الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«مندى.. وأرز.. وفتة».. طقوس بادية سيناء فى «الأضحى»

«مندى.. وأرز.. وفتة».. طقوس بادية سيناء فى «الأضحى»
«مندى.. وأرز.. وفتة».. طقوس بادية سيناء فى «الأضحى»




العريش – مسعد رضوان

 

تزخر البادية العربية وبادية سيناء بصفة خاصة بالعديد من العادات والتقاليد المتوارثة فى مختلف المناسبات، ومنها عيد الأضحى المبارك، حيث يحرص بدو سيناء بل كل أبناء سيناء على إحياء مظاهر العيد بما فيها من طقوس دينية وعادات وتقاليد، خاصة أنهم يعتبرون أن السيدة هاجر زوجة الخليل إبراهيم أبو الأنبياء وأم سيدنا إسماعيل عليهما السلام كانت مصرية من سيناء، ومن هنا يحرصون على إحياء السنة النبوية النحر فى عيد الأضحى المبارك من.
ويبدأ أبناء سيناء اليوم بصلاة عيد الأضحى المبارك فى الخلاء وتبادل التهانى مع المصلين، وعقب الصلاة يتجهون إلى منازلهم لنحر الذبائح، حيث يحرص كل منهم على ذبح أضحيته بنفسه تماشيا مع السنة النبوية، فكل منهم يجيد الذبح وسلخ وتقطيع الأضحية وباقى الذبائح.
وعقب الانتهاء من الذبح وتجهيز الأضحية يتجه كل فرد من الرجال إلى  مقعد أو ديوان العائلة، خاصة أن لكل عائلة أو فرع داخل القبيلة مقعدًا أو ديوانًا للالتقاء به فى مختلف المناسبات، حيث ينتظرهم هناك المشايخ والعواقل من كبار العائلة، ويتناولون طعام الإفطار من «اللحوم» و«الكبدة» سويا، ثم يخرجون لزيارة الأهل والأقارب من آباء وأبناء وأعمام وعمات وأخوال وخالات وغيرهم سواء من المتزوجين والمتزوجات من أبناء نفس القبيلة أو القبائل المجاورة، ويتم تبادل التهانى وتقديم هدايا العيد، ومن المتبع منح الأخوات أو البنات المتزوجات ربع الضحية وتقسيم الباقى بين بيته والأصدقاء والفقراء.. وبعد الظهر يلتقى أبناء القبيلة الواحدة أو العائلة داخل المقعد الرئيسى بالمدينة أو القرية أو التجمع لاستقبال جيرانهم وأقاربهم الذين يأتون لتقديم التهنئة بعيد الأضحى، وعندما يحل موعد الغداء تكون الوليمة قد تم تقديمها بمشاركة المنازل المشاركة فى المقعد وهى فى الغالب عبارة عن الفتة والأرز.
وهناك من يفضل تناول اللحوم المشوية بعد دفنها فى حفر من الرمل أو داخل براميل بعد إخماد النيران «هى تسمى بالمندى»، ولا ينسى شباب البادية فى يوم العيد أن يتسابقو على الإبل للتعبير عن فرحتهم، وتقوم الفتيات باللعب أسفل أشجار الزيتون والخوخ بالقرب من المنزل مع أقرانهن من الأقارب والجيران وفى بعض الأماكن تتجمع الفتيات لمشاهدة سباقات الإبل وألعاب الشباب عن بعد، وهناك بعض الأسر التى تفضل قضاء اليوم فى المزارع أو الأماكن الخلوية للتمتع بمباهج الطبيعة ومقومات البيئة الصحراوية.
وفى الحضر تقترب ملامح الاحتفال بالعيد مع البادية، فيما عدا بعض المظاهر الحضرية من الذهاب إلى حديقة الحيوان والحدائق العامة أو إلى شاطئ البحر وإقامة حفلات السمر للشباب، ويلتقى الجميع على مستوى العائلة الواحدة عند الجد والجدة فى جو أسرى بعد عودة المسافرين خارج المحافظة أو خارج مصر إلى ذويهم لقضاء إجازة عيد الأضحى المبارك معهم، ويعتبر الجميع يوم العيد يوما للتسامح والصفح ونسيان أى خلافات سابقة بينهم وتقام الأفراح وتزداد حالات الزواج والخصوبة يوم العيد.
يقول مسلم الحوص، خبير التراث البدوى: إن الأفراح تزداد فى الأيام السعيدة من زواج وولادة وختان أو العودة من الحج وهناك أفراح ثابتة تقام سنويا وهى احتفالات عيد رمضان وعيد الأضحى المبارك، وأن هناك مظاهر للاحتفال بها من خلال الآلات الشعبية السائدة فى سيناء وهى الربابة السيناوية والشبابة «المضباحة» والمقرون أما أهم الأغانى فهى القصيدة والمويلى والحداء «الحدى»، وكذلك السامر، وهو من السمر ويطلق على جميع الاحتفالات الليلية، علاوة على أن هناك اختلافات طفيفة فى السامر من قبيلة إلى أخرى، لكنها تكون فى الشكل والأداء وليس فى المضمون.
ويضيف: إن السمر يبدأ بتجميع الفتيات الصغيرات فى مكان مرتفع بعد صلاة العشاء، ويبدأن الزغاريد إشارة ودعوة لبدء السامر، ثم تأتى الشابات والنساء والشباب والرجال، حيث تجلس النساء بجوار بعضهن ويجلس الرجال أمامهن على بعد لا يقل عن 20 مترا، ويتكون السامر من كل أو بعض الأشكال الآتية:. «الرزعة»: ويجلس الرجال فيها فى مجموعتين وبكل مجموعة شاعر يسمى الرزيع، ويكون التنافس بين المجموعتين شديدا يبدأ الرزيع فى ذكر الشطر الأول من أى بيت شعرى تجود به قريحته الفطرية وتكرر مجموعته ما قاله بلحن وأداء مميز، بعدها يرد عليهم رزيع المجموعة الثانية مكملا الشطر الثانى لنفس البيت الشعرى الذى قاله الرزيع الأول وبنفس الوزن والمضمون ثم تتبعه مجموعته بترديد ما قاله، ثم يبدأ الرزيع الأول بتأليف شطر جديد وتردده مجموعته ويرد عليهم الرزيع الثانى بالشطر الثانى يتبعه مجموعته مرددة ما قاله وهكذا، أما النساء والفتيات فيجلسن منصتات لما يقال فى الرزعة وهذا يسمى التحرى أى معرفة المضامين والمقاصد التى يتحدث عنها الشاعران المتنافسان لأن الشعراء قد يتناولون فى أشعارهم مشاكل وأمانى وطموحات والعلاقات العاطفية بين الحاضرين والحاضرات من الجنسين وأنهم قد يقترحون حلولا لها من خلال أشعارهم.
«الدحية»: قد يبدأ بها السامر مباشرة أو قد تأتى بعد الرزعة وفيها يبدأ الرجال فى الوقوف صفا واحدا وهم يقولون دحييه دحييه ويكررونها، وهى كلمة تقال وتردد لضبط الحركة وحتى يكتمل الصف، وتخرج حاشية «راقصة» أو أكثر من بين النساء الجالسات ويتحرك الصف إلى الأمام والخلف، وقد يجلسون ساجدين والراقصة تتبعهم وتقلدهم فى الجلوس وهى ترقص وتحمل بيدها سيفا يلمع على ضوء القمر تحركه وتشير به لتمنع أحدهم من الاقتراب منها، ثم يبدأ البدع، حيث يقول البداع بيتا من الشعر وتليه المجموعة بقولها «حان قول الريداة» بمعنى أنه حان وقت الرد على هذا القول الجميل فينبرى له بداع «شاعر» آخر بقوله بيتا من الشعر على نفس الوزن وفى ذات الموضوع، ثم تتبعه المجموعة قائلة: «حان قول الريداة» فيرد البداع الأول وهكذا، ويستمر البدع وتستمر الحاشية إلى أن يتوقف أحد الشاعرين أو ينتهى السامر، ويتناول الشعراء أخبار المجتمع ويومياته، وقد يمدحون قبائلهم والمشاهير من بين رجالهم وقد يمتدحون الحاشية وقد يتناولون فى بدعهم بعض قيم الصحراء النبيلة مثل الكرم والوفاء والشجاعة ونجدة الجار والطنيب.
«المربوعة»: وتنتشر المربوعة لدى بعض القبائل ومعدل الكلام والحركة فيها أسرع منه فى الدحية والبدع، وفيها يقول المغنى بيتا من الشعر الغنائى ثم تليه المجموعة بقولها: «هولا هولا بك يا هلالا  يا حليفى يالوالد» وهى تعنى أهلا بك أيها الصديق العزيز، فيرد المغنى الثانى ثم تليه المجموعة قائلة: «هولا بك ياهلالا يا حليفى يالولد» فيرد البداع الأول ثم المجموعة وهكذا.
«الحداء» ـ الحدى: قد يكون للأبل، حيث يغنى الرجال أثناء رفعهم الماء من الآبار ووضعه فى الحياض لتشرب أبلهم وأغنامهم، وهناك أيضا «المويلى» ـ الموال ـ: قد يغنيه الرجل وهو سائر وحيدا ممتطيا جمله، وقد تغنيه المرأة أيضا وهى جالسة مع أغنامها.. ويضيف مسلم زايد، أحد أبناء وسط سيناء: إن من مظاهر الاحتفال بالعيد وباقى المناسبات السعيدة يتم تعليق الرايات البيضاء، حيث تعتبر راية للمناسبات السعيدة وأن هذا النوع من الرايات يرفع فى المناسبات الطيبة مثل الأعياد «الفطر» و«الأضحى»، وهو غير مرتبط بفترة زمنية محددة فقد يبقى مرفوعا إلى أن يبلى فيتم استبداله بقماش جديد، لكن هذه الرايات قد تختفى من مكانها عند حدوث وفاة كنوع من الحداد على المتوفى.