الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ذكرى الحبايب حب

ذكرى الحبايب حب
ذكرى الحبايب حب




مديحة عزت تكتب:

إلى سيدة الصحافة أستاذة أساتذة الصحافة والصحفيين فاطمة اليوسف بمناسبة قرب عيد ميلاد «روزاليوسف المجلة» التى كانت تعتبره عيدا لميلادها.. أهدى هذه الأبيات التى كتبها دكتور سعيد عبده لأول عيد ميلاد المجلة:
دنيا الصحافة ياروز أنت باريزها
أنت الصبية الحليوة من عواجيزها
غنى القلم يوم ميلادها والورق زغرط
يا مدرسة كلنا كنا تلاميذها
وإلى روزاليوسف الفنانة كتب بيرم التونسى:
وروزا تمثيلها الفنى
يملأ عينى ضى
رحم الله الجميع، ومن الذكرى تزاحمت الذكريات مع أستاذتنا العزيزة الست روزاليوسف كما كانت تحب أن نناديها لتعيد لذاكرتها أيام الفن. وقبل أن أدخل فى الذكريات مع عظيمة الصحافة التى لم أحب بعد أمى أما غيرها.. كانت أغلى عندى من جدتى لأمى وجدتى لأبى.. كانت ترتاح لى وأرتاح معها.. كنت ألتقط ما تريد أن تقول قبل أن تنطق وكانت تقرأ ما فى نفسى مجرد أن نلتقى.. كان فرق السن بيننا كبيرا ولكن كان التفاهم قريبا جدا، صادقتها كما لم أصادق أحدا قبلها ولا بعدها، كانت تنادينى بـ«يا تلميذتى النجيبة» علمتنى الكثير واختصتنى بأدق أسرارها وذكرياتها، كانت ترتاح وتسعد كثيرا فى إعادة الماضى.. كانت تقول من لا ماض له ليس له مستقبل.. ماضى الإنسان تاريخه الذى يستفيد منه المستقبل.. كانت تطلب منى الاحتفاظ بكل ورقة مكتوبة حتى لو كانت كارت معايدة.. كانت تقول كل كلمة لها وقت نرجع لها عند اللزوم حتى من باب الترحم على كاتبها.
ونرجع لصاحبة السيرة.. سيدة المسرح والصحافة فى أهم زمن من تاريخ مصر الحديث ونبدأ من طفولة صاحبة السيرة وقد تكون خافية على الكثيرين من أبناء هذه الأيام.. وقبل أن أسرد أذكر لكم أننى عرفت هذه الأسرار وهذا التاريخ يوم جاءت إلى دار «روزاليوسف» ومعها صندوق كبير وبدأت تطلب منى قراءة كل ورقة بعد ورقة ثم تطلب منى الاحتفاظ بكل هذه الأوراق حتى أسلمها لابنها أستاذنا أحسان عبدالقدوس فى الوقت المناسب ولما سألتها يعنى امتى الوقت المناسب قالت وهى تضحك بعد عمر طويل يا عبيطة. ولما وجدت التأثر على وجهى وأنا أقول لها بعيد الشر، قالت كلنا هنموت لكن هناك فرقا فيه ناس تموت وتنتهى وناس زيى تموت وتعيش بسيرتها وتاريخها.
عزيزى القارئ.. هل وعيت الحكمة من الست.. وكان من بين الأوراق شهادة ميلادها وتاريخ مولدها «1888».. ثم بدأت تحكى لى فى هذا العام ولدت طفلة جميلة فى مدينة «طرابلس» بلبنان من أبوين مسلمين أطلق عليها اسم «فاطمة» ولكنها لم تعرف اسمها الحقيقى إلا حين كبرت فقد كانت تسمع الجميع ينادونها «روز».. وتحكى الست أنها لما كبرت أحسست أن والدى يعاملوننى بقسوة لا تصدر عن أب وأم لم أسمع منهما كلمة حلوة أو ابتسامة وبدأت اسأل مربيتى كثيرا وكانت تبكى فقط حتى كان يوم جاء صديق العائلة وطلب منهما أخذى معه لأنه قرر الهجرة إلى البرازيل فوافقوا فورا.. وتحكى «الست» يومها بكت وسألت مربيتها.. كيف يتنازل أبواى عنى لهذا الصديق يا داده؟ بكت وقالت لها يافاطمة هذان ليسا أمك وأباك.. وكملت المربية.. «خديجة» يا فاطمة لقد ماتت أمك السيدة جميلة عقب ولادتك وسافر أبوك «محمد محيى الدين اليوسف» إلى «أسطنبول» لتجارته الواسعة بين لبنان وتركيا وكان رجلا كريم الأخلاق وكان من أصل عثمانى وكثير السفر ولم يكن فى وسعه أخذنا أنا وأنت معه فتركنا عند الجيران بشرط أن أكون معك ويدفع لهم شهرية ولما كان الجيران أقباطا كان اسمك فاطمة نشازا لذلك أطلقوا عليك اسم «روز» أما اسمك الأصلى «فاطمة محمد محيى الدين اليوسف» وليس «روزاليوسف».
هذه المختصرة من الكثير الذى اختصتنى به حتى يتأكد أصل سيدة المسرح والصحافة «فاطمة اليوسف» واسم الشهرة «روزاليوسف» طبعا كانت بدايتها كما حكت لى فى مصر عندما اصطحبها صديق العائلة فى رحلته إلى البرازيل.. تسللت الطفلة فاطمة اليوسف من الباخرة فى الإسكندرية، لتبدأ الطفلة ابنة السبع سنوات فاطمة اليوسف.. لتبدأ حياة وأمجاد سيدة صنعت من نفسها سيدة على كل مجال تعمل فيه.. عملت بالمسرح بدأت كومبارس نطقت بثلاث كلمات «ومنى هذا الخاتم» فى مسرحية نابليون.. وأنهت عملها بالمسرح بلقب سارة برنار الشرق وسيدة المسرح العربى روزاليوسف.
ثم بدأت الصحافة يوم أن كانت تجلس فى محل حلوانى وكان معها الأساتذة محمود عزمى وزكى طليمات وسعيد عبده وأحمد حسن.. وتقول رحمها الله لابد من وجود مجلة تدافع عن الفنانين.. مجلة سأصدرها أنا وعندما بدأ الأصدقاء اختيار اسم للمجلة قالت مجلتى «روزاليوسف» وقالت ترقبوا معى كما تترقب الأم مولود المقبل «روزاليوسف المجلة».
هذا قليل من ذكريات كثيرة عرفتها منها وعايشتها مع ذكرياتها الكثيرة.. أما ما رأيته منها شخصيًا أنها كانت عبارة عن مجموعة من المتناقضات لا يمكن أن تجتمع فى شخص واحد فهى فى عملها عنيفة عاصفة صوتها الرفيع يرتفع ليزلزل مكاتب المحررين وعنابر المطبعة قوية إلى حد القسوة جريئة إلى حد التهور لا تخفى رأيًا صريحا ولا توارى غضبا ومع ذلك كانت صاحبة قلب طيب ينشر الحب والسلام بعيدًا عن العمل هادئة عطوفة حنونة خيرة تساعد أولاد وعائلات كل من كانوا يعملون معها فى المسرح كانت تأخذنى كل شهر لتوزيع عليهم الشهرية.
كانت سيدة الصحافة فاطمة اليوسف مؤمنة بعمل المرأة لذلك كانت ترحب بعمل البنات معها فى الصحافة أو فى التمثيل وقد آمنت برسالة قاسم أمين وتعاليمه حتى عندما نزل بها قضاء الله دفنت إلى جواره فى مدفنه كأى تلميذة تؤمن بزعيم وتراه أمينا بالصحبة الطويلة فى عالم الخالدين.
وأخيرًا..
 هذه تحية تقدير واحترام إلى سيادة رئيس مباحث قسم عابدين الرائد حسام العشماوى ورجاله المحترمين إليهم ألف شكر على اهتمامهم بسكان العمارات التابعة لقسم عابدين وخصوصًا كبار السن.. شكرًا يا قسم عابدين!
وآخيرًا إلى العزيزة أستاذتنا سيدة الصحافة والذين معها من الحبايب والزملاء والأقارب فى رحاب الله قول عمر الخيام.
يا ترى كم فيك من جوهر
يبين لو يبين التراب
قد عصف الموت بهم
فانطوى تحت التراب
نفسى خلت من الناس تلك الصحاب
وإليكم الحب كله
وتصبحون على حب.