الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مى التلمسانى: كيف يقبل المجتمع «شذوذ» بطل «محفوظ» فى الأربعينيات ويعلق على علاقات بطلاتى؟




اعترفت الكاتبة والروائية مى التلسمانى فى أمسية مناقشة روايتها الأخيرة "أكابيلا" بورشة الزيتون، بأن نقد الدكتور حسين حمودة أستاذ النقد الأدبى بالجامعة الأمريكية، ونقد الروائى الدكتور محمد إبراهيم طه إضافة لقراءات الحاضرين بالندوة، أضاءت لها بعض الأفكار.
 
جاءت تصريحات التلمسانى قبل أن تسرد فى ختام الأمسية كواليس إنتاج هذه الرواية، التى بدأتها ثلاثين حلقة منشورة بـ"روزاليوسف" منذ ثلاث سنوات، تحت عنوان "يوميات عايدة"، بهدف مناوءة الخطاب الدينى السائد فى تلك الفترة، لتصبح هذه اليوميات حبيسة درج مكتبها، إلى أن أخرجتها بعد صدمتها بشدة فى إحدى صديقاتها ببلد مهجرها كندا، فوجدت نفسها تخرج عايدة وتعيد صياغتها، التى كانت امرأة كاذبة وسارقة وتعيد الاشتغال على الشخصيات لتلعب على تيمة وفكرة "الصداقة".
 
أوضحت التلمسانى أنها أرادت أن يكون الغلاف منفذًا بشكل جذاب، وكذلك اختيار عنوان الرواية "أكابيلا" ليحدث نوعا من جذب انتباه المشاهد ومحاولته للبحث عن "الأكابيلا" داخل الرواية، وعلقت عن رفض البعض لفكرة الممارسات الجنسية البسيطة لعايدة والساردة بالرواية، وأعلنت دهشتها لهذا الرفض فى العام الثانى عشر من القرن الواحد والعشرين قائلة: يحضرنى هنا رواية "زقاق المدق" لمحفوظ التى أصدرها عام 1947، والتى تبدأ بشخصية صاحب المقهى الشاذ جنسيا! فكيف تقبلناها فى 1947 ونرفضها فى 2012؟! فنحن فى ردة حقيقية، عايدة أراها فنانة محبطة لم تستطع إنجاز أى شىء!...وأشارت إلى أن الرواية ستترجم قريبا للفرنسية وستغير الأسماء وسألت الحاضرين: هل القارئ الفرنسى سيطرح سؤال القارئ المصري؟!...بالعكس.. سيناقش العلاقات الإنسانية والصداقة القوية والغيرة فى نفس الوقت، وليس التركيز على المكان وعلاقة الأحداث بمصر وغيرها.
 
أما الناقد حسين حمودة فقدم قراءة نقدية ذات رؤية تفكيكية للنص، للوصول إلى مدلولاته قائلا: عنوان الرواية يحيلنا للفن المعروف ويستدعى منه سمتين "التقشف" المرتبط باستبعاد الآلات والعلاقة بين الفرد والجماعة، ونص الأغنية الذى أشار إليه طه والدناصورى الذى سوف يأتى فى موضع متأخر من الرواية، مرتبط بالتقشف والعلاقة بين الفرد والجماعة، لكن مركز التناول فى هذه الرواية يتحدد فى نطاق آخر وهو فكرة الصداقة النسائية والمراوحة بين الحب وبين العزلة والوحدة، والعلاقة بين الفرد والجماعة فى الرواية تتحقق فى مجموعة من العلاقات بين الشلة الواحدة وصلتهم بالثقافة والإبدع والسعى نحو التحرر والصورة الاجتماعية الأخرى التى أشار لها طه تأتى على خلفية المشهد.
 
فكرة الصداقة كتميمة يفاجئها الموت ثم تتصل من بعده ثم علاقة الرواية بعايدة ثم صورة الدوامة التى أراها المحرك الرئيسى داخل تفاصيل هذه الرواية، هذه الفكرة حاضرة على مستوى المفهوم والتجربة والاختبار، هناك اشارة عابرة لنص من كتاب أبى حيان التوحيدى تورده الساردة من يوميات عايدة لكنه لا يقدم لنا الكثير عن مفهوم الصداقة لسبب أن التوحيدى كان معنيا فى هذا الكتاب على الصداقة بين الرجال، تشير الرواية إلى الأخلاق وشروط النص إلى الصداقة الحقيقة كما كنت أتصورها، أيضا فى تأمل الرواية لطبيعة الصداقة بين الشلة التى تحمل الحب والتكامل لكن لا مانع من النميمة أو الغيرة، هناك مستوى آخر وهو الصداقة اللدودة!...فالصداقة توضع موضع اختبار فى أكثر من مستوى فى هذه الرواية، ثم فى مسار تنامى الأحداث بعد موت عايدة نجد أنها قد اتخذت أشكالا وأبعادا أخرى.. أرى ان التلمسانى فى روايتيها "هليوبوليس" و "اكابيلا" كتابة مناوئة للرواية الجديدة أو فى مواجهتها..فى عالم عايدة اشارات أخرى فكان لها أربعة أصدقاء تحتمى بهم من العزلة، هناك شبكة الصداقات لعايدة ومدخلها الدائم للعالم وهو فكرة "الغباء" والترديدات العديدة له، والذى اتخذ كمعيار للعلاقتها بالعالم يجعلنا فى قيمة الحياة "الذكية" التى عاشتها عايدة لكنها لم تعشها فى الحقيقة.
 
النقطة المهيمنة فى الرواية هى صورة الدوامة التى تشير إلى أن هناك صورة قد تبدو مباشرة وقد تبدو مجازية لتمنح العمل وحدته، فالراوية تقول عن حياة عايدة "...وهكذا من فكرة لفكرة ومن دوامة لأخرى...." هناك ترديدات أخرى مجازية مثل "حركة دوارة من حياتي.." أو "ودارت بى الأيام دورتها المعتادة .. طاحونة الأحلام.." ففكرة الدوامة هى تمثيل لهذه العلاقات الشائكة والمربكة، هناك حضور متعدد لإشارت ثقافية للرسم ومسرحية مارى بول لعبة الحب وهناك الحضور الأوضح للسينما من خلال رقصة جون ترافولتا وحركة دائمة نتج عنها تعدد المستويات، كذلك ثنائية السر والعلن الذى يمثل مدخلًا للرواية والإشارت الحرفية لفكرة "السر" وهى كثيرة.
 
السرد فى هذه الرواية متنوع لكن ليس على شكل الثنائية بين مستويين فيما يخص الرواية وعايدة لأن هناك مساحات أخرى تدريجيا للتداخل بينهما، لكن من البداية سرد عايدة محددًا جدا يكتسب طابعا شعريا بشكل عام، هناك أحيانا أقواسا شارحة لسرد عايدة حيث تنتقل سرد عايدة لعدوى سرد الراوية، فيما يتصل بالزمن .. الصورة المهيمنة للدوامة وحركتها هو ما يميز الزمن فى هذه الرواية، الذى يسير فى رصد هذه الصداقة إلى مآلها الأخير والتماهى فى نهاية الرواية.
 
فى المقابل اهتم طه بعلاقة الساردة والبطلة عايدة موضحا أنه يبدو أن الهم الرئيسى لهذه الرواية منصب على صراع رئيسى للرواية، التى لم يمكن لها أن تتحرر منه سوى بالتعرف إلى عايدة، إضافة لقراءته من منظور الطبقية فى علاقة الصداقة بين البطلة والساردة.