السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بين نار الأرض وجنة السماء

بين نار الأرض وجنة السماء
بين نار الأرض وجنة السماء




كتب - هشام فتحى

لا أدرى، لماذا يسعى نظام الحكم فى مصر بكل ما أوتى من قوة إلى إدخالنا (جنة السماوات) ولم يقدم لنا دلالات ذلك على الأرض؟! أفهم أن نظاما يجمل (بتشديد الميم وكسرها) لنا حياتنا بعد الموت ويزينها بضخ مهيب من خلال الدستور ومؤسسة الأزهر ودوائرهما الرسمية وغير الرسمية، أفهم أن يكون ساعيا لتحقيق ذلك على الأرض أولا حتى يكون له المصداقية فى دعوته للمصريين إلى جنة مابعد الموت!
قضية تفتح تساؤلات مرة، هل من وظائف الحكومات إرسال الناس إلى الجنة بعد الموت؟ لا أظن. إن وظيفة الحكومة تحقيق العدل لمواطنيها فى الحياة الدنيا وبث الأمن والسعادة فى قلوبهم، وفتح مجالات العمل والإنتاج أمامهم والسعى الحثيث لضرب البطالة والعمالة الزائفة. ليست مهمة الدولة ترسيم دين معين ومذهب فقهى تابع وفرضهما على الناس فرضا، إن آية ذلك نسف حريات الناس واختياراتهم التى فطرهم الله عليها قبل إنشاء الدولة.
ولقد راعنى ذلك الضجيج الإعلامى المصاحب لزيارة شيخ الأزهر الأخيرة لـ«جروزنى» وتثبيته هناك لمذهب «أهل السنة والجماعة» كمذهب وحيد يعبر عن الإسلام والمسلمين! كيف عرفت؟ وما أدراك؟ وما مصير هؤلاء وأولئك غير المنتمين لهذا المذهب الرسمى؟ إن غالبية المسلمين - وأنا منهم - لا يعرفون طبيعة هذا المذهب وفحواه، إن غالبية المسلمين لا يعلمون أن هناك العديد من مذاهب الدين الإسلامى كل منها يدعى احتكار الإسلام، فهل الإسلام على مذهب الشيعة أم على مذهب الخوارج أم المرجئة أم الكرامية أم المعتزلة أم الأشعرية أم الماتريدية أم إخوان الصفاء... الخ الخ؟!
إن ترسيم الدين ومذهبه لكى يكونا عنوانا مميزا لدولة من الدول ليس له من نتيجة سوى تكفير المخالف وتخوينه وضرب قضية المواطنة فى مقتل. إن تبنى نظام حكومى دينا معينا ومذهبا تابعا تبنيا رسميا ليطوق أعناق الناس بسلسلتين، أولهما التكفير إن لم يؤمنوا بهذا المذهب، وثانيهما التخوين كنتيجة ميكانيكية لربط المذهب الدينى بالدولة.
جنة الأرض أهم سادتنا الكرام، عبدوا الطرق وجملوها، أعادوا لنا النوافير والنور الأبيض، طبقوا قوانين المرور بصرامة تقللون حجم الحوادث على اسفلت الموت، راقبوا ميكروفونات الضجيج وعاقبوا أصحابها، اعيدوا لنا حدائقنا الغناء بزهورها اليانعة، رشوا ماء العطر بوجوه المصريين صباح مساء، أحيوا سينما الحياة وثقافة البقاء، اهتموا بالثقافة وقصورها، بالموسيقى وكلاسيكياتها، امنعوا أصوات الحمير والجداء، اهتموا بالجمال والاناقة وبيوت الأزياء، لا تقتلوا المرأة، بقوانين الصحراء، أعلوا حريات الناس واطلقوا مواهبهم، وامنعوا نعيق البوم والغربان، سهلوا على الناس تداولاتهم بأروقة الحكومة ودواوينها ولا تعبسوا بوجوههم، أطلقوا قوانين الاستثمار، أحبوا الحب والجمال والموسيقى، أنزلوا الجنة من السماء.
يقينا، لا يشعر بقيم الجمال والحب والأنس والموسيقى إلا من ذاق حلاوتها، ولا أظن أن كثيرا من أعضاء الحكومة ينشدون هكذا حياة، كذبونى، صدقونى أطلب منكم أن تكذبونى واهتموا بالجنة التى على الارض، نحن نحتاج إلى الجنة على الارض أولا حتى نسعى معكم للوصول إلى جنة السماء. نظرة بسيطة لسحنات البشر، لعيونهم، للغة اجسادهم، لالفاظهم، لطريقة تزييهم تدرك بسهولة انهم يتنفسون جهنم، نعم نحن نحيا فى جهنم على الارض.
أين يذهب الفقير رث الثياب عفن الرائحة من نار الأسعار وبطالة طالت السماء؟ أيسعى لـ( برفنة) نفسه؟ أم يسعى لسد جوعه وستر عوزه أولا؟ لا، باتت الحياة معكم صعبة، كئيبة، مميتة، نشعر بفحيح نيرانها كل لحظة ولا خلاص.
يا من لا تدركون طبيعة وظائفكم وحقيقتها، يا سادتنا، أدرك أنكم تعيشون معنا ولستم منا، انزلوا من عليائكم، من الجنان التى صنعتموها لانفسكم هناك، اهبطوا لأرضنا ساعات أو دقائق، ذوقوا عفن حياتنا معنا لتدركوا أننا نحيا فى جهنم هذه التى تركتموها لنا عامدين فننشغل بصراعاتنا بعيدا عنكم. انزلوا لنا، نصنع الجنة هنا على الأرض لجميعنا، قبل فوات الأوان.