الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

نحن والرئيس الزعيم

نحن والرئيس الزعيم
نحن والرئيس الزعيم




كتب - د. محمد محيى الدين

 

واجه النظام السياسى فى مصر بعد ثورة 25 يناير مشكلة هيكلية فالنظم قبل ذلك التاريخ تم تفصيلها فى الدساتير التى وضعت بعد ثورة 1952 على مقاس كل رئيس أو لنقل كل زعيم بدءا بعبد الناصر ومرورا بالسادات ووصولا إلى حسنى مبارك وحتى التعديلات الدستورية التى أصدرها المجلس العسكرى خلال الفترة الانتقالية أضافت بعض الرتوش ولم تصل إلى جوهر المشكلة، واستمر الأمر كذلك حتى تم اقرار دستور 2014 والذى أعطى الرئيس صلاحيات محددة ومحدودة، تسمح له أن يكون قادر على ادارة الدولة وتحقيق خططها التنموية ، ومن ثم تتحول مصر الى دولة مؤسسات حقيقية وليست دولة تعتمد على مؤسسة واحدة وهى مؤسسة الرئاسة.
ورغم أن الدستور الجديد حدد صلاحيات الرئيس الا أن المتابع يلاحظ أن هذا التحديد لم يتم تفعيله حتى الآن بطريقة عملية فما زال الرئيس يتمتع بصلاحياته التى اعتدنا عليها فى السابق وما زالت الأنظار تتجه اليه وما زالت توجيهاته هى المحرك الأساسى لسياسات الحكومة وقصائد المديح تتركز عليه بل والهجمات الشرسة للحاقدين من الداخل والخارج توجه اليه شخصيا وكأن الدولة قد اختزلت فى شخص الرئيس، تلك المقولة والتى ترتكز عليها الحرب النفسية التى نواجهها تستوجب التوقف عندها بالتحليل حتى نوضح بعض الحقائق المغلوطة التى تستعمل فى تلك الحرب ونحن فى مرحلة تاريخية فارقة.
الثقافة السياسية السائدة مازالت اقوى من الدساتير المكتوبة فى مصر وغيرها، بل إن هناك دولا كبريطانيا ليس لديها دستور مكتوب ومع ذلك فإن ثقافتها وتقاليدها السياسية تضعها فى مصاف الدول الديمقراطية العريقة، وبصمة الرئيس فى مصر وغيرها تعلو على مواد الدستور وتؤثر ايجابا او سلبا على توجهات ومستقبل الدولة وهناك العديد من الرؤساء الذين استطاعوا ترسيخ أسس الديمقراطية فى دولهم وما زالت توجهاتهم تسيطر على سياسات دولهم حتى الآن ولنا فى مهاتير محمد فى ماليزيا والجنرال ديجول فى فرنسا وجون كيندى فى الولايات المتحدة خير أمثلة لذلك.
فى الحالة المصرية فإن من الصعب ان نفرق بين منصب الرئيس ومفهوم الزعامة، فالرئيس فى مصر يجب أن يكون زعيما وكلما اقترب بمواقفه وشخصيته من الزعامة فإن الشعب المصرى يلتف حوله ويتحمل كل مصاعب التحول السياسى والاقتصادى ويتبنى رؤاه وتوجهاته، وهنا فالأمر ليس كما يرد فى ادبيات سياسة الشرق الاوسط والتى ما زال الكثير من الاكاديميين ومن ورائهم النخب المضللة والمضللة يتبنونها، وهى أن النظام السياسى فى مصر نظام أبوى بمعنى أن الرئيس هو الوالد ورب العائلة ومن ثم فان النقد الأساسى الذى يذكرونه ويرددونه بناء على تلك المقولة ان تلك الثقافة تعطل التحول الديمقراطى، فقد تعود الشعب على طاعة كبير العائلة وان مناقشة قرارته أمر مستهجن ويزيد الأكاديميون الأمر سوءا باتهام الشعب المصرى بأنه ايضا صانع للرئيس الفرعون وياخذون من تاريخ مصر الفرعونية دليلا على ذلك من اضفاء طبيعة شبه الهية على الحاكم ومن ثم لا يجوز مخالفته، ويؤكدون أن هذا المفهوم ما زال فى وجدان الشعب المصرى ولم يتغير، ومرة اخرى فهو سبب فى استبداد حكامها، والحقيقة فان كلا الفكرتين ومن فرط تكرارها تم ترديدها وكأنها من المسلمات وما هى بمسلمات، والحقيقة غير ذلك فالمجتمع المصرى ليس مجتمعا قبليا كما أن رؤساء مصر تحول بعضهم عبر التاريخ الى زعماء ولم ينعم اكثرهم بالزعامة ولم يكن استبداد بعضهم مرجعه هاتين الفكرتين بل الى دعم او ممثل لاحتلال اجنبى.
وحتى نزيد الأمر توضيحا، فإن جمال عبد الناصر على سبيل المثال لم يصبح زعيما الا بعد أن ألقى خطبته الشهيرة على منبر الأزهر بعد ما يقرب من ثلاث سنوات يتحدى العدوان الثلاثى وعندها التف الشعب حوله وناصره ووثق فى وطنيته وبلا شك فإن شخصية عبد الناصر بما لها ايضا من كاريزما ساعدته على أن يحرك الجماهير ليس فى مصر وحدها ولكن فى المحيط العربى والافريقى ثم جاء بعده وبالانتخاب الرئيس انور السادات وقضى سنواته الاولى يعامل كرئيس وتوجه اليه انتقادات لاذعة حتى كان قرار العبور ليتحول الى زعيم ويضع الشعب ثقته فيه ويمكنه من اتخاذ قرار السلام مع اسرائيل، أما الرئيس السيسى فقد كان لموقفه من حماية الشعب المصرى من ضياع هويته وجسارته فى الوقوف فى وجه جماعة استطاعت أن تخطف ثورة شعب وتسعى الى حكم مستبد يستمر لمئات السنين ولسنا هنا بصدد الدفاع عن الشعب المصرى ولكنها دعوة للتخلص من أفكار فرضت علينا هدفها الرئيسى اننا نسير مغمضى العيون خلف رؤسائنا وان هذا الشعب غير مؤهل لقيادة نفسه ولو كان ما يشيعونه صحيحا لما كانت هناك ثورتان يفصل بينهما عامان ولما كان هناك رئيسان خلف القضبان أحدهما اضاع تاريخه عندما فقد ثقة الشعب والآخر اراد ان يغير هويه شعبه لصالح جماعته.
والقائمون على الحرب النفسية التى نتعرض لها يتفهمون ذلك جيدا ولذلك فانهم يحاولون جهدهم فصل عرى الثقة بين الرئيس السيسى والشعب الذى التف حوله ويحولون حتى انجازاته الى اخطاء وخطايا وهو أمر يحتاج منا جميعا التنبه اليه وكما وقف الرئيس السيسى متحديا الجماعات المتطرفة فإنه الآن يحتاج الى دعمنا المعنوى والسياسى حتى يكمل الطريق.