الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

من نسائم الخير فى عرفات

من نسائم الخير فى عرفات
من نسائم الخير فى عرفات




كتب - أحمد عبده طرابيك

الوقوف على جبل عرفات له من الإجلال والتعظيم ما لا يستطيع الإنسان التعبير عنه بالكلمات، فهو شعور روحانى عظيم، حيث تتجلى فى ذلك الموقف الإيمانى مشاهد التضرع لله تعالي، طمعا فى العفو والمغفرة، حيث ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا ويباهى بضيوف الرحمن ملائكة السماء فيقول جل جلاله لملائكته «انْظُروا إلى عِبَادِى جَاءوا شُعْثًا غُبْرًا حَاجِين جَاءْوا مِنْ كُلِ فجٍّ عَمِيقْ يَرجُونَ رَحْمَتى ولم يَروا عَذَابي، فَلَم يُرَ يومٌ أكثر عتيقًا مِنْ النَّار مِنْ يَوم عَرَفْة».
فعندما يجتمع حجاج بيت الله الحرام على جبل عرفات، ملبين لدعوة خليل الله إبراهيم - عليه السلام - وتحقيا لوعد الله جل جلاله لخليله «عيك النداء وعلينا الإجابة، «رَّبَّنَا إِنِّى أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ» (سورة إبراهيم، آية 37)، فإن القلوب التى خاطبها الله تعالي، قد اجتمعت على طاعته طمعا فى عفوه ومغفرته وجنته، وخوفا من عذابه، ففى تلك المشاهد تتجلى قيم التواضع والتسامح والتراحم، والتضحية والزهد فى الدنيا بما فيها من ملذات ومباهج.
تأتى ذكرى عرفات لنتذكر معها ونتعلم منها الدروس والقيم الإسلامية التى غابت عنا، أو بالأحرى تغيبنا نحن عنها فى هذه الأيام، فالجميع فى عرفات يتجردون من مباهج الدنيا وزينتها التى يتناحر عليها الجميع، ويقتل المسلم أخاه من أجلها، رغم تأكيد رسول الرحمة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فى خطبة الوداع لأصحابة على حرمة دم المسلم بقوله «لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضُكم رقاب بعضٍ»، فهل نستذكر تلك الدروس ونوقف شلالات الدماء فى أراضى الإسلام من أفغانستان إلى اليمن مرورا بالعراق وسوريا وليبيا وغيرها من بقاع المسلمين، ووقف قتل المسلمين وغير المسلمين باسم الإسلام؟
أما آن الوقت للكف عن الفساد والتلاعب بأقوات المسلمين ونهب ثرواتهم ومواردهم، والتيقن بأن عرض الدنيا زائل، والمال الذى يُنهب إما أن يرحل عنك فى لحظة ما، أو ترحل أنت عنه وتتركه لذوى الميراث به يتمتعون، وأنت تسأل عنه من أين اكتسبته وفيما أنفقته، وما ربك بغافل عما يعمل الظالمون، وإذا كان يعتقد من أخذ أموالا بغير وجه حق أنه بتأدية الحج والوقوف بعرفات سينال الغفران من الله، وعفا الله عما سلف، فإنه مخطئ فى حق نفسه، فالله طيب لا يقبل إلا الطيب من الرزق، وفى ذلك يقول رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ فَقَالَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ: لا لَبَّيْكَ وَلا سَعْدَيْكَ، وَحَجُّكَ مَرْدُودٌ عَلَيْكَ».
وفى مناسبة عرفات تأتى الأضحية لتضرب أروع الأمثلة فى التعاطف والتراحم، حيث ذكرها الله فى أكثر من موضع، منها، قوله تعالى «فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير»، وكذلك قوله تعالى «فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر»، فإطعام البائس الفقير المضطر الذى لم يجد الطعام حق على المقتدر، كما أم المودة ونشر المحبة فى إطعام القانع الذى لديه الطعام ولا يحتاج للصدقات مطلوب أيضا من باب «تهادوا تحابوا» وهذا ما نحن بحاجة إليه فى تلك الأيام من مودة ومحبة بين الأهل والأقارب والجيران، وبين كل من نعرفهم كالزملاء فى العمل، وغيرهم، فالمحبة تذيب ما النفس من ضغائن، وتنشر السلام والمودة بين الجميع، فى وقت عز فيه الوئام، وانقطع فيه التواد والتواصل بين الأهل والجيران.
يأتى يوم عرفة ليجتمع المسلمون من شتى بقاع الأرض، لا فرق بين غنى وفقير، ولا بين وزير ولا حقير، فالجميع يتوجهون إلى رب واحد، يطلبون منه مسألة واحدة هى المغفرة والعتق من النيران، والفوز بجنات الرضوان، وإذا كان الأمر كذلك، فإن التوحد على كلمة سواء فى الدنيا وننبذ الفرقة التى طالت أقرب الأقرباء باتت من ضرورات ذلك العصر، إنها دروس الوحدة والتآلف بين الجميع، على اختلاف ألوانهم وألسنتهم ومذاهبهم، فلنغتم تلك الفرص حتى لا ينال الجميع الخسران فى الدنيا والآخرة.
يأتى العيد لينشر الفرحة والبهجة بين المسلمين، ولكن كيف ندخل الفرحة على قلوب أطفال فقدوا الأهل، وتفرقوا فى شتات الأرض لاجئين من فرط العنف والإرهاب الذى عصف ببلاد المسلمين، ألا من وقفة أمام ذلك الطوفان؟ لم يأت الإسلام إلا للمساواة بين البشر، ونشر الرحمة والسلام والوئام ليس فيما بين المسلمين وحسب، بل ومع غير المسلمين أيضا طالما لم يعتدوا، فلقد أمر الإسلام بالدعوة إلى دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والحوار الحسن بعيدا عن التعصب والتطرف، إنها قيم وتعاليم الإسلام السمحة، التى جاء بها رسولنا - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين.