الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

كم ذا يكابد

كم ذا يكابد
كم ذا يكابد




كتب - على الشامى

يقول الشاعر كم ذا يكابد عاشق ويلاقى فى حب مصر كثيرة العشاق فكثيرون هم من يكابدون إذن والغريب أن بعض أو لنقل كثير من هؤلاء العاشقين الذين يكابدون الهوى فى حبها هم من غير المصريين والاغرب، أن تجد البعض ممن منحهم القدر شرف جنسيتها لا يكابدون هذا العشق بل على العكس يتفننون فى الكراهية، لا أعلم من أين أتت تلك الكراهية على وجه التحديد، فالظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الصعبة لا تمنح صك الكراهية أبدا، فضلا عن نزع الحب من القلوب.
مبتلاة مصر إذن والابتلاء من الداخل هذه المرة، وقعت أرض الآلهة بين سندان كراهية ضعاف النفوس وفساد خربى الذمم، ومع ذلك تقاوم الكنانة وتمضى وتتجاوز المحن كدأبها.
أما أحد من كابد العشق ولاقى الأهوال فهو المستكشف الفرنسى شامبليون. وشامبليون الصغير - كما كان يدعى تمييزا له عن أخيه الأكبر «فيجاك» - كان ولعا منذ الصغر بمصر والآثار المصرية القديمة، فقد ظل لبضع سنوات يتعلم بدأب اللغة القبطية، ثم عين بعدها مدرسا للتاريخ، ليعكف تسع سنوات أخرى على جمع العناصر اللازمة لدراسة التاريخ المصرى القديم عبر الآثار الفرعونية المهربة الى أوروبا، وعبر حجر رشيد الذى احتفظ به الإنجليز ليعرض فى المتحف البريطانى حتى الآن، بينما حصلت فرنسا على عدة مستنسخات اهلت شامبليون لدراسة الحجر وفك رموز الحضارة المصرية القديمة.
كل ذلك ولم يكن شامبليون قد زار مصر بعد، حتى عام 1828 كانت البعثة التى جاب أثناءها شامبليون الأراضى المصرية وصولا لما بعد الشلال الثانى ليؤكد دراسته النظرية، ويثبت أن ما استطاع التوصل إليه صحيح تماما ويفتح آفاقا جديدة للبحث العلمى ويضع حجر الأساس لعلم المصريات، ويسجل اسمه فى التاريخ بشرف الاقتران باسم مصر تدريجيا.
وأثناء البحث أحب الرجل مصر، ولكن ما إن وصل إلى القاهرة فى أغسطس 1828 حتى وقع فى اسرها تماما، حتى أنه لقب بالمصرى!! إلى جانب ولع شامبليون بمصر القديمة فقد لفت نظره بشدة الحضارات اللاحقة، وأيضا مصر الحديثة، وتفاعل مع المصريين واقترب منهم يقول: «قمت بالتعبد لأول مرة فى مسجد ابن طولون المشيد فى القرن التاسع والذى يعد نموذجا رائعا للأناقة والرفعة والسمو، وهأنذا أجد نفسى على الأرضية الرخامية للحرم المقدس، ويعتبر هذا المسجد، بلا مراء، من أروع الآثار الإسلامية المتبقية فى مصر، إذ ما أعجب رقة نقوشه وما أروع تسلسل اروقته».
ويذكر أن شامبليون قد قام بالضغط على محمد على لإيقاف عملية هدم وتشويه الآثار المصرية، بحجة الاستكشافات، وأيضا التصدى لتهريب المومياوات إلى أوروبا، وهدد هؤلاء بأنه سوف يفضح كل من يسيء إلى الآثار المصرية القديمة فى جرائد أوروبا، وفرنسا بالتحديد، والعجيب أن تجار الآثار رضخوا للتهديد وقام ذوو الأمر بتسهيل رحلته الشاقة عبر وادى النيل!! وهو الإجراء الذى لولاه لخربت معابد وآثار عظيمة.
أخيرا، أختم بمقولته وهو على الباخرة المتجهة إلى فرنسا يقول: «أخيرا سمح لى آمون العظيم بتوديع أرضه المقدسة، وسأغادر مصر بعد أن غمرنى أهلها القدامى والمعاصرون بكل جميل ومعروف».
استحق الرجل الذى عرف قدر مصر لقب «المصري» فهل يستحق المصرى الفعلى هذا اللقب عبر تقديره ومكابدته العشق فى حب مصر كثيرة العشاق؟