الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«يهوذا».. يصلب سيده من جديد ‎

«يهوذا».. يصلب سيده من جديد ‎
«يهوذا».. يصلب سيده من جديد ‎




هشام فتحى يكتب:
يهوذا ليس إنسانا عاديا، يعيش ويخون ويموت مثلنا، يهوذا خالد إلى أبد الآبدين، خان سيده بالقديم، بثلاثين من الفضة سلم «يسوع» للسلطة ليقتلوه، كان أحد أوفيائه، بل كان أحد مختاريه الإثنى عشر، تلميذه الورع التقى أمين خزينة الأموال، أحد حوارييه وأنصاره، لكنه فضل أمر السياسة على أمر الملكوت، بالرغم من أنه يرتدى زى الكهنوت.
لن يموت يهوذا، لن يموت مثلكم، بالرغم من أنه منكم، بل هو رأسكم، رأسكم الذهبي، يقود صلواتكم، ويقدم تقدماتكم للمذبح المقدس، يناولكم جسد سيدكم المصلوب بأفواهكم، يطلب منكم ترك الدنيا وشهواتها، يردد فيكم قول سيده «كونوا بالعالم ولكن لا تكونوا من العالم»، يتكلم بكلام سيده منذ القديم، ويوصيكم بالبعد عن السياسة وهو السائس العظيم، فالسياسة نجاسة، وما أدراك ما السياسة، إنها ملك الدنيا، ظل الحاكم، إحشد يحشد، طبل زمر، لن أعطيك ثلاثين من الفضة فقط، بل سأعطيك الحكم وسأمنحك الحياة والخلود، سأجعلك على ممالك الأرض إن سجدت لي، إن خررت لى عابدا، سأحصنك من الموت واجعلك خالدا مادمت ظلى، تسبح بحمدي، وسأصعدك للأعالى، وسأجلسك بجوار عرش الله، سأرفع ذكرك، أنت كوكب الصبح المنير الذى لم يسقط، لا تصدق الكتب، فيهوذا يبعث كل ليلة فى خلق جديد، ظلى الأمين.
يعلم يهوذا أنه يخون سيده، كل ليلة، سبعين مرة، وكأنه مسوق لحتفه، لمجده، لا فرق، يعلم أننا نعلم خيانته، لكنه استمرأ الخيانة، وهضمها، وتبرزها على قارعة الطريق، شممنا رائحته، ورأينا عورته بدون ورقة التوت، لم يصنع قمصانا من جلد للاختباء، بل أشار إلى تاج رأسه الذهبى، وصولجانه، هذا هو المهم، رضاء سيدى أهم.
أنا الخائن دوما، يهوذا الذى لا يموت. لكن، ما هو موقف الشعب وقد تجرع كئوس الخيانة سبعين مرة؟ بعضهم يدافع عنه متعجبين: لا حيلة له وهل له من الأمر شيء؟ وأكثرهم يؤمن بخيانته، يؤمن بأنه ذهب برجليه لحتفه أن خان سيده الحق، شنق نفسه، وخرجت أمعاؤه أمامنا ندما وتوبة، هل له من توبة؟ باليقين ليست له توبة، يهوذا لا يموت، يعود ليخون سيده من جديد، يصلبه، يرفعه فوق عيدان العار، يدافع عن نفسه قائلا: ماخنته إلا لمجدكم، مجده ومجدكم، اتركوني، فلولا خيانتى ما تمجد سيدى، اتركونى أخونكم وأسلم سيدكم، إن لم أخنه أنا سيخونه غيري، إن الخيانة تجرى كالدماء فى جميعنا، لكن الناجى من هرب منها ولفظها، أعترف أنى ضعيف، لا أقاوم الفضة ولا الذهب، جبان، خائف عليكم من مصير مجهول، تعذروننى كبعضكم، لقد عجلت بأمرى طوعا لأمر سيدي، ألم يأمرنى ليلة الصلب بأن ما أنا مزمع فعله فلأفعله بسرعة؟! وها أنذا ألبى وأجيب، ما لكم كيف تحكمون؟! يقينا، يستخدم يهوذا عقل إبليس، ذكاؤه خارق، لكنه لا ينطلى على من أنار الله عقولهم وقلوبهم، لقد جعل يهوذا من خيانته قدسا ولاهوتا جديدا، لكن هيهات، إن السيد لم يأمرك بخيانته، بلاهوته قد علم أنك ستخونه، لكنه لم يأمرك، فقط طلب منك التعجيل أن علم بملء قلبك، بكل ما فيه. يبتسم يهوذا، بل يضحك، ويقول ما أنا إلا ظل الحاكم وسنده لو كنتم تعلمون، تكذبون إذ تقولون لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة، بينما الدين فرع من السياسة أصيل، بل السياسة دين والدين سياسة، أنا والسائس واحد لا اثنان، أنا هو وهو أنا، إن سقط هو سقطت أنا، اتركونى لمهمتى الخالدة، فأنا يهوذا الذى لايموت.