الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حتى لا تطير الأفكار

حتى لا تطير الأفكار
حتى لا تطير الأفكار




كتب - د. محمد محيى الدين

أخشى أن نكون قد وصلنا إلى تحقيق مقولة موشى ديان، وزير الدفاع الإسرائيلى، يتهمنا فيها «بأننا لا نقرأ وإذا قرأنا فإننا لا نفهم، وإذا فهمنا فإننا لا نعمل بما فهمنا» ورغم أن تلك المقولة قاسية إلا أنها تقترب فى أيامنا هذه من الحقيقة فالقراءة أصبحت عبئا لا يطيقه الكثير ولا يراها شبابنا بشكل خاص ضرورية، أو على الأقل هى مضيعة للوقت، وأهملت مكتبات المدارس والجامعات، ناهيك عن المكتبات العامة التى تعانى من قلة المترددين عليها، وما زلت أذكر خلال زيارتى لاحدى الكليات الجامعية الحكومية أن نصحنى أحد الموظفين أننى سأجد ما أبحث عنه فى مكتبة الكلية، ونظرا لأنها كانت زيارتى الاولى للكلية فقد لجأت إلى سؤال أكثر من طالب عن مكانها وللأسف لم يستطع أى منهم أن يدلنى على مكانها، حتى تطوع أحد العمال بمساعدتى.  
صحيح أن شبكات الإنترنت سحبت البساط إلى حد كبير من تحت أقدام الصحف الورقية والكتب إلا أن الملاحظ انه حتى نوعية القراءات عبر الانترنت لا ترقى الى المستوى الذى يؤثر على ثقافة اجيالنا والجميع يعرف ان الكثير مما يوضع على الانترنت لا يخضع للتمحيص أو المراجعة والحديث يطول عن الحالة التى وصلت إليه القراءة رغم المحاولات من بعض الجهات لنشر الكتب والمراجع بأثمان زهيدة لتشجيع القراءة الا أنها لم تؤت ثمارها او أنها اندثرت بذهاب راعوها ليظل ما يحزننى بل ويحزن الكثير أن مسئولينا قد انتقلت اليهم العدوى تلك والا فما معنى تلك الأفكار المتدفقة فى وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة تناقش وتحلل وتقترح ولا ندعى ان كل ما يطرح من أفكار جيدة أو قابلة للتطبيق، ولكن المؤكد أن الكثير منها قابل للمناقشة أو التطبيق، ومع ذلك فإنها فى واد والحكومة فى واد آخر، حتى أصاب كتابنا ومثقفينا الملل من الكتابة والمناقشة لمشاكلنا وجعلهم يشعرون أنهم «يؤذنون فى مالطة» فلا الأفكار تتابع ولا يلتفت إليها المسئولون والنتيجة أننا نكرر اخطاءنا لنصل الى النتائج نفسها والتى كانت سببا فى تخلفنا.
وما يقال عن الأفكار يقال عن غياب أى مسح دقيق للمواهب والعقول والخبرات التى تمتلئ بها مصر فى الداخل والخارج، اللهم من بعض الاجتهادات الفردية وليس أدل على ذلك اننا نعانى عندما نبحث عن خبير أو قيادة تصلح لتولى منصب وزارى أو قيادة مؤسسة نلجأ الى الاقارب والاصدقاء لترشيح من يرونه أو من يثقون به، واقتصرت معظم الترشيحات على قطاعات معينة فى المجتمع وبدت الساحة فى الداخل والخارج كأنها فقر من المواهب والكفاءات وتحولت الشلل أو الجماعات القريبة من السلطة المصدر الرئيس للاختيار ومما زاد الطين بلة، أن الأحزاب ما زالت غير قادرة على إفراز كوادر وقيادات صالحة لتولى المسئولية حتى فى داخلها ومن ثم فالأخيار يبتعدون تدريجيًا وأنصاف المتعلمين يتقدمون لنتحول إلى دولة متخلفة بعد ان كنا على أبواب التقدم والريادة، ويتقهقر ترتيبنا ليحتل أسفل القائمة فى مختلف القطاعات على المستوى العالمى بل والعربى.
وإذا كانت القراءة عبئا لا يحتمل، واذا كانت دوائر اتخاذ القرار اصبحت ضيقة فى بلد يضم 90 مليون نسمة، ويعج بالمؤهلين وأصحاب الكفاءات فى الداخل والخارج، قادرة على الأخذ بيد هذا البلد خطوات إلى الأمام وايقاف عجلة التطور من الانزلاق الى الخلف، فقد آن لنا ان ننشئ بنكين، الأول للافكار، يتضمن جميع الأفكار التى تطرح على الساحة وأن يتم تبويبها وتنقيحها لتكون فى متناول مسئولينا وعلى ان يخصص البنك الآخر لبيانات الكفاءات المصرية كل فى تخصصه على غرار “Who is Who” الموجود فى معظم الدول المتقدمة والتى تتضمن معلومات مهنية وعلمية عن الشخصيات المؤثرة فى المجتمع ومن ثم فإنها ستساعد على اختيار قيادات القطاعات الثقافية والاقتصادية والسياسية منطقيا وعمليا مستفيدين من التقدم التكنولوجى فى مجال شبكات الانترنت.
وحتى يأخذ هذا المشروع بُعده القومى ولضمان استمراريته فقد ترى إحدى المؤسسات الصحفية الكبرى القيام بتلك المهمة الوطنية على ان تخضع المعلومات التى ترد فى كل من البنكين للتحديث المستمر وتكون فى متناول صانع القرار وحتى المواطن العادى.