الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى ذكرى وفاته نيرودا.. شاعر الحب والثورة عاشق التمرد والمطر

فى ذكرى وفاته نيرودا.. شاعر الحب والثورة عاشق التمرد والمطر
فى ذكرى وفاته نيرودا.. شاعر الحب والثورة عاشق التمرد والمطر




إعداد - رانيا هلال

تمر بنا هذه الأيام ذكرى الشاعر المعروف «بابلو نيرودا»، شاعر الحب والثورة وهو تشيلى الجنسية ويعتبر من أشهر الشعراء وأكثرهم تأثيرا فى عصره، ولد فى تشيلي، بقرية بارال بوسط تشيلى فى 12 يوليو عام ‏1904.
ذاع صيته كشاعر ذى اتجاه شيوعى متشدد، كما يعد من أبرز النشطاء السياسيين وقتذاك، كما كان عضوا بمجلس الشيوخ وباللجنة المركزية للحزب الشيوعى كما أنه مرشح سابق للرئاسة فى بلاده.
وقد نال نيرودا العديد من الجوائز التقديرية أبرزها جائزة نوبل فى الآداب عام 1971 وحصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة أوكسفورد. وكتب عنه الناقد الأدبى (هارولد بلووم): «لا يمكن مقارنة أى من شعراء الغرب بهذا الشاعر الذى سبق عصره». وتوفى فى 23 من سبتمبر عام 1973.
بدأت إبداعاته الشعرية فى الظهور قبل أن يكمل بابلو عامه الخامس عشر وتحديدا عام‏1917‏ وفى عام‏1920‏ اختار لنفسه اسما جديدا هو بابلو نيرودا. وتخصص فى الأدب وكتب ثلاثة أعمال تجريبية وذلك قبل أن يبدأ رحلة تعيينه سفيرا فى العديد من البلدان تنتهى بكونه سفيرا فى الأرجنتين عام‏ 1933 ‏ أى بعد زواجه من الهولندية الجميلة‏ «ماريكا‏»‏ بثلاث سنوات والتى انتهى زواجه منها بإنجاب طفلته مارفا مارينا التى ولدت فى مدريد فى الرابع من أكتوبر عام‏ 1934‏ وفى نفس العام وتحديدا بعد شهرين تزوج نيرودا من زوجته الثانية ديليا ديل كاريل الأرجنتينية الشيوعية والتى تكبره بعشرين عاما والتى انبهر بها عندما رأها ترسم الأحصنة بمهارة شديدة. ورغم كونه قد عمل سفيرا فى العديد من الدول الأوروبية إلا أن ذلك لم يزده سوى إصرارا على أن الشيوعية‏ -‏ التى اندلعت شرارتها فى روسيا‏ -‏ ليست سوى المنقذ الحقيقى والحل السحرى لكل المشكلات ورغم المتاعب التى سببها له هذا الاتجاه السياسى إلا أنه ظل متمسكا به إلى حد استقالته من عمله الدبلوماسي‏.
- جدل حول وفاته
أتى عام‏ 1968‏ ومرض الكاتب بمرض أقعده عن الحركة وفى 21 ‏ أكتوبر عام‏ 1971‏ فاز نيرودا بجائزة نوبل فى الأدب وعندما عاد إلى شيلى استقبله الجميع باحتفال هائل فى استاد سانتياجو وكان على رأس الاحتفال سلفادور الليندى الذى لقى مصرعه بعد ذلك على يد الانقلاب الذى قاده بينوشيه.
وجاء جنود بينوشيه إلى بيت بابلو نيرودا وعندما سألهم الشاعر ماذا يريدون قالوا له جئنا نبحث عن السلاح فى بيتك فرد قائلا: إن الشعر هو سلاحى الوحيد. وبعدها بأيام توفى نيرودا فى 23‏ سبتمبر‏ 1973 متأثرا بمرضه وبإحباطه من الانقلابيين حتى أن آخر الجمل ولعلها آخر جملة فى كتابه «أعترف أننى قد عشت» والذى يروى سيرته الذاتية هى «لقد عادوا ليخونوا تشيلى مرة أخرى».
وقد أثار موته جدلا واسعا امتد للعام 2013 حيث أمر قاض كان يتولى التحقيق فى سبب وفاته بإعادة رفاته إلى مثواها بعد أن أخرجت فى إبريل 2013 لإجراء اختبارات سمية عليها.
حيث ردد السائق ما قيل من أن نيرودا قد حقن بمادة ما فى صدره، وإنه توفى قبل ساعات فقط من توجهه إلى المكسيك لتعبئة المعارضة الشيلية هناك ضد نظام حكم الجنرال أوغستو بينوشيت.
وكانت رفاته قد أخرجت من قبره الكائن فى منزله فى ايسلا نيغرا، الذى أصبح متحفا، فى إبريل 2013. ولكن فى نوفمبر من ذلك العام، قال خبراء الأدلة الجنائية إنهم لم يعثروا على أى دليل يشير الى موت نيرودا بالسم، إلا أن التحقيق فى الموضوع لم يغلق رسميا وما زال مفتوحا.
«إن المطر كان لى الشخصية الوحيدة التى لا أنساها.مطر القطب الجنوبى الغزير الذى يهطل مثل شلال من قطب بولو. ينحدر من سماء كابودى هورنوس حتى سماء الثغر. بالنسبة لوطنى، ولدت للحياة، للأرض، للشهر والمطر.
مع أنى تجولت كثيرا فإنه يبدو لى أنه قد ضاع فن الأمطار هذا الذى كان يمارس وكأنه موهبة هائلة متسلطة بارعة فى أرضى أرض أراوكانيا».
- من كتاب سيرته الذاتية « أعترف أننى قد عشت»
كان لبيئته ونشأته الأولى بين الألوان الزاهية والمراعى الخضراء والأشجار الوارفة والأمطار الساحرة، بالغ الأثر فى نفسه حيث لا تخلو قصيدة من قصائده من تعبير أو تشبيه بمفردة من مفردات وملامح أراوكانيا، او كما أسماها «أرضه».
ذلك الأثر الذى امتد عبر كل قصائده، يرتحل بنا لأماكن وعوالم لا يمكن أن نتخيل وجودها على ها النحو السرمدى الجميل، فخيال الشاعر يضفى على الجمال جمالا، فما كان لنا أن نبحر معه فى جنان أرضه، إلا عبر كلماته العطرة الملونة، المزدانة دائما برقرقة الأمطار وهزيز الرياح وألوان الدعسوقات.
تتجلى بذور خصائصه وحساسيته الشعرية فى تناولاته لتيمات الحب وقضايا العدالة والأسئلة الوجودية وغيرها مما تجلى لاحقا فى مجمل أعماله، كما تبدو فيها أسس وأوليات خصوصية اشتغاله الفنى الذى عرف بالبساطة المرهفة والمباشرة الرقيقة.. ومازال جميع النقاد والقراء يعتبرون نيرودا شاعر الحب الأكبر باللغة الإسبانية، وهو الذى أبدع فى كل ميدان أنشد فيه، فإلى جانب كونه أفضل من كتب فى الحب كان شاعرا مجيدا فى الكتابة عن الحرب والسياسة وعن الفقراء وصاحب المواقف الأصيلة واللغة الواضحة الأخاذة التى تعجب قارئ النخبة والقارئ البسيط.
- أفكاره الشيوعية وأسلوبه الشعرى
يبدو أن الأفكار الشيوعية هذه قد أثرت على الأسلوب الشعرى لنيرودا فبعد أن كانت قصائده تمتاز بالرومانسية والحزن والحس المرهف أخذت القصائد تتطور لتصبح أقرب إلى السريالية التى كانت فى ذلك الوقت تطغى على المنظومة الفكرية والفنية فى أوروبا كلها
أهواك عندما تصمُتين فأنا أغيب فى هذا الصمت
وأسمعُك من بعيد وصوتى لم يلامسك بعد
بدت لى تلك العيون تًحلق
وبدت لى تلكَ الابتسامة الواضحة
ووجدانى أصبح يكسو كل الأشياء
وحَلقت فراشة فى أحلامى لامست روحى
فبقيتِ رفيقا لروحى... فى مجرد كلمات حزينة
أهواك من بعيد وأهوى صمتُك ِ مع هديل ذاك َالطائر
وأسمعُك من بعيد وصوتى لم يلامِسك بعد
خلف نيرودا إنتاجا أدبيا غنيا، ترجم للعديد من اللغات، مثل ديوانه «20 قصيدة حب وأغنية يائسة» و«مختارة نفايات ورقية» و«إسبانيا فى القلب» و«مائة قصيدة حب»، و«أحجار السماء» و«القلب الأصفر».
وفى يونيو 2014 أعلنت دار نشر «سيكس بارال» عن العثور على أكثر من 20 قصيدة لبابلو نيرودا لم تنشر من قبل، وذلك حين قامت مكتبة مؤسسة بابلو نيرودا بمراجعة شاملة لصناديق تضم مخطوطات لأعمال نيرودا.
ظل نيرودا رمزا للحب والثورة وسيظل يكتب من شاطئه الآخر لنا نحن العامة البسطاء حيث وعد أنه سيغنى لنا نحن من ينتمى إليهم ويعترف بهم ويفخر بصحبتهم على طول طريق أحلامه الممتد بأعمارنا وأعمار قرائه.