الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بنك القلق وهواجس أخرى

بنك القلق  وهواجس أخرى
بنك القلق وهواجس أخرى




يكتب: د.حسام عطا

 بينما كنت اشاهد الخبر المصور حول حريق برج اطلاق قمر الاتصالات الممول من شركة فيس بوك الدائر حول العالم القائم، على أرض الولايات المتحدة الامريكية، تذكرت (السربنيطيقا) وهى كلمة يونانية تعنى الحاكم أو ربان السفينة، إنه ذلك العقل (السيبرى) القادم من مسارات لا متناهية لتبادل واستقبال وإرسال المعلومات، فى عصر أصبحت فيه الشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت) هى ربان سفينة الشعوب أو تكاد، وهنا تذكرت العبقرى المصرى العظيم توفيق الحكيم الذى قال عنه معاصره نجيب محفوظ صاحب نوبل: (لقد أخطأت نوبل الحكيم وجاءت لى)، هكذا فى اعتراف الكبار ببعضهم البعض، وهؤلاء الكبار عندما كتبوا فى الفن كانوا أصحاب رؤية وبصيرة، وفى واحدة من رؤى الحكيم الكاشفة ما كتبه وهو الرائد والمجدد معاً فى السرد والدراما روايته الممسرحة (مسراوية) بنك القلق التى هى الآن بين يدى أتأملها، لأن فهمها فى ضوء ما يحدث فى العالم المعاصر من صخب، يشبه حقاً ما عبر عنه الحكيم فى روايته، بأن العالم أصبح كحانة صاخبة فى ظل الانفجارات والحروب والاحتكار والتعصب من كل نوع، بنك القلق هو بنك أسسه كما كتب الحكيم صديقان مفلسان لا يملكان مليماً، وكانت تجارتهما القلق وهى تجارة رابحة فى كل العصور، هذا وقد كتب الحكيم روايته فى عصر كانت أدوات جمع المعلومات والاتجار فى القلق تحتاج لمجهود وأموال كبيرة، أما الآن وبضغط شديد من القلق الإنسانى يذهب الناس بمحض إرادتهم للاعتراف والتخلص من ثقل ما يقلقهم، عبر التجارة الدولية الناجحة للقلق، ألا وهى (فيس بوك) وغيره من وسائل امتصاص قلق البشر ومعرفة أحوالهم وافكارهم وآلامهم وآمالهم، وجدير بالذكر أن القلق هو باب الاختراق للفرد وللمجموعات وللدول، فالقلق هو تعبير عن احتياج إنسانى ضاغط يتحول إلى رغبات مكبوتة، واحتياج لحمى الشراء والاستهلاك، وتنافس طاحن مرعب حول المكاسب المادية يؤدى لتراكم الثروة فى أيدى عدد محدود من الناس، إلا تكتمل متعتهم ولا يهدأ قلقهم إلا بوضع الملايين البشرية فى قلق الاحتياج للمأكل والمشرب والمأوى، مما يجعل عموم الناس فى قلق دائم، وهذا النوع من القلق يجب أن نحذره فى مصر الآن على شبكات التواصل الاجتماعي، لأنها تمنح الإنسان مساحة للاعتراف والحكى، ثم يمكن تحليل كل تلك المعلومات ليصبح من يحللها ربان السفينة، هكذا فكر توفيق الحكيم بتلك الرؤية العميقة، لتظل بنك القلق وأعماله الأخرى ملهمة للفن والفنانين فى مصر، علهم يعيدوا النظر فى ضرورة الجمع بين الفرجة والفكر.