الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

فى ذكرى محيي الدين اللباد صانع الكتب ورب الريشة والقلم

فى ذكرى محيي الدين اللباد صانع الكتب ورب الريشة والقلم
فى ذكرى محيي الدين اللباد صانع الكتب ورب الريشة والقلم




إعداد – مروة مظلوم


تختلف نظرتنا للحياة باختلاف الزاوية التى ننظر منها إليها.. ولأن نظرة الفنان للحياة أعمق من غيره فهى أشبه بمشاهد منفصلة بما تحويه من جمال أو قبح، ثورة غضب وتأمل.. كلها مشاعر تستنفر ريشته لتسجلها.. وكلما كانت خطوطها عفوية يغلفها الصدق.. كانت أكثر إبداعاً.. ومن أكثر إبداعاً من طفل ضل حلمه بداية الطريق، من قيادة الترام إلى قيادة الريشة ليطلق عليه أبناء جيله «رب الريشة».. هو الفنان الراحل محيى الدين اللباد، أحد أهم أقطاب فن الكاريكاتير فى مصر فى الفترة التى عمل بها بمجلتيّ روزاليوسف وصباح الخير الذى تمر هذه الأيام ذكرى وفاته.. نرصد من خلالها حياته الحافلة بعدة ألقاب استحقها عن جدارة.
 كشكول «اللباد» طفلاً
«رب الريشة» لم يكن لقبه الأول الذى منحه له الناقد الأدبى الراحل د.على الراعى وإنما لقب أيضاً بلقب «صانع الكتب»،  إيمانه بالذاكرة البصرية للإنسان جعله يحفظ صوراً من حياته فى كشكوله الخاص «كشكول الرسام» وقسمها إلى تذكارات صغيرة عن تذاكر الترام وبطاقات البريد العتيقة التى قد تبدو ساذجة فى نظر البعض، لكنها تحيى الذاكرة وتبث الحياة فى الأيام الماضية، وهل الأهرامات وأبو الهول إلا تذكارات من زمن بعيد، حتى حلمه القديم لم ينسه فى فصول كشكوله،  فقد سجل حلم الطفولة بالعمل كسائق للترام ـ ذلك الوحش العملاق المهيب ـ، وعن فقدان الحلم والتحول إلى مجرد رسام يمكنه أن يرسم نفسه كسائق ترام كما تمنى طويلاً، وحكايته مع  مجلات الأطفال برسومها الجميلة ولهفة انتظارها، وسؤاله كأى طفل فى عمره: منْ أين تأتى الحكايات؟، عن دفترٍ سريٍّ أحمر جميل اللون والملمس، ذى رائحة طيبة. أراد اللباد صغيراً أن يكتب به الحكايا ويرسمها؛ ولكنه لم يفعل إلا عندما كبر، فكتب ورسم وطبع ذلك فى كتب، طابع البريد، وأصدقاء المراسلة وبطاقات تحمل معالم البلاد القادمة منها، العالم السحرى الذى صوره اللباد برسومه.
 برنارد شو العرب
د.على الراعى لم يتوقف عند وصفه بـ«رب الريشة والقلم»، بل وشبه فى كتابه «عن الكاريكاتير والأغانى والإذاعة» بأن نظرة الفنان اللباد

الثورية لفن الكاريكاتير بنظرة الأديب برنارد شو لفن الكوميديا فى المسرح، إذ رأى اللباد ميلنا إلى تصوير الحمق والحمقى، ونسعى إلى عرض نوادرهم على الأنظار فى مختلف أشكال التعبير: الرسـم، والمسـرح، والحكاية والكرتون، ويلاحظ أننا بهذا الاهتمام نرفع عن أنفسنا الاتهام بأننا قد نكون بدورنا حمقى.
سر إبداع «اللباد» أنه حافظ على الطفل بداخله يكتب ويرسم ويعبر عن نفسه بشتى وظهر اهتمامه ذلك فى العديد من الكتب التى ألفها ورسمها للطفل وتحديداً فى مقدمة كتابه «ملاحظات» إذ حمل عبارة واضحة  «إنه كتاب خاص بالصغار أساساً، لكنى أعلم أنهم (بطيبة القلب المعروفة عنهم) سيتسامحون، ويسمحون للكبار باقتراضه لقراءته».
 إشارات اللباد البصرية
وعن لقاءه الأول به يقول د.سامح حسان فى أحد مقالاته «كنت قد تعرفت عليه للمرة الأولى منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما فى منزل جدى، ففى أحد أكوام الجرائد والمجلات التى تملأ حجرته لفتت نظرى مجلة ضمت رسوما شديدة الغرابة والاختلاف عما اعتدت رؤيته، رسوماً ذات أفكار ساحرة لايصاحبها سوى تعليق ذى كلمات قليلة مجموعة ببنط صغير، كانت المجلة هى «صباح الخير» وكان الموضوع يتناول الكاريكاتير الغربى بقلم محيى الدين اللباد، منذ ذلك التاريخ وعلى مدار سنوات طويلة وأنا أتتبعه، وكنت من المحظوظين من عدة دول عربية قام باختيارهم اللباد للمشاركة فى إعداده لورشة عمل تابعة لليونيسكو خاصة بإخراج كتب للأطفال ستقام لمدة شهر فى بيروت، كان الرجل يتنقل بسهولة بين مناطق متعددة من رسوم كاريكاتورية وتصميم أغلفة الكتب والجرائد والمجلات وكذلك رسوم للأطفال، وكان ذا بصمة واضحة فيمكنك التقاط أعماله بسهولة وهى أعمال ستتداخل فيها كل الخبرات السابقة فتظهر بصورة فريدة.
يذكر أن محيى الدين اللباد ولد بمدينة القاهرة عام 1940م، عمل رساماً للكاريكاتير أثناء دراسته الثانوية، ثم درس التصوير الزيتى بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة والتحق رساماً بمجلتى «روز اليوسف» و»صباح الخير» قبل أن يتخرج من الجامعة عام 1960م. عقب تخرجه عمل رساماً ومؤلفاً لكتب الأطفال فى «دار المعارف» بمجلة «السندباد» التى أصدرتها الدار. عمل منذ منتصف الستينيات مصمماً ومديراً فنياً للجرافيك، وشارك فى تأسيس عدد من دور النشر الخاصة بكتب الأطفال فى مصر ولبنان، وصمم العديد من الصحف والمجلات العربية، والملصقات الثقافية، وأغلفة الكتب التى كان يعتمد فيها على استخدام عناصر فنية من التراث الشعبى العربي. كما شارك كعضو لجنة تحكيم فى عدد من مسابقات ومعارض الكاريكاتير المحلية والدولية. له عدة مؤلفات للكبار والصغار أشهرها سلسة كتب من أربعة أجزاء بعنوان «نظر» والتى تُعَدُّ مرجعاً فى الفن التشكيلى ورسوم الكاريكاتير وفنون الجرافيك المعاصرة فى مصر والعالم العربي، بجانب العديد من الكتب الأخرى مثل «تى شيرت»، «لغة بدون كلمات»، «حكاية الكتاب من لفافة البردى إلى قرص الليزر»، و»كشكول الرسام» – الذى بين أيدينا الآن. لُقب بصانع الكتب، وترجمت كتبه إلى اللغات الفرنسية، والإنجليزية، والإسبانية، والإيطالية، والألمانية، والفارسية، واليابانية. ونال عن بعضها جوائز عربية وعالمية. توقفت يداه عن خط الحروف والإمساك بفرشاة الرسم فى الرابع من سبتمبر عام 2010.