الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أزمة الإعلام الرسمى المسموع والمرئى فى مصر

أزمة الإعلام الرسمى المسموع والمرئى فى مصر
أزمة الإعلام الرسمى المسموع والمرئى فى مصر




كتب - محمد الناصر

هى أزمة عميقة، سببها الدولة وليست هذه المؤسسات الإعلامية، ولابد أن تتحلى الدولة بالشجاعة الكافية، لتعترف بأخطائها الاستراتيجية فى السنوات الماضية فى حق هذه المؤسسات، وعلى لجنة الإعلام فى البرلمان، ألا تنساق وراء بعض الآراء الانطباعية غير المدروسة المتداولة حاليا فى الوسط الاعلامي، من قبل بعض الخبراء الأكاديميين، بعضهم درس فى الخارج، لا يعلم شيئا من حقيقة ما حدث داخل هذه المؤسسات فى السنوات الماضية، واذا علم لا يملك الشجاعة الكافية لتشخيص حقيقى للأزمة.
إن مشكلات تمر بها هذه المؤسسات، مثل تكدس العمالة، أو ضعف مستوى الكوادر الإعلامية، أو بعض حالات فساد فى الإدارة، ما هو إلا محصلة تحكم الدولة على مدى سنوات طويلة، فى كل شىء فى هذه المؤسسات، بداية من تمويلها الى التوظيف داخلها سواء الكوادر الفنية أو الإدارية، مع ترك الدولة لها هامش من الحرية والحركة، فى انتاج المادة الإعلامية بشروط تحقق الأهداف التى أنشئت من أجلها.
ومادامت هذه الأزمة من صنع الدولة، فإن المطالب بحلها هو الدولة أيضا وليس هذه المؤسسات، وكل ما يمكن أن تقدمه هذه المؤسسات فى هذا المجال، هو تقديم أفكار، ربما تتبنى الدولة بعضها، وهى تسعى الى مواجهة هذه الأزمة، فالخلل من الأساس هو فى أسلوب إدارة الدولة لها فى السابق.
إعلام خاص موازى
بعد عام 2000 تقريبا، قررت الدولة أن تفتح المجال لإعلام خاص مرئى ثم مسموع، قنوات تليفزيونية، خاصة ثم محطات إذاعية خاصة، لتكون هذه المؤسسات الخاصة، موازية للمؤسسات الإعلامية الرسمية، بهدف خلق حالة إعلامية مغايرة، لما كانت عليه مصر منذ عام 1952، عندما أصبحت الدولة هى التى تحتكر الإذاعة ثم التليفزيون.
عبثية الأزمة 
فجأة وبدون سابق إنذار، بعد 25 يناير، بدأ اتجاه قوى فى مؤسسات الدولة، المعنية بشأن الإعلام، مضمونه أن الدولة لا تستطيع تحمل تكلفة عمل هذه المؤسسات الرسمية، وأن على هذه المؤسسات أن تدبر حالها من الآن، والصرف على نفسها، أو مساعدة الدولة فى الصرف عليها، هنا بدأت الأزمة التى يمكن وصفها بالعبثية، فالدولة التى تطلب من هذه المؤسسات الإعلامية الرسمية الصرف على نفسها، لن تستطيع كدولة تحمل تكلفة هذا التوجه، وآثاره على المجتمع، لأن عمل هذه المؤسسات بمنطق الإعلام الخاص، سيخل بالتوازن الذى استهدفته الدولة، من خلق حالتين من الإعلام فى مصر الرسمى والخاص، يكونان إعلام الدولة وليس الحكومة، فمن المؤكد أن هذه المؤسسات الرسمية، سوف تبدأ بالعمل بمنطق الإعلام الخاص، للحصول على تمويل، وأرباح. 
تكلفة باهظة
والعبثية فى الأزمة، تتمثل فى أن الدولة ستدفع تكلفة باهظة ماليا ومعنويا، جراء تخلى الإعلام الرسمى عن دوره، لما سيكون له تأثير وخيم، على استقرار وتماسك المجتمع بكل طبقاته، نتيجة استفراد الإعلام الخاص بالجمهور، عندما تتحول المؤسسات الحكومية إلى مؤسسات خاصة على أرض الواقع، تعمل بمنطق الإعلام الخاص، الذى يرتكز على الإثارة لجلب الإعلان. 
إن مطالبة الدولة الاعلام الرسمي، تحقيق الأهداف التى أنشئ من أجلها، على أن يكون معتمدا كليا أو جزئيا على نفسه من حيث التمويل، هو العبث لدرجة العجب، لأن الدولة نفسها تعرف، وكل خبراء الإعلام يعرفون، أن هذه الأهداف لا يمكن تحقيقها بمنطق الإعلام الخاص وبدون تمويل كاف.
الدولة الآن لا تستطيع، أو لا تريد توفير التمويل الكافى للمؤسسات الرسمية، إذاعة وتليفزيون، وهذا يضعف أداء هذه المؤسسات بلا شك، ويقلل من تأثيرها داخل المجتمع، لصالح المحتوى الذى يبثه الإعلام الخاص ليل نهار، والذى سيكون له، على المدى ليس بالبعيد عواقب وخيمة، إذا ما احتكر الجمهور، أو أصبح له التأثير الأكبر داخل المجتمع. 
التمويل الكافى
إن حل هذه الأزمة واضح وجلي، هو ألا تتخلى الدولة عن الإعلام الرسمي، وأن تموله بالقدر الكافى، الذى يجعله قادرا على أداء رسالته التى انشئ من أجلها، أما أن نقلل من هذه التمويل، فتنشغل هذه المؤسسات بالبحث عن وسائل للتمويل، يضعف من طاقتها، ويجعلها ضعيفة فى مواجهة تغول الاعلام الخاص على المجتمع. 
لسنا ضد الإعلام الخاص المسموع والمرئي، بل نراه حالة ايجابية اذا لم يكن له تأثير سلبى على أداء المؤسسات الرسمية، وأن هذا الإعلام الخاص، الذى يشتغل على قاعدة مالية تقدر بالمليارات، الذين أسسوه هم كوادر الإعلام الرسمي، أى أن عمل هذه الكوادر الاعلامية بمنطق الإعلام الخاص ليس معضلة بالنسبة اليها، انما سيكون معضلة من حيث التأثير فى المجتمع بالنسبة إلى الدولة.