السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الفقر يجبر التلاميذ على ترك المدارس

الفقر يجبر التلاميذ على ترك المدارس
الفقر يجبر التلاميذ على ترك المدارس




بنى سويف – مصطفى عرفة

رصد تقرير التنمية البشرية الصادر عن مجلس الوزراء تصدر محافظة بنى سويف فى نسبة إقبال التلاميذ على المرحلة الابتدائية تتجاوز 93.4%، وهو أعلى معدل على الإطلاق بهذا القطاع على مستوى جميع محافظات الصعيد، بل تحتل مرتبة متقدمة على مستوى الجمهورية بترتيب 16 على مستوى المحافظات، طبقا لتصنيف العام الدراسى 2015 / 2016، فضلا عن أنه تتراجع النسب بشكل كبير فى المرحلتين الإعدادية والثانوية لتتراجع إلى المستويين الـ18 و20 فى تلك المرحلتين.وأرجع التقرير أن ظروف الفقر والعادات والتقاليد من الأسباب الرئيسية التى تدفع المحافظة إلى التراجع النسبى فى التسرب من المدارس، وذلك وفقا للتقرير والأبحاث والدراسات والإحصائيات التى قدمت من المتخصصين والباحثين، حيث أثبت التقرير وصول عدد المتسربين من المحافظة عموما فى المراحل الدراسية الثلاثة إلى أكثر من 12% وهى نسبة مفزعة تستدعى تضافر الجهود للتصدى لها.

وأشار تقرير التنمية البشرية إلى أن انخفاض معدل الانتقال من المرحلة الابتدائية للمرحلة الإعدادية بنسبة 6% وانخفاض أعداد الطلاب المنتقلين من التعليم الإعدادى إلى التعليم الثانوى بنسبة 8.7%، فضلا عن انخفاض نسبة المقيدين بالتعليم الأساسى «ابتدائى – إعدادى» والثانوى فى المدارس الحكومية بنسبة 0.1%، والمدارس الرسمية والخاصة بنسبة 0.2%..
فى البداية تقول نفيسة عبيد الراوى، من أهالى مركز ببا جنوب بنى سويف: أعددت بناتى الثلاث جيدا للقيام بدورهن فى بيت الزوجية بعد أن قرر زوجى إخراجهن من الدراسة بعد اتمامهن دراستهن فى المرحلتين الابتدائية والإعدادية خوفا عليهن من الذهاب إلى المدرسة الثانوية أو المدارس الفنية والتجارية فى مدينة ببا أو فى إحدى القرى البعيدة عن قريتنا، خاصة أنها مدارس تدرس بعد الظهر «مرحلة ثانية»، ما يستوجب عودتهن مساء ومازالت التقاليد تحكمنا بأن البنت عندما تكبر من العيب عودتها الى بيتها فى وقت متأخر، قائلة: «الحمد لله البنات زى القمر وقمنا بتجهيزهن أفضل جهاز انتظارا للنصيب».
ويضيف أبوالمعاطى طه جودة، فلاح من مركز ناصر شمال المحافظة: «إننى ألحق بناتى الثلاث للعمل الحر فى أحد مصانع القطاع الخاص لتجفيف الخضروات والفاكهة لمساعدتي، حيث إننى رجل فقير ومصاب بمرض السكرى وأصبت بغيبوبة لعجزى عن شراء دواء الأنسولين، وأخيرا أصبحت مهددا ببتر قدمى بعد إصابتى بالقدم السكرية والتهاب حاد فى الأعصاب، فأنا معذور لأننى لا استطيع الإنفاق على تعليمهن فى المدارس».
ويقول عبده محمد شرقاوى، من أهالى مركز سمسطا وعامل سابق بالسكة الحديد: يقوم أبنائى بالعمل فى الإجازة الصيفية فى جمع النباتات الطبية والعطرية ويقومون بجمع مبلغ مالى يشترون به الملابس ويدفعوا مصاريف المدارس ومستلزمات الدراسة طوال العام الدراسى، لكن الدروس الخصوصية تضلعنى وكل سنة تسعيرة الدروس تتزايد، وقد اتفق أولادى أن يغيب كل واحد منهم يومًا فى الأسبوع يعمل فيه لمساعدتى فى تغطية نفقات أسرتى، قائلا: «على فكرة كلهم بيشتغلوا جمعة وسبت ولو وصل الأمر إنى أبيع هدومى هبيعها بس ولادى يكملوا تعليمهم وكل واحد منهم يبقى معاه سلاح يواجه به الحياة».
سألنى عم عبدالموجود شحاتة، 58 سنة، عامل خدمات فى المصالح الحكومية: يا أستاذ هو التعليم فى بلدنا مجانى؟، فقلت له: أظن ذلك، فقال: طيب ليه أدفع مئات الجنيهات مصاريف المدارس رغم أن المسئولين قالوا: الكتب ملهاش دعوة بالمصاريف المدرسية لأن ابنتى الصغيرة فى الصف السادس الابتدائى بكت لأن المدرسة رفضت تسليمها الكتب إلا بعد سداد المصاريف، ما اضطرنى إلى الاستدانة لسدادها وطبعا غير فلوس الدروس اللى جابت دماغى الأرض.
ويتابع: «عندى 3 بنات وولدين بنحرم نفسنا من اللقمة لتوفير مصاريف المدارس والدروس، بنطبخ من الجمعة للجمعة وبصراحة مع ارتفاع الأسعار الجنونى واللى مخلاش حاجة إلا لما غلى سعرها هطلع البنتين الكبار من المدارس بعد حصولهن على الشهادة الإعدادية، وسأكتفى بتعليم الولدين والبنت الصغيرة ومع ذلك حاسس إنى هبقى ظالم، وربنا هيحاسبنى على كده بس أعمل إيه العين بصيرة والأيد قصيرة، وأنا فى السن ده لو ألاقى شغل فى الفاعل هشتغل بس أنا راجل كبير وصحتى عدمانة وأتمنى أن تعود مجانية التعليم مرة أخري».
ويقول جمعة سيد عجمى، أحد أبناء عزب شرق النيل: إنه نظرا لعدم وجود مدارس ثانوية عامة أو فنية فى أغلب قرى شرق النيل على مدار محافظة بنى سويف من الواسطى إلى الفشن بطول 82 كيلو متراً كما أن المدارس الابتدائية والإعدادية قليلة العدد، فتجد التعليم لدينا حتى الإعدادية ويضطر أبناؤنا لقطع عدة كيلو مترات فى حر الصيف وبرد الشتاء فى القوارب الصغيرة أو المعديات المتهالكة للذهاب إلى المدارس غرب النيل بجميع مراكز المحافظة الكائنة على شاطئ النيل، ما يعرضهم للخطر وهذا صعب على ابنائنا الذكور، فما بالنا بالإناث والفتيات؟، مطالبا بضرورة التوسع فى إقامة مدارس الفصل الواحد لسد ثغرات التسرب فى القرى النائية التى تصل نسبة الأمية بها 90% على أقل تقدير.
نشوى محمد، باحثة دكتوراة فى طرق تدريس اللغات والرياضيات لطلاب دول العالم الثالث فى ظروف اقتصادية وسياسية معينة مع التطبيق على مدارس محافظات شمال ووسط الصعيد فى مصر، كشفت دراسة لها عن أن أسباب التسرب يرجع إلى عدم توافق المناهج الدراسية وفقدان الجذب المدرسى للمراحل العمرية للتلاميذ وعدم توافق البيئة المدرسية للحياة التى يعيشها الطلاب، بالإضافة إلى قسوة بعض المدرسين على الأطفال ما ينفرهم من الذهاب إلى المدرسة ونقص عدد المدرسين التربويين، خاصة فى المرحلتين الابتدائية والإعدادية..الدكتور عبدالمنعم حسين، أستاذ علم الاجتماع بكليات الآداب والمحاضر العالمى بعدد من الجامعات الخاصة، يؤكد فى بحث ميدانى أن العادات والتقاليد والفقر من أهم أسباب التسرب من التعليم خاصة مع تفضيل بعض الأسر فى المناطق الريفية تعليم الذكور دون الإناث وقلة العائد الاقتصادى لبعض الأسر واعتمادهم على عمالة الأطفال لزيادة موارد الأسرة، خاصة فى حالة مرض الأب أو وفاته، مؤكدا أن نسبة 15% من الأسر فى بنى سويف تعولها سيدات وأن التسرب يوجد بنسبة كبيرة فى القرى عنه فى المدينة..الخبير التربوى محمد ياسين، يطالب بضرورة مساهمة الجمعيات الأهلية ورجال الأعمال فى سداد نفقات التعليم للتلاميذ غير القادرين وتدريب الأخصائيين الاجتماعيين على كيفية التعامل مع مشكلات الأطفال وكيفية إدارة الحصة الدراسية وتشجيع التلاميذ على الإقبال على تلقى العلم، ومطالبتهم بالعناد مع ذويهم فى حالة قيامهم بإخراجهم من المدرسة للعمل أو للزواج المبكر، على أن تكون الحصة الدراسية جاذبة وتشتمل على توزيع الهدايا العينية على جميع الطلاب وليس على المتفوقين منهم لأن ذلك يسهم فى توسيع الفجوة بين الطلاب ويخلق حالة من الكراهية للمدرسة.
ويكشف أحمد ن.ن، من أهالى بنى سويف، عن أنه عمل فى مجال التعليم نحو 40 سنة، وعمل فى نحو 90% من مدارس المحافظة، لكن الحال تحسن كثيرا فى العشر سنوات الأخيرة من بناء المدارس على اختلاف أنواعها بالمدن والقرى، وكذلك توفير المدرسين ومستلزمات التدريس، وإن كان التسريب من المدارس لا يزال موجودا، منوها إلى أن الأسباب ترجع إلى عدم كفاءة المعملين فى المرحلة الابتدائية والضغط على التلاميذ الصغار لإعطائهم دروسا خصوصية مع عدم مراعاة الظروف الاقتصادية للأسر، إضافة إلى تهميش الأنشطة الرياضية والفنية التى تساعد على جذب الاطفال للمدارس،  مطالبا بعودة التكليف لكليات التربية.
من جانبه قال نبوى على الدخني، وكيل وزارة التربية والتعليم ببنى سويف: إننا نمتلك حصرا شاملا لأعداد المتسربين على مستوى جميع الإدارات التعليمية ممن فى سن الدراسة ونسبة استيعاب المدارس ونسبة الالتحاق بالمراحل الثلاث، ويتم إلحاق من هم فى سن 9 : 14 فى مدارس الفصل الواحد ومدارس صديقة الفتيات، أما من هم فوق 14 سنة فيتم إلحاقهم بفصول محو الأمية والفرصة أمامهم لاستكمال تعليهم حتى درجة الدكتوراة.