الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

39 عاما على رحيله و 123 على مولدهالاحتفال بـ« عميد الأدب العربى» يحتاج ميزانية.. لا تملكها المؤسسات




بالرغم من قيمة طه حسين الفكرية والعلمية، لم تبد أية مؤسسة أو جهة ثقافية أو علمية نية إحياء ذكرى وفاة «عميد الأدب العربى»، بعد مرور مائة وثلاث وعشرين عاما على مولده، و39 عاما على وفاته فى الثامن والعشرين من أكتوبر، عن رؤية بعض المثقفين الفاعلين فى المشهد الثقافى لهذا التعتيم فسر الدكتور محمد عبدالمطلب أستاذ النقد الأدبى بآداب عين شمس هذا التجاهل لذكرى عميد الأدب العربى قائلا: إن الجهل الثقافى السائد الآن لا يحتفى بطه حسين، بل إنه رافض لطه حسين، خاصة حين نشر كتابه «فى الشعر الجاهلى»، وبرغم أنه عدل كتابه إلى «الأدب الجاهلى»، وحذف منه بعض الأمور التى اتهم بسببها بالإلحاد والكفر، ظل الموقف من طه حسين رافضا له ولثقافته رغم أنه قدم فيما بعد مؤلفات إسلامية منها «الوعد الحق» و«على وبنوه» و«عثمان وبنوه» إلا أنها لم تشفع له ما كتبه «فى الشعر الجاهلي»، ومن ثم تعمد إغفال هذا الكاتب العظيم ولإغفال جهوده العظيمة، ففى رأيى أنه غيّر وجه النقد فى العالم العربى ونقله من مجرد الشرح والتفسير إلى التحليل والتأويل وكشف الظواهر.
 
 

 
أردف عبد المطلب: أظن أن الطائفة المستنيرة فى الثقافة العربية والمصرية عليها دور مهم فى أن تحيى ذكرى هذا الكاتب العظيم وأن تعيد له حقه فى تصدر المشهد الثقافى وكتبه ومؤلفاته الثقافية والتعليمية، والمؤسف أن هناك جانبا كبيرا من مسيرة طه حسين لم تسجل، وقد روى لى أستاذى الدكتور مصطفى ناصف أحد الملاصقين لطه حسين بعضا من هذه السيرة التى تقدم صورة مشرقة عنه، بل إننى أذكر حين زرت تونس فى تسعينيات القرن الماضى للاحتفال بالمفكر التونسى محمود المسعدي، قال لى المسعدي: «أنتم ظلمتم طه حسين بتلقيبه عميد الأدب العربي»، قلت له «وماذا تقترح؟ قال: «عميد الثقافة العربية» ...طه حسين لم يكتب فى الأدب وحده بل فى التعليم والتربية أيضا، مما يجعله أهلا لهذا اللقب العظيم، وأحب أن أوضح أن المسعودى هو مفكر تونسى مهم جدا فهو أول من قدم الرواية التونسية خاصة روايته «السد» التى علق عليها طه حسين قائلا: «المسعدى جعل الوجودية تسلم على يديه!»، وللمسعدى أيضا مؤلفات عن الإيقاع اللغوى والثقافة التونسية والتعليم التونسى تضعه فى مصاف كبار المثقفين العرب.
 
وكشف عبدالمطلب عن أنه سينشر قريبا مقالة عن جانب من السيرة الذاتية لطه حسين التى حكاها له الدكتور مصطفى ناصف، والتى تتصل بموقفه من الطلبة الفقراء وبموقفه من الطلبة الذين اعتدوا عليه، وبموقفه من أمه، وبموقفه من أحمد شوقي، وغيرها من الأمور التى لم تسجل عن طه حسين.
 
ويقول الدكتور حسين حمودة أستاذ النقد الأدبى بآداب القاهرة: طه حسين صاحب مشروع تنويرى حقيقى جدا ومبكر جدا، ومنذ نهاية الثلاثينيات طرح ببصيرة نافذة مشروعا كبيرا لإصلاح التعليم فى مصر، لايزال صالحا لإصلاح تعليمنا حتى الآن، وأكثر من ذلك راهن على إبعاد كان يمكن أن تنقذ الثقافة المصرية والهوية المصرية من انجرافهما إلى ما يسمى الغزو الوهابي، وأقصد بذلك كله مشروعه الكبير الذى تمثل فى كتابه «مستقبل الثقافة فى مصر» الصادر عام 1938م.
 

 
من نهايات الثلاثينيات وحتى الآن ابتعدنا كثيرا عن تصورات طه حسين لأسباب لا مجال للخوض فيها الآن ولكنى أتصور أن هذا الابتعاد كان متعمدا ومريبا، وتدخلت أطراف كثيرة فى تأكيده وتعميقه، وأتصور أيضا أن هذه الأطراف التى كانت محدودة القدرة فى فترة ما أصبحت الآن تمتلك قدرات أكبر وحضورا أوضح ثم أتصور أنها هى نفسها التى سعت وتسعى إلى المزيد من استبعاد طه حسين وربما نفيه إن استطاعت، هذا كله يشير إلى أن مشروع طه حسين أصبح غير مرغوب فيه وإذا سلمنا بهذا فسوف نفهم ببساطة لماذا يغيب طه حسين أو تغيب ذكرى ميلاده ووفاته عن الاحتفاء الذى يليق به.
 
 

 
فى حين يرى الدكتور يسرى عبدالله أستاذ النقد الأدبى بجامعة حلوان: تمثل استعادة طه حسين استعادة لقيم الثقافة الوطنية المصرية، فطه حسين هو أحد أهم رموز الاستنارة فى مسيرة العقل المصرى والعربى ومحاولة تغييبه عن المشهد الراهن تغييب لقيم التقدم والاستنارة والحداثة والإبداع، وهذا فى رأيى مرتبط بسياق سياسى وثقافى محاصر ومقموع من قبل جماعات الضغط الجديدة والممثلة فى تيار الإسلام السياسي، خاصة أن طه حسين نفسه قد خاض معركة ضارية من قبل مع القوى الرجعية فى المجتمع بشأن كتابه اللافت والمهم «فى الشعر الجاهلى» لقد أسهم طه حسين فى صياغة العقل والوجدان العربي، وقد مثلت كتاباته الأدبية والنقدية والفكرية المختلفة أساسا لتصورات جديدة فى زمنه عن العالم والأشياء، فطه حسين يجب أن يقرأ فى سياقه التاريخى لنكتشف كم هو رائد ومجدد وفريد فى آن، أشير أيضا إلى كتابه المهم «مستقبل الثقافة فى مصر» والذى يعد تعبيرا عن الانتصار لكل قيم التقدم التى تنهض بها الأمم بحق، إن عدم تفكير القائمين على الثقافة المصرية من المسئولين «ومعظمهم من رجال مبارك» فى مجرد الاحتفاء بقيمة كبرى مثل طه حسين يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنهم جزء من أى نظام استبدادى سواء أكان دينيا أم سياسيا.
 
الدكتور طارق النعمان الأستاذ بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة والمشرف على الإدارة المركزية للشعب واللجان بالمجلس الأعلى للثقافة أوضح أن الأعلى للثقافة لم ينس الدكتور طه حسين إنما أزمة عدم الاحتفال بذكراه نتيجة لضعف ميزانيات المجلس حاليا التى يحاولون جاهدين أن تتناسب والفعاليات القائمة بالمجلس، خاصة أن الاحتفال بطه حسين لابد له من إعداد جيد يليق به وليس مجرد ندوة لمدة يوم واحد.