السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

العشوائية تدفن التراث تحت «تلال وأكوام» الإسكندرية

العشوائية تدفن التراث تحت «تلال وأكوام» الإسكندرية
العشوائية تدفن التراث تحت «تلال وأكوام» الإسكندرية




أعد الملف – إلهام رفعت

تزخر العديد من التلال القديمة بالآثار أسفلها وبحياة كاملة فوقها، شابها الفساد بسب إهمال المسئولين فى صيانتها، وتعمد ترك آلاف الأسر تعيش فوقها منذ عقود طويلة حتى أصبح الأمر واقعًا يفرض نفسه، عشش وورش حرفية وغيرها تنذر بطمس معالم تلك المناطق .. «روزاليوسف» رصدت إهدار التراث المصرى القديم تحت أكوام «الملح»، «الدكة»، «الشقافة»، و«الناضورة» بالإسكندرية، لنتعرف على ما كانت عليه تلك التلال وما آلت إليه عبر الزمن.
 


«كوم الناضورة» تل أثرى أهدره فساد المسئولين


لم تسلم آثار كوم الناضورة من التعدى على حرمتها وبناء عقارات فى تحد صارخ للقانون، ومثال فاضح لفساد المسئولين، ويقع تل كوم الناضورة الأثرى فى شارع بحرى بك بحى الجمرك قسم اللبان، وهو عبارة عن تل ترابى تكون عبر عدة عصور ابتداء من العصر الأيوبى، ويعرف بـ«كوم وعلة» نسبة إلى «عبدالرحمن بن وعلة السبئى المصرى» والذى دفن فيها وقت استخدام التل كمقابر خلال العصر الفاطمى.
يقول المؤرخ إبراهيم العنانى إنه خلال العصر المملوكى كان يوجد برج أعلى هذا التل يستخدم فى مراقبة البحر، وظل البرج قائما حتى العصر العثمانى، وفى عهد الحملة الفرنسية تم بناء طابية أعلى البرج عرفت باسم طابية «كافاريللى» نسبة إلى أحد قادة الحملة الفرنسية، وفى عصر محمد على تم تجديد المنطقة وترميمها وأنشأ بها برجًا استخدم لمراقبة البحر وتحركات السفن الداخلة والخارجة وعرفت المنطقة منذ ذلك الوقت بكوم الناضورة.
 وتبلغ المساحة الإجمالية لـ «كوم الناضورة» 6 أفدنة، وتعرضت بعض أجزائه للتجريف من جانب محافظة الإسكندرية عام 1981 م، وكانت هناك محاولات لاستغلال الموقع كمساكن ولكن قامت هيئة الآثار بالاعتراض على هدمه، وتشكيل لجنة مشتركة من الهيئة وجامعة الإسكندرية، وطالبت بضرورة الحفاظ على التل الأثرى والمبانى القائمة عليه والتى تعتبر أحد المعالم ذات القيمة التاريخية العظيمة، ومؤخرا وقف أهالى منطقة كوم الناضورة، فى حيرة من أمرهم يراقبون هدم مساكنهم بعد إنفاقهم تحويشة العمر لشرائها لوجودها فى حرم منطقة أثرية بالمخالفة.
ويقول على سعد الدين – أحد أهالى المنطقة - إن السكان بحى اللبان فوجئوا بقوات من الأمن المركزى وحى غرب، وهيئة الآثار يطالبون سكان العقار بإخلائه فورًا لتنفيذ قرار الإزالة لوجوده فى حرم منطقة أثرية، متسائلاً:  كيف يهدمونها وعندنا جميع المرافق؟، وقال إن العقار مكون من 52 وحدة من بينها 30 مأهولة بالسكان، وجميعهم رفضوا مغادرة منازلهم، وقال: أين كان المسئولون عندما كانت العمارة تبنى؟ ولماذا وافقوا على إدخال المرافق؟، وقضت هيئة المفوضين بإلغاء قرار الهدم، ولكن تم تحطيمها من الداخل قبل صدور الحكم وأثناء نظر الدعوى.
من جانبه قال محمد متولى - مدير عام آثار الإسكندرية الإسلامية - إن قرار الهدم للعمارات التسعة المبنية فى حرم منطقة كوم الناضورة الأثرية، صادر عن رئيس مجلس الوزراء لسنة 1996بمنع البناء فى الموقع بالكامل، فيما عدا ما بنى منها قبل تاريخ صدور القرار، لافتًا إلى أن التعديات على حرم الآثار فى كوم الناضورة تمت خلال فترة الانفلات الأمنى، وأوضح أن قرار الاشتراطات البنائية الصادر عن رئيس الوزراء شمل أكثر من منطقة.
من جانبها تقول د. منى حجازى - رئيس قسم الآثار بكلية  الآداب بالإسكندرية رئيس جمعية الآثار - إن منطقة كوم الناضورة طاردة للسياحة ومكدسة بالسكان وغير مهيئة لأى زيارة سياحية، ولا تحتاج أكثر من تطوير المنطقة المحيطة وحملات  توعية للسكان وأصحاب الورش لإيجاد رابطة بينهم وبين الواقع الأثرى ليشاركوا الاهتمام به والترويج له.

 

الأحياء فوق «مدينة الأموات» بـ «كوم الملح»

 


أطلقوا عليها قديما «مدينة الأموات»، ليمر الزمن ويعيش فيها أحياء تحت خط الفقر حياة لا تمت للحياة بصلة، لدرجة أن المسئولين بنوا جدارًا عازلاً بينهم وبين زوار الميناء والسياح مما ضاعف من ضغينتهم للحكومة .. والمنطقة من أخطر العشوائيات بالإسكندرية، والمكان يضع قيودا كبيرة على الآثار للسيطرة على هذه المقابر الأثرية وإجراء أعمال حفائر وتنظيف أثرى وترميم معمارى لها، ويحتاج لمعالجة حاسمة وسريعة للعشوائيات فى هذه المنطقة لتتمكن وزارة الآثار من القيام بدورها نحو استكمال اكتشاف هذه المقابر واتخاذ إجراءات للحفاظ عليها كثرات حضارى، بدلا من انتشار الحفر خلسة للبحث عن آثار، ومن الصعب السيطرة عليه وهناك حالات عديدة يتم اكتشافها.
بدأت سهير محمد – من أهالى كوم الملح - أسكن مع أولادى الخمسة وزوجى فى غرفة بمساكن كوم الملح «الجبل» بمنطقة القبارى غرب الإسكندرية فى ذل ومرض تشاركنا الفئران والحشرات، وتساقطت أجزاء كبيرة من سقف الغرفة عدة مرات فوق رءوسنا، ومياه الأمطار تسببت من قبل فى حدوث حريق داخل الغرفة، بعد نزولها على عداد الكهرباء مباشرة.
ويقول أحمد غازى - نجار باليومية – لا يوجد أى خدمات بكوم الملح، ونعيش فى ضنك وسط الفقر والرطوبة والحشرات السامة التى أصابتنا وأولادنا بالأمراض، وحلمى الوحيد هو سكن آدمى يستر أولادى.
وأكد الحاج سيد أحمد، أن الثعابين والفئران والحشرات تقتحم عليهم البيوت يوميًّا.
 ويقول محمد شلبى - رئيس جمعية البشر والإحسان الخيرية بالمنطقة - إن كوم الملح من أفقر المناطق فى غرب الإسكندرية، وتعد الجمعية  بحوثًا اجتماعية تبين منها أن 70% منهم تحت خط الفقر، ويعيشون فى عشش والغالبية العظمى كبار سن ومرضى، لافتا إلى أن الجمعية تقدم إعانات شهرية لـ 30 حالة.
ويؤكد أحمد سلامة - منسق المنظمة المصرية لحقوق الإنسان - أن معظم سكان كوم الملح فقراء، ويعيشون حياة غير آدمية، ونقل بعض السكان إلى منطقة الكيلو 26، ولكنهم عادوا مرة أخرى بعد أن باعوا الشقق لأن المنطقة التى نقلوا إليها بلا مرافق، ولا مواصلات، ولا مدارس، ففضلوا العودة، وعن الجدار العازل يقول سلامة الحكومة أقامته حماية للسياح من المنظر غير الآدمى لأهالى المنطقة وحتى لا يروا العشش وتحجب الحكومة به «بلاويها» عن السياح.
«كوم الملح» منطقة طاردة للعرسان، حيث تقول الحاجة فاطمة – من الأهالى - أن ابنتها الموظفة كل ما يحضر عريس ويرى المنطقة يخرج بلا عودة، وأصبحت ابنتها تشعر بالعار، وتحلم بالخروج من كوم الملح.