الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

مآلات «درع فرات» أردوغان

مآلات «درع فرات» أردوغان
مآلات «درع فرات» أردوغان




كتب - مصطفى أمين

تمثل عملية «درع الفرات» التى أطلقها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان تجسيداً جديداً «للغزو» العسكرى بمفردات براجماتية تركية، ففى الوقت التى ترفع فيه الدولة «الأردوغانية» الممزوجة بخليط إسلامى علمانى شعار محاربة الدولة الإسلامية «داعش» كمبرر للغزو، نجد أهدافاً شوفينية مغالية فى الوطنية التركية، تستخدمها كذريعة لحماية أمنها القومى من النفوذ الكردى المتنامى فى الشمال السورى.
 فدعوى محاربة داعش «حجة» واهية تحاول بها أنقرة حماية مصالحها فى سوريا، فى المقام الأول، بعد اقتراب أكراد سوريا من السيطرة على جميع مناطق الشمال السورى، ووضعهم فى مناطق التماس المباشر مع تركيا، وهو ما قد يجبر الأتراك إلى التعامل المباشر معهم، وهو الأمر الذى ترفضه تركيا، على الرغم من أن الواقع على الأرض يقول أن قوات وحدات الحماية الكردية تسيطر على 6 معابر حدودية من أصل 13 مع تركيا، وهو أمر واقع لا تستطيع تركيا تغييره، على الأقل فى المدى القريب.
وعلى الرغم من أن التداخل التركى الكبير فى الصراع السورى منذ اشتعاله فى 15 مارس 2011 سنح لها أكثر من مرة للتدخل المباشر، ولكن أنقرة اختارت التوقيت الذى يناسبها ويناسب حلفاءها بذريعتها «الـقديمة والحديثة» فى وقت واحد، فالتنظيمات الجهادية وعلى رأسها داعش «جارة مخلصة» على الحدود التركية ولم تهدد أمنها القومى مباشرة، إلا عندما قرر الجار التركى سلخها عن الصراع السنى الشيعى فى الشرق الأوسط.
 ولكن يبقى الهدف الأسمى وهو القضاء على النفوذ الكردى فى الشمال السورى لا يتجاوز الحدود الدنيا للخطر على الأكراد على الأقل، فكيف ستوقف تركيا الأحلام الكردية بدولة مستقلة ومساعيهم التى لا تعرف اليأس لإقامة كيانهم الخاص على الأقل فى سوريا؟ حتى وإن قزمته تركيا بتدخلها إلى مجرد «كانتونات» داخل أى منطقة تطالها نفوذهم، حتى ولو كانت داخل الأراضى التركية.
وعلى الجانب الآخر تبقى احتمالات تطبيع العلاقات بين الرئيس التركى رجب طيب أردوغان والرئيس السورى بشار الأسد فى طور التكهنات المستقبلية، التى لا تخرج عن إطار الاحتمالية القابلة للتحقيق من عدمها، على حسب المتغيرات التى سوف يحدثها التدخل التركى على الارض فى الشمال السورى، لأن المعطيات التى أحدثها التدخل التركى لم تصب فى صالح النظام السورى عملياً على الأرض، وأن دفع قوات الحماية الكردية إلى شرق الفرات وتحيدها عن منطقة غرب الفرات يصب فى صالح منطقة أمنة لتركيا داخل الحدود التركية.
ناهيك عن أن احتمالية التعاون بين تركيا والنظام السورى مجرد تحصيل حاصل، لأن الأكراد فى الشمال السورى وتحديدا قوات الحماية الـ«byd» المهيمنة على المشهد الكردى السورى بشكل قمعى ليست عن نفس درجة العداء مع الأسد وأن الخلاف بينهما فى الحسكة مجرد خلاف حول مناطق النفوذ تم احتواؤه سريعا.
 ولكن من الممكن أن يأخذ التقارب التركى مع الأسد منحى آخر فى إطار صفقة مع الروس، يسمح فيها للأتراك ببعض التواجد العسكرى فى الشمال السوري، مقابل ضغط أنقرة على المكون السورى الأكبر فى المعارضة السياسية السورية «الاتئلاف الوطنى لقوى المعارضة السورية»، والذى يتواجد مقره الرئيس فى انقرة، ويتمتع بحماية تركيا لجعل الأسد جزء من الحل السياسى فى مفاوضات الحل السياسى فى سوريا المستقبل.
وفى المجمل، فإن تركيا لن تضحى بسهولة برصيدها الواسع لدى المعارضة السورية بالتطبيع المباشر مع النظام السوري، وذلك لسببين، الأول أنها تدرك أن الأسد ونظامه إلى زوال، وأن الحماية الروسية والإيرانية سرعان ما ستزول عنه أما بصفقة مع القوى الكبرى بقيادة الولايات المتحدة الامريكية أو بالهزيمة على الأرض من قبل الفصائل المسلحة، والسبب الثانى انها لن تجازف بتحويل مشاعر الحب لدى اللاجئين السوريين لها الى كراهية قد تتحول إلى أعمال عنف ضد الأمن القومى التركي، خاصة أن عددهم يزيد على المليون لاجئ بالإضافة إلى علاقة النظام التركى الوثيقة بجماعة الإخوان السورية، التى لها دور فاعل فى المشهد السياسى والعسكرى السورى حاليا ومستقبلا.
 وهو ما يجعلنا فى النهاية نعتبر أن مآلات عملية «درع الفرات» لن تكون فى النهاية حاسمة بنتائجها للنظام التركى بمفرادته البراجماتية، وفى الوقت نفسه لن تكون معوقاً للنفوذ الكردى المتنامى فى الشمال السورى.