السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

من «بيت الله» إلى «البيت الأبيض» وثائق «صعود» و«سقوط» الإخوان «الحلقة الحاديةَ عَشْرَةَ»

من «بيت الله» إلى «البيت الأبيض» وثائق «صعود» و«سقوط» الإخوان «الحلقة الحاديةَ عَشْرَةَ»
من «بيت الله» إلى «البيت الأبيض» وثائق «صعود» و«سقوط» الإخوان «الحلقة الحاديةَ عَشْرَةَ»




دراسة يكتبها: هاني عبدالله

بالتفاصيل: كيف خطط «إخوان أمريكا» لاختراق «الجاليات الإسلامية».. و«البيت الأبيض»؟!


تزامنًا مع دخول حقبة «التسعينيات»؛ كان ثمة إضافة «عكسية» بين الاختصاصات المُوكلة لـ«إخوان أمريكا».. ففيما كانت السنوات السابقة على تلك الحقبة (ابتداءً من «ستينيات» القرن الماضي، تقريبًا) تدور – فى مجملها – حول ترسيخ الوجود الإخوانى داخل «بلاد العم سام»، وتمهيد الأرض أمام «دعوة الجماعة» هناك (1)، فإن «فترة التسعينيات» شهدت – فى المُقابل -  توسعًا «ارتداديًّا» فى اختصاصات «إخوان أمريكا».. إذ سمحت تلك الفترة بتصاعد الدور الخارجى لـ«إخوان المهجر» (أي: خارج النطاق الجغرافى للولايات المتحدة، وكندا)، بما يُمكنهم من مد أذرعهم التنظيمية نحو منطقة «الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا» (M.E.N.A) من جديد (!).
ففى حين شهدت تلك الفترة سيطرة، شبه كاملة، من قبل «إخوان أمريكا» على أغلب أنشطة «جهاز فلسطين» (المُستحدث، وقتئذ).. كان أن شهدت، أيضًا، تلك الفترة تأسيس ما عُرف باسم «الاتحاد الإسلامى المغاربى» (تأسس بالعام 1990م)؛ لتنسيق أنشطة التنظيم فى كلٍ من: «ليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب»، إذ كان لـ«إخوان أمريكا» من حاملى الجنسيات السابقة (أى: جنسيات دول الشمال الإفريقى) الدور الأساسى فى تكوين هذا الاتحاد، وتوجيهه، بما يتوافق ورؤية «تنظيم الجماعة الدولى».
.. وهو توسع اقتضته ظروف سعى «التنظيم العالمى» نحو أن يُصبح رقمًا مؤثرًا بين العديد من المُعادلات السياسية الدولية، خاصةً «المعادلات السياسية» للحكومات الغربية (2).. ولكى تحقق «الجماعة» هذا التأثير «مستقبلاً»؛ فقد كان لزامًا عليها، فى حينه، أن تدشن وجودها – ابتداءً – داخل العمقين الغربيين: (الأمريكى، والأوروبى)، عبر إحكام قبضتها على «الجاليات الإسلامية» هناك، باعتبارها «مُوجهًا» – يكاد يكون وحيدًا - لقناعات تلك «الجاليات» من الناحيتين: السياسية، والدينية.. إذ يُعرف هذا الأمر داخل «الأدبيات الحركية» للتنظيم باسم: «التوطين».. أى «غرس» أفكار، وتوجهات «دعوة الجماعة» باعتبارها جُزءًا من الوطن الذى يعيش به أفراد صف التنظيم (!).
■ ■ ■
واقع الحال.. لم يكن «التوطين» – وفقًا للصورة التى أرادتها الجماعة بـ«أمريكا الشمالية» – نوعًا من أنواع السعى نحو «تطبيع» العلاقات الداخلية بين «الدولة الأمريكية»، وعدد من مواطنيها، بقدر ما انطوت تلك الصورة - فى العديد من جوانبها - على نبرة «تصادمية» واضحة(!).
.. فوفقًا لـ«وثائق التنظيم»؛ فإن الجماعة بـ«أمريكا» استهدفت أن يفهم أعضاؤها أن أحد جوانب دورهم التنظيمى فى الداخل:
(إنّ عملية التوطين «عملية جهادية حضارية» بما تحمل الكلمة، ولابد أن يستوعب «الإخوان» أن عملهم فى أمريكا هو نوع من أنواع «الجهاد العظيم» فى إزالة، وهدم المدنية أو الحضارة الغربية من داخلها، و«تخريب» بيوتها الشقيّة بأيديهم، وأيدى المؤمنين؛ لكى يتم جلاؤهم، ويظهر دين الله على الدين كله.. ودون هذا المستوى من الاستيعاب، فإننا دون التحدى، ولم نعد أنفسنا للجهاد بعد.. فقدر المسلم أن يجاهد، ويعمل حيثما حلّ، حتى قيام الساعة..ولا مفر من هذا القدر، إلا لمن اختار القعود.. و لكن هل يستوى القاعدون، والمجاهدون؟).
.. وبحسب نص «وثائق التنظيم»: فإن الحركة لكى تحقق «عملية التوطين»؛ فلابد أن تُخطط، وتجاهد من أجل امتلاك «مفاتيح»، وأدوات هذه العملية؛ لإنجاز المهمة العظيمة كمسئولية «جهادية- حضارية» تقع على عاتق المسلمين، وعلى رأسهم «الإخوان» فى هذه البلاد (!).
ومن الناحية «التطبيقية»؛ فإن عملية توطين دعوة الجماعة فى «أمريكا الشمالية»، مرت بنحو ثمانى مراحل، فيما قبل عملية «التوسع العكسى» فى اختصاصات «إخوان أمريكا»، وامتدادها خارجيًّا؛ لتطال منطقة «الشرق الأوسط، والشمال الإفريقى».. إذ كانت تلك المراحل، على سبيل الحصر:
(أ)-  مرحلة تحديد الهوية.
(ب)- مرحلة «البناء الداخلى»، و«إحكام التنظيم».
(ج)- مرحلة المساجد، و«المراكز الإسلامية».
(د)- مرحلة إنشاء المؤسسات الإسلامية (الطور الأول).
(هـ)- مرحلة إنشاء المدارس الإسلامية (الطور الأول).
(و)- مرحلة التفكير فى «علنية الدعوة».. أى ممارسة «الجماعة» لأنشطتها بشكلٍ علنى (الطور الأول).
(ز)- مرحلة الانفتاح على الحركات الإسلامية الأخرى، ومحاولة الوصول إلى صيغة مُشتركة؛ للتعامل معها (الطور الأول).
(ح)- مرحلة استكمال إنشاء المؤسسات الإسلامية (الطور الثانى).
.. ووفقًا لـ«المذكرة التفسيرية» للهدف الاستراتيجى العام للجماعة فى أمريكا الشمالية، بالعام 1991م: فإن الجماعة كانت، وقتئذ، على أعتاب المرحلة الأخيرة (أى: مرحلة استكمال إنشاء المؤسسات الإسلامية - الطور الثانى).. ومن ثمَّ.. فعليها أن تدلف الباب، وتدخله كما دخلته أول مرة. (3)
■ ■ ■
فى الحقيقة.. كان الوصول لمراحل «متقدمة» من توطين الدعوة بالولايات المتحدة، هو الهدف «الأثير» لأغلب تحركات التنظيم هناك.. ومن ثمَّ.. يُمكننا، فى ضوء «المرحلة السادسة» (أى: مرحلة التفكير فى «علنية الدعوة»)، إدراك: لماذا نصَّ «مجلس شورى التنظيم» بأمريكا على هذا الأمر - بشكلٍ مباشر - خلال مؤتمره المنعقد بالعام 1987م (أى: بعد وضع اللائحة العامة للتنظيم الدولى بنحو 5 سنوات)، بوصفه «هدفًا استراتيجيًّا عامًا» للجماعة هناك (؟!).. إذ استقرت قيادات التنظيم – خلال ذلك المؤتمر - على توجيه كامل طاقتها، وبذل جهودها كافة؛ من أجل إيجاد «حركة إسلامية» فعالة بقيادة «الإخوان» فى أمريكا الشمالية، تتبنى قضايا المسلمين (عالميًّا، ومحليًّا)، وتدعم دولة الإسلام العالمية (أى: دولة الخلافة) أينما كانت(!).
.. وهو هدف – وفقًا لمضمون وثائق «إخوان أمريكا» – لابد من أن تدعمه العديد من الوسائل، والأهداف «التكميلية» الأخرى، مثل:
■ التركيز على «استراتيجيات التوطين» كأولوية معتمدة  من قبل «مجلس الشورى».
> تطوير العلاقة «إيجابيًّا» مع الإخوة فى «الحلقة الإسلامية»؛ للسعى نحو الوصول لـ«وحدة اندماجيّة».
■ الحاجة «الدائمة» للتفكير، والتخطيط المُستقبلى، ومحاولة استشرافه، والعمل على «تطويع» الحاضر؛ ليستجيب، ويتلاءم مع احتياجات، وتحديات المستقبل.
لكن.. لا يُمكننا – هنا - أن نتجاوز أنه كان ثمة استقلالية «نسبية» (من ناحية البرامج، والمخططات) يتمتع بها إخوان الولايات المتحدة الأمريكية – حينئذ - عن غيرهم من الأقطار، ذات العضوية بتنظيم الجماعة الدولى.. وهو ما منح «إخوان أمريكا»، إذ ذاك، العديد من المساحات «المرنة» لتطوير هياكلهم الداخلية، ومخططاتهم «الخاصة» بتوطين الدعوة فى كل من: أمريكا، وكندا.
إلا أن تلك المساحة المرنة – كما يبدو من تتبع سير المُكاتبات الداخلية لـ«إخوان أمريكا» – كانت محلاً لتشكيك بعض «قيادات التنظيم الدولى»، التى بدأت فى التلميح – تدريجيًّا- إلى أن ثمة تقصير من قبل أعضاء التنظيم بالولايات المتحدة فى دعم «العمل العالمى».. وكان من بين تلك «التلميحات»: إن الفرع الأمريكى للتنظيم منشغلٌ بفكرة «التوطين» على حساب واجباته التنظيمية الأخرى.
.. وهو ما دفع القيادى الفلسطينى «محمد أكرم العدلونى» للرد على تلك النقطة، على وجه التحديد، بـ«المذكرة التفسيرية»، الخاصة بالأهداف الاستراتيجية للجماعة بأمريكا.. إذ قال ما نصه:
هناك فهم – تخالفه هذه المذكرة – وهو أن تركيز عملنا فى محاولة توطين الإسلام (4) فى هذه البلاد سيؤدى إلى تقصيرنا، وإخلالنا بدورنا فى أداء واجبنا تجاه «الحركة الإسلامية العالمية» (أى: تنظيم الجماعة الدولى) ودعم مشروعها فى قيام الدولة.. ونعتقد أن الإجابة من شقين:
الأول؛ أن نجاح الحركة فى أمريكا بإقامة «قاعدة إسلامية» ملتزمة ذات قوة، وفعالية، وتأثير سيكون «خيرُ عَونٍ»، ودعم، وإسناد لمشروع الحركة العالمية.
.. والثاني؛ هو أن الحركة العالمية (أى: التنظيم الدولى) لم تنجح بعد فى «توزيع الأدوار» على فروعها؛ فتحدد لهم المطلوب منهم كأحد المشاركين، أو المساهمين فى مشروع «قيام الدولة الإسلامية العالمية».. ويوم أن يتم هذا؛ فسيكون لأبناء «الفرع الإخوانى الأمريكى» أيادٍ بيضاء يفخر بها الآباء(!).
■ ■ ■
لكن.. كان - فيما بعد - ثمة «تغييرات جوهرية» داخل أروقة التنظيم الدولى، إذ بدأ «التنظيم» فى إعادة توزيع اختصاصات أقطاره الأعضاء، بشكل تصاعدى، وفقًا لمخططات الهيكلة الداخلية، التى أسهم «إخوان أمريكا» أنفسهم، فى تطويرها، إلى حد بعيد.. وهى عملية لم تقتصر فى جوانبها المختلفة على تحركات «فرع الولايات المتحدة» فقط، إذ كانت بؤرة نشاطها «الأكثر سخونة» داخل العمق الأوروبى.. وهو ما سيكون لنا معه وقفة أخرى.

الهوامش


(1)- تطورت المحطات «الرئيسية» فى مؤسسات الجماعة داخل «الولايات المتحدة الأمريكية» منذ الستينيات، تقريبًا.. حيث تم إنشاء «اتحاد الطلبة المسلمين» بالعام 1962م، بواسطة مجموعة من أوائل الإخوان فى أمريكا الشمالية، وكانت لقاءات الإخوان هناك – فى ذلك الحين – عبارة عن مؤتمرات، ومُخيمات اتحاد الطلبة.. وفى العام 1969م؛ تم عقد أول لقاء تنظيمى للإخوان، بشكلٍ «مستقل» عن اتحاد الطلبة، مع الاحتفاظ بمؤتمرات ومخيمات اتحاد الطلبة.. وفى أواخر الستينيات، وبداية السبعينيات؛ تم تأسيس «المنظمات المهنية» التابعة لاتحاد الطلبة، مثل: (جمعية الأطباء المسلمين، بالعام 1967م.. وجمعية علماء الاجتماع المسلمين، بالعام 1971م.. وجمعية العلماء والمهندسين المسلمين، بالعام 1974م)، وأصبح لكل منها «مؤتمر سنوى» خاص.
وفى العام 1973م؛ تم تأسيس «رابطة الشباب المسلم الكويتى».. ثم تم تطويرها بالعام 1976م؛ لتصبح: «رابطة الشباب المسلم العربى»، بما يسمح لها بالعمل على جميع الطلبة المسلمين «الوافدين» إلى أمريكا، من الدول العربية كافة.. وفى العام 1980م؛ تم تطوير «اتحاد الطلبة المسلمين» إلى «الاتحاد الإسلامى فى أمريكا الشمالية» (اسنا)؛ ليضم «الجاليات الإسلامية» من المهاجرين، و«المواطنين» كافة، بما يسمح لهم بتكوين «نواة» للحركة الإسلامية فى أمريكا الشمالية؛ ليستمر – فيما بعد – توغل الإخوان داخل أغلب المنظمات الإسلامية، التى يتم تشكيلها بـ«الولايات المتحدة»، فضلاً عن مؤسساتها «المستحدثة»، من حيث الأصل.. لمزيد من التفاصيل، يُمكن مراجعة:
هانى عبدالله، «كعبة الجواسيس: الوثائق السرية لتنظيم الإخوان الدولي»، مركز الأهرام للنشر (مؤسسة الأهرام الصحفية)، القاهرة، 2015م.
(2)- راجع «الحلقة العاشرة» من الدراسة: (انفراد: «الوثائق الأمريكية» عن الأجهزة السريّة لـ«دولى الإخوان»!)، جريدة «روزاليوسف» اليومية، 20 سبتمبر 2016م، ص5.
(3)- كتب تلك «المذكرة التفسيرية» القيادى الإخوانى «فلسطينى الأصل»: محمد أكرم العدلونى.
(4)- تصر أغلب الوثائق و«الأدبيات الإخوانية» على تصدير الحديث بـ«اسم الإسلام»، كمرادف للطريقة التى تفهم بها الجماعة «الإسلام» نفسه (!).. إذ تتحرك الجماعة – فى كثير من الأحيان – انطلاقًا من احتكاريتها لفهم الدين الإسلامي، وأن تصوراتها عن هذا الدين، هى التصورات «الصحيحة».