الخميس 26 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حكاية سيد حجاب.. «قبانى الشعر وسندباد الحواديت»

حكاية سيد حجاب.. «قبانى الشعر وسندباد الحواديت»
حكاية سيد حجاب.. «قبانى الشعر وسندباد الحواديت»




كتبت- مروة مظلوم

وحده جعل من الأراجوز حكيماً يلقى بكلمات لها أثر السحر «فارس يضرب بالألف لسان ولسان.. وإذا بان للشر نيبان وزبان.. يحمى الغلبانة والغلبان.. وشجاعته ماهياش فى الطاخ والطيخ.. دى شجاعة تفكير وتماخيخ.. الأرض يضربها. تجيب بطيخ.. بذكاوته ويخللى الخلا بستان.. ويضحك كل صبى وعجوز على اللى بيتنطط فرقع لوز».. فى مثل هذه الأيام شهدت مصر ميلاد شاعرها المناضل سيد حجاب والذى نحتفى بعيد ميلاده الـ 76 من الإبداع حكت كلماته الموزونة للتاريخ عن مصر أصدق القصص.

- من الفصحى
بداية شاعر العامية كانت قصائد منظومة بالفصحى عندما اشتعلت نيران الثورة فى قلب صبى لم يتجاوز عمره 11 عاماً لم يسعفه فى التعبير عن غضبه سوى تلك الكلمات التى خطها فى «كراسة» الشعر أثر استشهاد صبى من الفدائيين فى مثل عمره أثناء فترة الكفاح المسلح ضد الإنجليز فى قاعدة قناة كتب «كنا غزاة وأبطالاً صناديدا صرنا لرجع الصدى للغرب ترديداً.. لكننا سوف نعلو رغم أنفيهم.. وسيكون يوم نسورنا فى الجو مشهوداً»، كان الشيخ حجاب مدرسة سيد الأولى قرأ ما كتبه ابنه فأيقن أن ثمرة ما زرعه فى أطفاله الصغار نبتت وتحولت لعبة المطارحة الشعرية معه إلى نص شعرى ينذر بميلاد شاعر من أبناء قرية الصيادين المطلة على بحيرة المنزلة فعلق على أبياته بقوله «أولاً الحمد لله ياشيخ «سيد» ربنا أنعم عليك بسليقة شعرية سليمة ويجب أن تحمده عليها.. ثانياً يجب صقلها بالدراسة»، لم يبخل الأب على ابنه بالوقت أو العلم فقد درَّس له العروض على طريقة ترديد الأزهريين حتى صار الفتى لزملائه وأساتذته بالمدرسة الثانوية بالإسكندرية» قباني» يزن لهم الشعر ويضبطه ويعتمدون عليه فى شعر المناسبات.
يقول «حجاب « كان لأستاذ الهوايات بمدرستى فضل كبير فى حياتى إذ شق لى طريقاً لم أدركه من قبل عندما نصحنى فقال»أنت تكتب عن عواطفك ومشاعرك وهى معدودة باعتيادك عليها تتحول مع الوقت إلى «صنايعي» بينما فى بلدك 30 ألف صياد فى قلب كل منهم 10 قصائد ابحث عنها « فكانت لى كنز «على بابا» دفعتنى بالاقتراب من أقاربى الصيادين والتنزه معهم فى قواربهم فى البحيرة بحثاً عن القصائد العشر الضائعة فى قلب كل منهم فى البداية كتبت قصائد على طريقة كتاب الفصحى وقتها السرد فيها بالفصحى والحوار بالعامية، ثم أخذت كل لغة نصيبها من قصائدى وفصلت الفصحى عن العامية وابتدى المشوار وكانت تلك أولى محطات حياتي.
- العامية «تنفيس» عن الشعب يفى باحتياجاته
وعن حداثة العامية على مستوى الشعر قال حجاب» اللغة كائن حى تبتدعه الجماعة الإنسانية فى مسيرتها الحياتية بما يفى حاجتين الأولى ما يفى احتياجاتهم، والثانية التنفيس عن ما هو معنوى وعاطفى وما أعرفه أن أول نص عامية كان لـ»ابن إياس» ولكن أظن أن المصريين غنوا بالعامية قبل ذلك كثيرًا، فمشوار العامية بدأ بنديم ثم رامي، بيرم وبديع خيري، واستكمله صلاح جاهين، إلى أن وصل إلى العبد لله. عندما قدمنى فؤاد قاعود لعمنا صلاح جاهين كشاعر عامية فكان تعليقه على ماسمع من شعر «بقينا كتير يا فؤاد» الفرحة التى نطق بها كلماته شكلت ماتبقى لى من عمر وأرشدتنى الطريق فقد كانت شهادة من الشاعر الذى أحبه أكبر شعراء زمانه.
- ثورى حتى النخاع
الشعر لدى «حجاب» كان ولازال ثورة جمارها تحت رماد الأحلام متقدة فلم يترك باباً للحرية إلا ودقه بكلتا يديه بحثاً عن الخلاص من الاحتلال أنا من الجيل الذى ولد عقب الحرب العالمية الثانية أواخر الأربعينات هو من قام بثورة الستينات.. جيل انتمى لكل التنظيمات السياسية المتاحة بحثاً عن الخلاص، إما أن أخلص نفسى وأطورها أو أن أدرك أن خلاصى بخلاص الآخرين، وأنا فى طفولتى التحقت بصفوف جماعة الإخوان المسلمين ضمن أشبال الدعاة وهم من يرفعوهم على كرسى المبلغ يوم الجمعة أو فى حديث الثلاثاء، وفى نفس الوقت كنت عضواً فى حزب مصر الفتاة «الاشتراكى « وعائلتى فى الأصل تنتمى لحزب الوفد، وانضممت لهم بحثاً عن مزيد المعرفة ورغبة فى الخلاص الوطنى والشخصى، ثم انفصلت عنهم عام 1954 عندما كلفت بتوزيع منشور ضد اتفاقية الجلاء التى عقدها عبد الناصر مع «أنتونى ناتنج» وزير الدولة للشئون الخارجية البريطانى، يومها قرأت المنشور ودهشت كيف يرفضون إتفاقية الجلاء وهى حلم الأجداد فى الخلاص من الاحتلال الإنجليزى لمصر، لم يسعنى إلا أن أتركه لأحد الزملاء يوزعوه وانقطعت علاقتى بهذه الجماعة مع الوقت أدركت «فاشية المشروع» ومعاداته للتاريخ والإنسانية
- عالم سيد حجاب «أطفال أطفال»
لا يملك مفاتيح العالم السحرى للأطفال سوى الأطفال أنفسهم.. لذا لم يكن من السهل على شعراء الأغانى اختراق عالمهم إن لم يكونوا جزءاً منه ومهما تقدم بهم العمر يظل بداخلهم طفل عابث فضولى كثير السؤال يرفض أن يرحل عن عالمه البريء لعالم الكبار.. وهو ما حرص عليه «حجاب» طوال سنوات عمره الـ 76 فهو صاحب أشهر ألبومين لأغانى الأطفال «أطفال أطفال»وسوسة سوسة» من منا لم ينصت لنصائح صفاء السعود بضرورة غسل الوجه.. والأسنان وتمشيط الشعر ونحن نبحث فى أشياءها السرية.. ونسعى لإمتلاك فرشاة للشعر والأسنان فى حجم فرشاتها الأسطورية.. وحتى الآن نحسد الشاطر عمرو على جده وحكاياته التى كسرت روتين الإجبارى للأطفال فى تناول الطعام.
 أجيال ارتبط خيالها بوصف «سيد حجاب» الدقيق لهذا العالم والذى قال عنه «لفترة طويلة كان مصدر رزقى الوحيد هو الكتابة لمجلات «سمير» و«ميكي» منذ عام 1964 وحتى عام 1966، وكل همى وشغلى الشاغل قراءة الدراسات النفسية والتربوية المتعلقة بالأطفال ولاحظت وقتها اعتمادنا على دراسات أجنبية لمعرفة أطفالنا لذلك حرصت على استطلاع آراء الأطفال أنفسهم فى إطار عائلتى للتعرف على اهتماماتهم بشكل حسى وعن قرب لمعرفة طريقة تفكيرهم.. وما يجب أن يقال وكيف يقال ؟ لكل فئة عمرية وكتبت للأطفال فى ضوء هذه المعرفة والمحبة ولاقت قبول أغانى عفاف راضى وصفاء أبو السعود وعبد المنعم مدبولي، وأظن أنه خلال حياتى جذبنى مجالين الدراما لأنها تجسيد للحياة بشكل أو بآخر وأنا مهموم بالحياة ومجال الأطفال لأنهم المستقبل وأنا مهموم بالمستقبل.
رغم زخم الأحداث وضغوط الحياة وعجلة الزمن والتكنولوجيا التى سحقت أحلام البعض إلا أننا مقارنة بالأجيال اللاحقة « جيل محظوظ».. وجد من يهتم بتفاصيله وتربيته ولغته ويضعه على أول الطريق لنملك اليوم نظرة ورؤية نقدية لمجتمعنا أو ما يسميه البعض «رياح التغيير».. جيل كتبت الكلمة خصيصاً له.. وانٌتقيت له الألحان بعناية لتناسب عمره وثقافته وبيئته وأحلامه.. وتهافت نجوم عصره على تجسيد وغناء قصصه وأغانيه.. جيل يدعو بالشفاء ومزيد من العطاء لسندباد الكلمة «سيد حجاب».