الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

رأس السمكة الصالح

رأس السمكة الصالح
رأس السمكة الصالح




كتب -  هشام فتحى

أيبدأ التغيير والإصلاح من أعلى أم من أسفل؟ تلك هى المسألة. تذكرون مقولة السيد زكريا عزمى الخالدة «الفساد فى المحليات للركب»، وصلت الحلقوم الآن، للدرجة التى نبحث عن بضعة شرفاء فى بر (المحروسة)، بالقطع لن تجدهم على الأسطح، أظن تجدهم بالقواعد، فإن لم تجدهم فإن أغلب الظن أنهم هاجروا أو ألمت بهم ملمة.
ومازال السؤال صارخا: هل يبدأ الإصلاح من أعلى أم من أسفل؟ والإجابة أشد صراخا وصراحة: يبدأ يقينا من أعلى، من القانون، وآه من القانون، بل آه على القانون، قوانيننا المغدورة، المكفورة، جعلناها قراطيس أو طراطير، نرتديها فى كرنفالات السياسة، فهذا قرطاس أحمر يناسب، وهذا قرطاس بمبى يناسب أكثر . لا يا سادة، شعب أميته هذه نسبتها، وجهله هذه معلوميته، وفساده هذا مقداره لا يمكنه إصلاح نفسه بنفسه - وإلا كان قد أصلح نفسه ورفع بلاده للذرا منذ سنين - هل من مصلحة (الناس إللى فوق) إبقاء الوضع على ما هو عليه؟ أضحك، بل أبكي، كلاهما بطعم العلقم، حينما أتذكر هؤلاء المترشحين لـ«مجلس النواب» عن مدينتى التى أسكنها، صدقونى لا أذكر حتى أسماءهم، ولاأعرف أشكالهم، غادرونا وغدروا بنا بعد أن حصلوا على «الحصان الطائر» الحصانة النيابية أقصد، ولم يعد لهم أثر بيننا، أين هم من مشاكل لا حصر لها بالمدينة؟ لقد اكتفوا بترديد عبارة «تحيا مصر» داخل أروقة المجلس الموقر بعيدا عن «حياة المدينة» التى ترشحوا عنها لنيل عضوية المجلس، وما المدينة سوى مصر لو كانوا يعلمون.
عندما طرح كبير ياوران العهد المباركى مقولة «الفساد للركب» أو صرخ ماذا حدث؟ ذهبت أدراج الرياح صرخته، هل لأن الرجل كان محسوبا على ماكينة الفساد الرسمية فلم يصدقه أحد؟ مجرد سؤال، لماذا لم يهمس فى أذن سيده «مبارك» بفساد المحليات؟ أم تراه فعل ولا مجيب؟
لا شىء تغير الآن، فسادنا مركب معقد، أمراضنا مزمنة، سقوطنا مدو، جميعنا يعرف المرض، والعرض، لكننا كذلك نعرف العلاج. من أعلى يبدأ العلاج، من رأس السمكة الصالح تعرف صلاحية السمكة وجودتها، انظر حولك سيدي، ترى كل المجتمعات التى تقدمت بعد الهلاك والدمار، بدأت من الرأس، من أعلى، من القانون، لماذا سقطنا وحدنا - بعد حكايا نصر فى 73 وثورتين مجيدتين - لماذا سقطنا؟ لماذا تخلينا عن ركب العالمين؟ أما بدأنا المسير مع اليابان وألمانيا بعد دمارهما فى الـ45، ولعمرك كنا نسبقهما عهد «الليبرالية» قبل 52، أما كانت مصر سلة غذاء العالم منذ القديم؟ فما الذى جعلنا نقتات القروض والمنح والهبات من شذاذ الآفاق؟ أما كنا موئل المطرودين وطالبى اللجوء وراغبى العمل؟ أما كانت مصر حضنا دفيئا لأديان المختلفين؟ فما الذى حدث؟ إنه رأس السمكة الفاسد بكل يقين. سيبدأ الإصلاح من الرأس، ولا مناص، سيبدأ الإصلاح بـ «ثورة التعليم»، بالنور، بالقانون، بداخلية منضبطة، بعقاب للفاسدين، ومثوبة للمصلحين، بتغييب الخرافة وأهلها، وتحضير للعلم وصناعه، بثقافة إنسانية وقعنا على صكوكها بالأروقة الدولية ولا مناص، بقيم عالمية تنكرنا لها بدعاوى صحراوية.
إن نظرة ثاقبة من الرأس وسلوكا صارما يطال الجسد لهو الحل المبين، أليس بتراثنا أن مضغة القلب الصالحة دليل على صلاح الجسد؟ لا تضيعوا الوقت يا أهل الحكم، فقديما قالوا «إن الوقت من ذهب»، لقد اكتفينا مسكنات، وتعبنا من المنشطات، لن يبدأ التغيير إلا بكم، تغييرا حقيقيا.
إنها صرخة صادقة تنبعث من القواعد علها تصل إلى الرأس، رأس السمكة الصالح.