات تبدأ الرحلة عبر الكتاب الذى كتبه سبعة من الصحفيين الاسرائيليين، كانوا مراسلين عسكريين زمن الحرب على الجبهتين المصرية والسورية، دونوا انطباعاتهم وتجاربهم فى تلك المرحلة الحرجة زمن الحرب.
يبدأ المؤلفون السبعة الكتاب بمعنى ملفت أن البعض - ومنهم المؤلفون أنفسهم - ساهموا ربما بوعى أو بدون وعى عن عمد أو بغير قصد فى إشاعة الطمأنينة والاستخفاف بالعدو والاعتداد بالنفس - على غير حق بالطبع – والأهم من ذلك كله تجاهل الواقع الحياة فى أوهام وهذيانات عن الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر، نتوقف هنا قليلا عند هذا المعنى الرهيف، فالمؤلفون يرون أن الاعتداد الزائد بالنفس او لنقل الغرور بمعنى اكثر وضوحا، هو عمي، وهو مرض عضال، ويقولون ايضا أنهم أصيبوا بهذا المرض، وخطورة العمى أنه لا يحجب عنك القدرة الحقيقية للعدو، وإنما يحجب عنك التصور الواقعى لقدراتك الشخصية التى ستواجه بها هذا العدو، فتختلط التصورات وتضيع الحقيقة وتحدث الهزيمة وهو ما حدث بالفعل فى حرب أكتوبر، ولكن يستوقفنى هنا على الضفة الأخرى من أعدائنا هل قصّرنا؟ هل اصاب بلادنا هذا العمى مرات عديدة ولم نستفق العمى الذى أصاب أعدائنا مرة واحدة فانتفضوا؟ الإجابة هى للأسف نعم.
فحرب اكتوبر المجيدة - انبل الحروب واشرفها فى العصر الحديث – كانت تصحيحا لخطأ عظيم هو حرب الأيام الستة، كما يسمونها، أو النكسة كما نهوى أن نطلق عليها، الحقيقة أن هذا الغرور، غرور القوة الذى أصاب العرب، هو ما ادى بنا الى هذه الكارثة المروعة، والأخطر أننا نمارس هذا التقصير إلى يومنا هذا بينما يستفيد عدونا الأول – الكيان الصهيونى – بانعدام الرؤية الى ابعد مدى.
وبهذه المناسبة يحكى أحد فصول الكتاب قصة لطيفة ذات مغزى تحت عنوان «لهم عيون ولا يبصرون بها!» حكاية عن عميل سوفيتى، هو اهم العملاء السوفييت فى المانيا على الإطلاق الذى ظل يرسل رسائل تحذيرية أثناء الحرب العالمية الثانية عن قرب هجوم هتلر على الاراضى الروسية، بينما يضعها المسئولون فى خانة معلومات غير مؤكدة حتى تم الهجوم فعلا! ويتساءل الكتاب أنه إذا ما كانت معاهدات الصداقة بين الروس والالمان هى التى تدفع المسئولين الى هذا العمى وعدم تصور هجوم النازى على الأراضى الروسية، فما الذى يدفع إسرائيل الى هذه الثقة المطلقة فى أن العرب لن يهاجموها؟ وما الذى يدفعهم الى هذه الغطرسة المفرطة فى ظل العداء بل وحالة الحرب المستعرة بين الطرفين؟ مما يدفعنا نحن أيضا - بالضرورة - إلى تبنى نفس السؤال، ما الذى يدفع البعض فى زماننا هذا إلى الاطمئنان لعدونا الرئيسى إسرائيل، وعقد سلام دافىء مع ثعابين الصهيوينة، وما هذا الاطمئنان الغريب للدخول فى جحر الثعابين؟ سؤال يستحق التفكير و ربما نجد اجابته، ربما، من يدرى؟