الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الروائى حمدى البطران: لو قرأ نظام «مبارك» روايتى لما سقط!

الروائى حمدى البطران: لو قرأ نظام «مبارك» روايتى لما سقط!
الروائى حمدى البطران: لو قرأ نظام «مبارك» روايتى لما سقط!




حوار – خالد بيومى

 

يلتصق الروائى حمدى البطران بلحظته المصرية ويحاول أن يقرأها على ضوء ما تحلم به، لا على ضوء ما تعيشه، وقد كشف فى حوارنا معه عن الكوارث التى ارتكبها جهاز الشرطة المصرية باعتباره شاهد عيان؛ لأنه كان عضواً فى جهاز الشرطة أيام نظام مبارك، ثم أجبر على التقاعد عقب كشفه لجرائم جهازه الشرطة فى روايته «يوميات ضابط فى الأرياف» أيام نظام مبارك والذى كان سبباً مباشراً فى سقوط هذا النظام العتيق وهو يؤمن أن الكاتب لن يستطيع أن يبدع دون الشعور الذاتى على الأقل بالحرية؛ لأنها من الواجبات المفترضة للنص الإبداعى خارج دائرة النص ذاته، لذلك من غير اللائق وجود إلزامات خارجية للكاتب فيما يتجه إليه من موضوعات وأفكار. ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه وتتكرر جرائم الشرطة اليوم من تعذيب للمعتقلين حتى الموت مما أثار موجة من الغضب فى الشارع المصرى.
من أعمال البطران الأخرى: خريف الجنرال، مصر بين الرحالة والمؤرخين، الأمن من المنصة إلى الميدان، وغيرها.. هنا حوار معه.

■ كيف تقدم نفسك للقارئ العربي؟

ــ أنا كاتب ومؤلف مصري، وضابط شرطة متقاعد منذ عام 2001، بعد أن وصلت إلى رتبة اللواء، وتقاعدت بسبب مجلس التأديب الذى حوكمت فيه بسبب رواية «يوميات ضابط فى الأرياف»، والتى كتبتها عام 1998، ونشرتها دار الهلال. وتتحدث عن سلبيات جهاز الشرطة أيام حبيب العادلى ومن قبله، وكانت تلك التجاوزات بسبب قيام الشرطة بتعقب الإرهابيين، وفى سبيل ذلك ارتكبت الشرطة تجاوزات خطيرة كان يتحملها الفلاح البسيط. وكنا أول من نبه إلى أن هناك مشكلة كبيرة فى العلاقة بين الشرطة والشعب، وهو ما اعتبره حبيب العادلى ونظام مبارك بأنه إساءة للشرطة، وعليه فقد اتخذوا قرارهم المتقدم بإقالتي. وإجبارى على التقاعد. 
ولو كانوا قد قرءوا روايتى قبل يناير 2011، وأصلحوا أحوالهم لما وقع ما حدث فى 25 يناير 2011 وكان ضحيته نظام مبارك كله. 
■ كيف جاءتك فكرة رواية «يوميات ضابط فى الأرياف»؟
ــ أنا أعيش فى مدينة ديروط، وهى فى منطقة وسط الصعيد، وتمثل نموذج لكل مدن الصعيد، كما أنها إحدى مدن الصعيد التى ضربها الإرهاب، فى فترة التسعينات ونهاية الثمانينات، وكانت الشرطة تقوم بعمليات القبض العشوائى على كل من تشتبه فيهم، وكان كل شباب المدينة مستهدف من قبل جهاز أمن الدولة وقتها. وكانت الأكمنة تعقد عند نقاط المرور، وتقوم بإنزال كل الشباب من السيارات، والذين تتراوح أعمارهم ما بين السادسة عشرة، وسن الأربعين، حتى لو كان مسافراً للخارج ولديه حجز بالطائرة، وكانوا يجمعون هؤلاء الشباب المقبوض عليهم فى الأكمنة، ويرسلونهم للأمن العام، ووحدات المباحث، وأمن الدولة، لعمل فيش وتشبيه، وتجرى تحرياتها عنهم وتصويرهم جنائيا، وهو ما يعرف بتكوين قاعدة بيانات، ثم يفرج عنهم، بعد أن تستغرق تلك الرحلة عدداَ من الأيام لا يخضع لتعيين مسبق، وكان يستغرق على الأقل من أربعة إلى خمسة أيام، ومن يقبض عليه يوم الخميس، تزداد مدة احتجازه ليومين آخرين. 
لم يكن أهالى هؤلاء المقبوض عليهم يعرفون أن شبابهم غابوا بسبب الشرطة، فيبدؤون رحلة البحث فى المستشفيات والأماكن المشارح التى تعرض الجثث بالمستشفيات. وعندما يسألون فى مركز الشرطة، فلا أحد يخبرهم بأى معلومة عن ابنهم المحتجز بسبب التحري. 
وفى أحد الأيام جاءنى أحد أقاربى وأخبرنى أن قريباً له، قد احتجزوه فى مركز الشرطة، وسنة يتجاوز الثمانين عاماً، وأنه مريض بكل أمراض الشيخوخة، أذكر أننا كنا فى أغسطس، حيث الحر الشديد فى الصعيد عندنا، وكان احتجازه بسبب أن لديه ولدين سافرا، أحدهما إلى ليبيا، والآخر إلى اليمن، وكان سبب احتجاز الرجل أنه رفض أن يخبرهما بأماكن إقامة أبنائه فى تلك الدول، بالطبع فالرجل لا يعلم، ولكنهم اعتقدوا أنه يعلم ويرفض أن يعطيهم بيانات عن أبنائه، وكان هذا من الأمور الشائعة فى التعامل آنذاك. أن يقبضوا على الرجل حتى  يحضر ابنه، والزوجة والشقيقة حتى يحضر زوجها. 
وعندما ذهبت إلى مركز الشرطة، أخبرنى نائب مدير الأمن العام، بأن الرجل محتجز بسبب عدم تعاونه مع الشرطة، فأخبرته أنه ليست هناك جريمة فى ذلك، وقالت له إن الرجل من الممكن أن يموت. 
فنظر إلى الضابط، كما لو كان يستخف بعقليتي، وقال: تفتكر دى مشكلة، نرميه تحت عجلات قطار. ويا دار ما دخلك شر!!.
غير أنه كان كريما معى وسمح للرجل بالخروج من الحبس معي، وعندما فتحوا باب الحجز وخرج الرجل، كان فى الحجز أكثر من عشرين شخصاً  فى حجرة مساحتها لا تزيد على ثلاثة أمتار فى ثلاثة أمتار، وكنت رائحة الرجل لا تطاق بسبب عدم استحمامه وتغيير ملابسه لأكثر من شهرين.
كانت تلك الأسباب وغيرها الدافع الذى من أجله كتبت «يوميات ضابط فى الأرياف»، وفيها وقائع مشابهة لما حكينا عنه. 
■ كيف تجمع بين الضابط المتجهم الحاسم، ورهافة ورقة إحساس الأديب والكاتب؟ 
ـــ الضابط قبل كل شيء إنسان، ولديه فى نشأته عوامل تؤهله للدور الذى ينوى أن يلعبه، وهناك الكثير من الضباط أصابتهم حرفة الأدب، والكتابة والشعر، وأعرف الكثير من الضباط، كانت هوايتهم الأدب، فكتبوا وأبدعوا، نصوصا وشعراً، مثل:سعد الدين وهبة، والشاعر الفذ حسن فتح الباب، ويوسف السباعي، فلا علاقة للعمل، بالنواحى الإنسانية والإبداعية. 
أما عملية الحسم والإدارة وإتقان العمل، فهى أمور يمكن تعليمها وتلقينها، وفى نفس الوقت هى أمور تتعلق بطرق التعليم وممارسة العمل. 
لكن فى كل الأحوال يبقى الحس الإنسانى وحده، القادر على تسجيل ما يعتمل داخل العقل الإنسانى وتلافيف الذاكرة، ومختلف مناطق التفكير، والقدرة على التعبير,التصوير بشفافية، وهو ما يعرف بالإبداع. 
ويجب أن نلاحظ أن العمل فى الجيش والشرطة لا يشجع على الإبداع، ولا يقدرون الأديب ولا الكاتب، بل يعتبرونه مناقضاً لأفكارهم، وطبيعتهم العسكرية. 
■ كيف تعاملت وزارة الداخلية مع الرواية وقتها؟
ــ معركتى بدأت يوم أن نشرت مجلة «روزاليوسف» فى مارس 1998. بعد أيام من صدور الرواية من دار الهلال، تحقيقا صحفياً عما تحتويه الرواية، تحت عناوين مثيرة، وقالت إن الرواية تحتوى على كواليس جهاز الشرطة وما يدور فيها. 
وقتها بدأ التضييق على فى العمل، ثم نقلى إلى القاهرة كنوع من العقوبة، والتنصت على مكالماتي، وإعداد التقارير عن تحركاتي، وتصيد الأخطاء الصغيرة مثل التأخير عن العمل 15 دقيقة، وعدم ارتداء الملابس الرسمية، والانصراف من العمل قبل مواعيد الانصراف، والدخول على مدير الأمن بلا غطاء رأس، مع أن مدير الأمن لا يرتدى الملابس الرسمية. وحضور مؤتمرات أدبية دون إذن مسبق من  الوزارة، والتواجد فى الندوات بدون إذن، وقبول التكريم من وزارة الثقافة دون الرجوع إلى وزارة الداخلية. وأشياء تافهة من تلك الأمور. 
وكان قرار إحالتى للتقاعد بعد 3 سنوات هى فترة المحاكمة التأديبية فى مجلس التأديب الابتدائى والاستئناف. بمثابة نوع من الانعتاق بسب معاناتى مع قيادات، كانت تعتبرنى مارقاً. 
وبعد قرار الإحالة للتقاعد، طلب وزير الثقافة فاروق حسنى أن يلحقنى بالعمل فى الهيئة العامة لقصور الثقافة، والتى كان يرأسها فى ذلك الوقت الشاب الناشئ أنس الفقي، والذى صعد كالصاروخ حيث قفز على وزارة الشباب ثم وزارة الإعلام، ومع أنه كان فى الأربعين من عمره، وكانت كل مؤهلاته أنه أهدى السيدة الأولى بعض مطبوعات دار النشر التى يمتلكها، بعض المطبوعات من قصص الأطفال، وبعض الموسوعات، للمركز الأعلى للطفولة، الذى كانت ترأسه السيدة الأولى فى ذلك الوقت، وقتها فى 2002  كان أنس الفقى فى بداية عهده بالعمل الحكومي، وعندما علم بذلك اتصل بمباحث أمن الدولة وأخبرهم بقرار الوزير بتعيينى فى الهيئة العامة لقصور الثقافة، ولكنهم طلبوا منه تجاهل قرار الوزير، وبالفعل تجاهل أنس الفقى قرار الوزير، ولم يتم تعيينى لا فى وزارة الثقافة ولا فى غيرها، مع أن عدد اللواءات الذين عينهم فاروق حسنى وأنس الفقى من الحربية والشرطة والرقابة الإدارية يزيد عن عدد اللواءات العاملين فى الحربية والشرطة معاً، ولا علاقة لهم لا بالثقافة ولا بالمثقفين، وأذكر أن أحدهم كان يعمل بمجال الصواريخ.
بل وقامت مباحث أمن الدولة بمنع ابنى من التعيين فى النيابة العامة، وقد تم تعيين من هم دونه فى مجموع الدرجات. ولما قابلت رئيس التفتيش القضائى عبد المجيد محمود، قال لي: ارفع قضية. 
وأشياء كثيرة ومضايقات أخرى منها: أنهم أرسلوا استدعاءً لى لقطع الإجازة، وتحديد موعد لمجلس التأديب، وأرسلوا إلى زوجتى فى البيت. وقاموا بتسليمها قرار الاستدعاء، وكان يمكن أن يكون الأمر عادياً، لو كنت أنا فى البيت، أو أنهم أرسلوه مع مخبر، ولكن إمعانا فى التنكيل أرسلوا ضابط بالملابس الرسمية والأسلحة الآلية، ومعه خمسة من الجنود المسلحين، فى سيارة مدرعة، وقفت أمام البيت.ودخلوا البيت، وسلموا زوجتى الإشارة ووقعت لهم بالاستلام بعد الاطلاع على بطاقتها الشخصية.
 ■ هل أنت نادم على الانتصار لرحلتك الإبداعية رغم تأثيرها السلبى على مستقبلك فى وزارة الداخلية؟
ــ فى أول الأمر انتابنى نوع من الألم، كان مرجعه الفرق المالى الكبير بين المعاش المستحق، وبين ما كنت أتقاضاه من رواتب وبدلات، وكان أولادى كلهم فى مراحل التعليم المختلفة. وفضلا عن هذا لم أكن مهيئا من الناحية النفسية للتقاعد وقتها كان عمرى 46 عاماً. 
غير أننى بدأت أتأقلم مع هذا الوضع، وكتبت رواية «خريف الجنرال»، وبدأت القراءة الجادة والعميقة فى الأدب والتاريخ والسياسة، وبدأت أكتب بصفة منتظمة فكان كتابى «مصر بين الرحالة والمؤرخين»، ثم «تأملات فى عنف وتوبة الجماعات الإسلامية»، ثم،»الأمن من المنصة إلى الميدان». 
وقد أفادنى إلى حد كبير فى أنه أتاح لى الوقت الكافى للكتابة والقراءة والتأليف والتأمل العميق لأمور البلاد والوطن. 
■ كيف يمكن بناء شخصية ضابط الشرطة فى مصر؟
ــ الحقيقة التى لا ينكرها أحد أن فترة الدراسة الطويلة، ليست مفيدة لضابط الشرطة؛ لأنه يقضى أربع سنوات لدراسة القانون والتدريبات العسكرية العنيفة التى لا فائدة منها. 
فضلا عن ذلك، أنها تعزل الطالب عما يدور فى المجتمع فى تلك السنوات الأربع، فيتخرج كما لو كان محفوظا فى علبة بعيداَ عن المجتمع، فيتصرف بنوع من التعالى والتكبر، وأحيانا يجهل ما ينبغى عليه عمله، ويحتاج إلى  فترة طويلة لإعادة اندماجه، وتفهمه لطبيعة العلاقة بين المواطن والشرطة. وخلال السنة الأولى من العمل، فهو لا يفعل شيئاً بمفرده، لأجل هذا بعد قيام  ثورة 25 يناير 2011، تقدمنا إلى بعض الأحزاب، وكتبنا مقالات عن مشروع لنظام شرطة جديدة فى مصر، يقوم على فكرة المواطنة، وضرورة احترام القانون، وفكرة المساواة بين الناس أمام القانون، وفصل الأمن السياسى عن الجنائي، وضرورة تفرغ الشرطة للأمن الجنائي، واستحداث معدات أمنية جديدة تساعد على ضبط الجرائم. واختصار فترة الدراسة إلى سنة واحدة، والاستعانة بخريجى كليات الحقوق وبعض التخصصات التى تحتاجها وزارة الداخلية، وضرورة حل مشكلة الفئات المتعددة داخل جهاز الشرطة.
كان هدفنا من الاستعانة بالجامعيين، أن يكون الضابط، قد قضى السنوات الجامعية بين صفوف الطلاب ومارس الحياة وركب الأتوبيس، ومارس السياسة، وتعامل مع زملائه، وفضلا ما يكسبه التعليم الجامعى وطرق التدريس من تنمية القدرات العقلية للطالب الجامعى. 
■ كيف كشفت عن خفايا تعامل وزارة الداخلية مع الجماهير فى عهد مبارك؟
ــ  الداخلية دائما تدار بعقلية الفعل ورد الفعل، كما أنها تدار بعقلية كل رجال الوزير، فكان كل وزير يأتى برجاله المخلصين، دون مراعاة للخبرة أو الكفاءة، وفضلا عن هذا لم يكن هناك فكر معين يتم تعيين الوزير على أساسة، أو خطة محددة لدى الوزير، ولكنه يتم اختياره لمجرد علاقته برجال الرئيس، كما كانت وزارة الداخلية ولا تزال مترهلة ومليئة بإدارات يمكن الاستغناء عنها. 
■ وما هى الطريقة التى اتبعتها الوزارة فى التعامل مع ظاهرة الإرهاب وقتها؟
ــ تعاملت الوزارة مع الإرهاب فى نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من منطلقات ثلاثة: الأول، التعاون الدولى مع معظم دول العالم التى تكافح الإرهاب وهى الدول الأوروبية، وخصوصاً فى أعقاب الهجمات الإرهابية على برجى التجارة فى أمريكا فى سبتمبر 2001. واستفادت مصر كثيرا من حرص الولايات المتحدة الأمريكية على مكافحة الإرهاب.
الثانى: تحويل المقبوض عليهم للمحاكمات العسكرية للإسراع بصدور المحاكمات. وفضلا عن ذلك اتبعت نظام المقاومة المسلحة وهو التخلص من الإرهابيين أثناء المعارك التى تدور معهم.
الثالث: هو تغيير المفاهيم وتصحيح الأفكار. وقد نجحت الدولة. فى المنطلقات الثلاثة، وكانت تتحرك على كل المستويات.