الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«حكم النبى محمد» رسالته إلى الغرب رداً على موجة العداء للدين الإسلامى

«حكم النبى محمد» رسالته إلى الغرب رداً على موجة العداء للدين الإسلامى
«حكم النبى محمد» رسالته إلى الغرب رداً على موجة العداء للدين الإسلامى




إعداد - مروة مظلوم

للكلمات دلالات مختلفة بين أبناء الوطن الواحد تختلف وفقاً للكنة المستخدمة لتفخيم اللفظ أو ترقيقه.. فما بالك باختلاف الحدود والثقافات والتقاليد والديانة.. اللغة وحدها ليست العائق الأكبر فى تواصل البشر.. وهناك من تجاوز هذا العائق بحثاً عن المعرفة قلة هم من يبحثون عن الحق وندرة هم من تحدوا تقاليد مجتمعهم ليسلكوا سبيله.. الكونت ليف نيكولايافيتش تولستوى أحد عمالقة الأدب الروسى فى القرن التاسع عشر وأحد المناضلين بحثاً عن الفضيلة.

لم يخل عصر من العصور من حملة تشويه وتزييف لحقائق حول الدين الإسلامي، فكثير من الكتاب كانوا يسايرون موجة العداء غير المبررة دفاعاً عن ثقافة مجتمعاتهم التى تعزز العداء باعتباره مصدر تهديد لها.. إلا أن لتولستوى نظرة مختلفة فى العرض والتبسيط.. فقد كان أحد أهم المفكرين الغرب ممن تصدوا للأفكار الهمجية غير المنصفة للدين الإسلامي.. وكان يؤمن بأن المفكرين الأحرار هم أولئك الراغبون فى استعمال عقولهم دون أفكار مسبقة ودون أن يخافوا من فهم الأشياء التى تصطدم مع تقاليدهم وامتيازاتهم ومعتقداتهم.. لذا آثر البحث والتنقيب فى سيرة رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مستنداً إلى أحد كتب الحديث المترجمة بالإنجليزية لعبد الله السهروردى - ورد أنه هندى الأصل- ثم  نقله إلى العربية مرة أخرى الفلسطينى سليم قبعين الذى ذيل الكتاب بمقدمة قال فيها: «الرجل العظيم يحترم الرجل العظيم والنفوس الفياضة تصبو لنظائرها» وأرجع سبب تناول تولستوى لحياة نبى الله محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى الحملات التى شنتها جمعيات المبشرين فى قازان بروسيا وما نسبته إلى صاحب الشريعة الإسلامية تنافى الحقيقة فهزته الغيرة على الحق بوضع رسالة صغيرة انتقى فيها من أحاديث نبى الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ذكرها بعد مقدمة جليلة الشأن وقال هذه تعاليم صاحب الشريعة الإسلامية  وهى عبارة عن تعاليم عالية ومواعظ سامية.. ويقول المترجم «قبعين» لما اطلعت على رسالة تولستوى راقنى ما جاء فيها من الحقائق الباهرة والمقاصد الشريفة فدفعتنى الغيرة على الحق لنقلها إلى اللغة العربية.
■ من كان محمد؟
بدأ تولستوى رسالته بتعريف صاحب الشريعة الإسلامية بالإجابة عن سؤال «من محمد ؟»  تناول الميلاد والنشأة وعبادة الأصنام فى محيط  قبيلته.. وخلاصة الديانة التى دعا إليها « أن الله واحد لا إله إلا هو ولذلك لا يجوز عبادة أرباب كثيرة وأن الله رحيم عادل وأن مصير الإنسان النهائى متوقف على الإنسان نفسه فإذا سار حسب شريعة الله وأتم أوامره واجتنب نواهيه فإنه فى الحياة الأخرى يؤجر أجراً حسناً.. وإذا خالف شريعة الله وسار على هواه فإنه يعاقب عقاباً شديداً».
يصف ليو تولستوى النبى محمد فى كتابه (حِكَم النبى محمد) قائلا هو مؤسس دين ونبى الإسلام الذى يدين به أكثر من مائتى مليون (1912) قام بعمل عظيم بهدايته وثنيين قضوا حياتهم فى الحروب وسفك الدماء، فأنار أبصارهم بنور الإيمان وأعلن أن جميع الناس متساوون أمام الله .
ويدعم تولستوى فكره عن الدين الإسلامى بقوله «من أراد أن يتحقق مما عليه الدين الإسلامى من التسامح فليس له سوى أن يطالع القرآن الكريم بإمعان وتدبر فقد جاء فى آياته ما يدل على روح الدين الإسلامى السامية منها» (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
ويضيف تولستوى فى وصفه لرسول الله سيدنا «محمد» صلى الله عليه وسلم: «ومما لا ريب فيه أن النبى محمد كان من عظماء الرجال المصلحين الذين خدموا المجتمع الإنسانى خدمة جليلة ويكفيه فخراً أنه هدى أمة بأكملها إلى نور الحق وجعلها تجنح إلى السكينة والسلام وتؤثر عيشة الزهد ومنعها من سفك الدماء وتقديم الضحايا البشرية وفتح لها طريق الرقى والمدنية وهذا عمل عظيم لا يقوم به شخص مهما أوتى من قوة، ورجل مثل هذا جدير بالاحترام والإجلال.
وفى فقرة أخرى يقول تولستوى «محمد لم يقل عن نفسه أنه نبى الله الوحيد بل اعتقد أيضاً بنبوة موسى والمسيح عيسى وقال إن اليهود والنصارى لا يكرهون على ترك  دينهم بل يجب عليهم أن يتمموا وصايا أنبيائهم ، وفى سنى دعوة محمد  الأولى كثيراً من اضطهاد أصحاب الديانة القديمة شأن كل نبى قبله نادى أمته إلى الحق لكنها لم تثن عزمه بل ثابر على دعوة أمته.. وقد امتاز المؤمنون عن العرب بتواضعهم وزهدهم فى الدنيا وحب العمل وبذلوا جهدهم لمساعدة إخوانهم لدى حلول المصائب بهم.
ثم تناول تولستوى أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم  نصاً حسب ما نقله عن -كاتبها الهندي- عبدالله السهروردى والتى تضمنت 91 حديثاً منتقاة بعناية بما يتوافق مع معتقدات تولستوى  لكن المترجم لم يتعرض إلا إلى 41 حديثاً منها فقط إذ لم يجد لبعضها مصدراً محدداً ومن الأحاديث الواردة فى ترجمة سليم قبعين :
«انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً فقال رجل «يا رسول الله أنصره مظلوماً فكيف أنصره ظالماً قال تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه»، «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، «الحلال بين والحرام بين»
■ رسالة الإمام محمد عبده إلى تولستوى
كتاب تولستوى عن نبى الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لاقى ترحيب أئمة المسلمين حتى قبل نشره فما إن وصل الخبر إلى الإمام محمد عبده حتى بادر بمراسلة تولستوى وقد كتب الشيخ محمد عبده رسالة إلى تولستوى يشكره فيها على مبادرته الطيبة تجاه الإسلام والمسلمين هذا نصها:
«أيها الحكيم الجليل مسيو تولستوي، لم نحظ بمعرفة شخصك ولكننا لم نحرم التعارف مع روحك، سطع علينا نور من أفكارك، وأشرقت فى آفاقنا شموس من آرائك، ألفت بين نفوس العقلاء ونفسك. هداك الله إلى معرفة سر الفطرة التى فطر الناس عليها ووقفك على العناية التى هدى البشر إليها، فأدركت أن الإنسان جاء إلى هذا الوجود لينبت ويثمر بالعمل ولأن تكون ثمرته تعباًً ترتاح به نفسك وسعياً يرقى ويبقى به جنسه، وشعرت بالشقاء الذى نزل بالناس لما انحرفوا عن سنة الفطرة وبما استعملوا قواهم التى لم يمنحوها إلا ليسعدوا بها فيما كدر راحتهم وزعزع طمأنينتهم. ونظرت نظرة إلى الدين مزقت حجب التقاليد، ووصلت بها إلى حقيقة التوحيد ورفعت صوتك تدعو الناس إلى ما هداك الله إليه، وتقدمت أمامهم بالعمل لتحمل نفوسهم عليه فكما كنت بقولك هادياً للعقول كنت بعملك حاثاً للعزائم والهمم، وكما كانت آراؤك ضياء يهتدى بها الضالون كان مثالك فى العمل إماماً يقتدى به المسترشدون، وكما كان وجودك توبيخاً من الله للأغنياء كان مداداً من عنايته للضعفاء الفقراء. وإن أرفع مجد بلغته وأكبر جزاء نلته على متاعبك فى النصح والإرشاد هو هذا الذى سماه الغافلون بالحرمان والإبعاد، فليس ما حصل لك من أرباب الدين سوى اعتراف منهم أعلنوه للناس أنك لست من القوم الضالين؛ فاحمد الله على أن فارقوك فى أقوالهم كما كنت فارقتهم فى عقائدهم وأعمالهم. هذا وإن نفوسنا لشيقة إلى ما يتجدد من آثار قلمك فيما تستقبل من أيام عمرك، وإنا نسأل الله أن يمد فى حياتك ويحفظ عليك قواك ويفتح القلوب لفهم قولك ويسوق النفوس إلى التأسى بك فى عملك والسلام».
هذه الرسالة موجودة فى متحف تولستوى وبجانبها ترجمة إنجليزية لنص الرسالة العربية مؤرخة فى الثانى من شهر نيسان عام 1904 ميلادية. بخط المستشرقة الإنجليزية «آن بلنت» وهى حفيدة الشاعر الإنجليزى اللورد «بايرون» وزوجة الشاعر الإنجليزى ولفريد سكاون بلنت.. وقد رد ليف تولستوى برسالة مكتوبة باللغة الفرنسية موجودة بجانب رسالة الشيخ محمد عبده فى متحف تولستوى يقول فيها: «صديقى العزيز.. تلقيت خطابكم الكريم، وها أنا أسارع فى الرد مؤكداً امتنانى من هذا الخطاب الذى أتاح لى الاتصال برجل مستنير برغم اختلاف عقيدته عن العقيدة التى نشأت وتربيت عليها. وأظن أن العقائد تختلف لكن الدين واحد. آمل أن لا أكون قد أخطأت إذا افترضت من واقع خطابكم أن الدين الذى أدين به هو دينكم، والذى يرتكز على الاعتراف بالله وشريعته فى حب الغير، وأن نتمنى للغير ما نتمناه لأنفسنا. وأعتقد أنه كلما كثرت العقائد فى الأديان وامتلأت بالأوهام والخرافات ساعد ذلك على تفرقة البشر وخلق العداوات بينهم. وكلما كانت الأديان بسيطة، اقتربت من هدفها وهو وحدة الناس جميعاً، وهذا ما جعلنى أقدر خطابكم وأود استمرار الصلة بيننا. وتقبل منى يا عزيزى المفتى محمد عبده كل التقدير والاحترام. ليف تولستوى الثانى عشر من شهر أيار 1904م».
■ مآخذ على ما ورد فى نص رسالة تولستوى
يؤخذ على المترجم تمريره لنسب الأحاديث التى نقل عنها لشخص «عبد الله السهروردي» دون نبذة عن العالم وكنيته وأصله فالمعروف من «آل السهروردي» النسب عراقى وليس هنديًا كما ورد فى مقدمة الكتاب حتى لا يختلط الأمر على القارئ بين عالم الدين العراقى الأصل والمترجم الهندى الذى نقل بعض من أحاديث رسول الله المنتقاة وضم إليها أحاديث ونسب مناقشات وأقوال الصحابة إلى الرسول بنصوص غير «مسندة» وبمصطلحات يلتبس فيها المعنى عند غير العرب.. مترجم الأحاديث لم يكن دقيقاً فى روايتها وبالتالى نقلها تولستوى إلى الروسية بأخطائها وجاء المترجم من الروسية إلى العربية سليم «بن قبعين» أعاد الكرة وإن كان بحكم أصله العربى تدارك بعضها فلم يعرض إلا 41 حديثاً فقط فعلى حسب قوله فى مقدمة كتابه» وقد عانيت المشاق فى رد الأحاديث إلى أصولها العربية التى وردت فيه. وقد وجدت من المناسب أن أذكر بعض أقوال الكتاب الروسيين المنصفين فى الإسلام إتماماً للفائدة فجمعت من مجلات مختلفة بعض المقالات أذكرها قبل رسالة الفيلسوف توفيةً لهذا الموضوع حقه، وإنى أرجو أن تصادف خدمتى هذه القبول الحسن عند عامة المسلمين».
وقد طبع كتاب حكم النبى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة فى القاهرة بمطبعة محمد على  الطبعة الأولى بتاريخ 1910 والطبعة الثانية صدرت عام 1915م. وصدرت الطبعة الثالثة عام1987م.. وأخيراً الطبعة السورية عن دار الملوحى للطباعة والنشرة والتوزيع ترجمة سليم قبعين، تقديم وتعليق عبد المعين الملوحى ويصل عدد الأحاديث فيها  إلى أربعة وستين حديثاً..واتسمت بملحق فى آخر الكتاب فى تخريج للأحاديث والآثار المترجمة قام به محمود الأرناؤوط.
لقد أضمر الكاتب الروسى احتراماً خاصاً للأدب العربي، والثقافة العربية، والأدب الشعبى العربي، فعرف الحكايات العربية منذ طفولته، وعرف حكاية «علاء الدين والمصباح السحري»، وقرأ «ألف ليلة وليلة»، وعرف حكاية «على بابا والأربعون حرامي»، وحكاية «قمر الزمان بين الملك شهرمان»، ولقد ذكر هاتين الحكايتين ضمن قائمة الحكايات، التى تركت فى نفسهِ أثراً كبيراً، قبل أن يصبح عمره أربعة عشر عاماً. وهناك دليل آخر على احترام ليو تولستوى للتراث العربي. فيذكر الكاتب، أنّه أمضى إحدى الليالى فى غرفة جدته، وأصغى إلى حكايات المحدث الأعمى ليف ستيبا نفتش، الذى كان يعرف حكاياتٍ عربيةً كثيرةً، ومنها حكاية «قمر الزمان بن الملك شهرمان».
كتب ف.ف.لازورسكى فى مذكراته: «وحدثنا ليف نيكولايفتش حكايةً عربيةً، من «ألف ليلة وليلة»، حيث تحول الساحرة الأمير إلى فرسٍ، إنّه يحبّ كثيراً الحكايات العربية، ويقدرّها تقديراً عالياً. ويقول: يجب معرفتها منذ الطفولة.
ويرى تولستوى إنّها نافعة أكثر من مقالة «ماهى الليبرالية»، التى نشرت فى مجلة «النقد الأدبي» (162، ص 460).
عتب تولستوى على خ.د.التشيفسكيا، لأنّها لم تضمّن قائمة الكتب المقترحة للقراءة الشعبية الحكايات العربية فكتب لها، «لماذا لم تقترحى الحكايات العربية؟ إنّ الشعب يرغب فى قراءتها! هذا تقصير من جانبك»، واستلم تولستوي، فى السنة الأخيرة من عمرهِ، طبعةً فرنسيةً جديدةً «لألف ليلة وليلة»، وقرأها من جديدٍ بكلّ سرورٍ.
تعود علاقة تولستوى الأولى بالأدب الشعبى العربى إلى عام 1882م، فلقد نشر فى ملحق مجلته التربوية (يا سنايا بوليانا)، بعض الحكايات العربية الشعبية، منها حكاية «على بابا والأربعين حرامي». ويظهر تأثر ليو تولستوى بألف ليلة وليلة فى روايته لحن كريستر. وأيضا يذكر انه تراسل مع الإمام محمد عبده ولكن توفى الاثنان ولم يكملوا تحاورهما بعد رسالتين فقط.
قراءات تولستوى الدينية ليست متعمقة ولكنها كانت لمجرد المعرفة والإطلاع على ثقافات الآخر وطريقة تفكيره.. لكنه قاوم الكنيسة الأرثوذكسية فى روسيا..ودعا للسلام وعدم الاستغلال، وعارض القوة والعنف فى شتى صورهما. ولم تقبل الكنيسة آراء تولستوى التى انتشرت فى سرعة كبيرة، فكفرتهُ وأبعدتهُ عنها وأعلنت حرمانهُ من رعايتها. وأُعجب بآرائه عدد كبير من الناس وكانوا يزورونه فى مقرهِ بعد أن عاش حياة المزارعين البسطاء تاركًا عائلتهِ الثرية المترفة.
وهو كفيلسوف أخلاقى اعتنق أفكار المقاومة السلمية النابذة للعنف وتبلور ذلك فى كتاب (مملكة الرب بداخلك)، وهو العمل الذى أثر على مشاهير القرن العشرين مثل المهاتما غاندى ومارتن لوثر كينج فى جهادهما الذى اتسم بسياسة المقاومة السلمية النابذة للعنف.